46/05/04
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: جنود العقل و الجهل/صفات المؤمن /الغضب
خلاصة الجلسة السابقة:
إنّ البحث حول الغضب و آثاره السيّئة علی الأخلاق و حیاة الإنسان، من أهمّ المباحث الأخلاقیّة. الغضب في غیر محلّه یسبّب البؤس و المشاکل العدیدة للإنسان في الدنیا و الآخرة. قد أشرنا في السابق إلی أنّ الإنسان کیف یمکن أن یغضب. من العلل الموجبة للغضب هي أن یحبّ الأشخاص أموالهم و أنفسهم و اعراضهم حبّاً شدیداً زیادةً علی القدر المعمول؛ هذا التعلّق الزائد علی المعمول یوجب سرعة الغضب بمجرّد انثلام قلیل في المال أو المقام و المکانة.
نعم لا بأس بحبّ النفس و الأسرة و الأموال؛ لکن یجب أن یکون له حد. لا ینبغي أن یصل إلی حدٍّ فکّر الشخص في الانتقام بالأعمال العنیفة أو القتل بمجرّد إهانة و خسارة جزئیّة. إنّ کثیراً من الجنایات و القتل في الدنیا هي ناشئة عن حبّ النفس و قلّة کفاءة الأشخاص. و من إحدی عوامل أخر توجب الغضب هو القضاء السریع الطائش[1] . قد أقام بعض الأفراد بحرکة شدیدة حتّی مثل الفحش و الإهانة قبل استماع تمام کلام الطرف المقابل.
ثمّ إنّ کثیراً من الطلاقات الواقعة في هذه الأیّام فهي بسبب الغضب و عدم التحمّل. علی سبیل المثال، یمکن أن تنتهي الحیاة المشترکة إلی نهایتها في اللیلة الأولی من النکاح أو العقد بسبب سوء التفاهم أو قلیل من عدم الرضا. هذه الأفعال ناشئة من قلّة الکفاءة و زیادة حبّ النفس. یرید الشخص أن یکون الحقّ معه في جمیع الشرائط و لا یتمکّن حینئذٍ من تحمّل الانتقاد أو عمل صغیر لا یناسب ذوقه.
طریق الوصول إلی رحمة الله:
«مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ فِيمَا نَاجَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ مُوسى (عليهالسلام): يَا مُوسى، أَمْسِكْ غَضَبَكَ عَمَّنْ مَلَّكْتُكَ عَلَيْهِ؛ أَكُفَّ عَنْكَ غَضَبِي»[2] ؛ من له القدرة فهو یصرخ علی من تحت یده. إذا أمسکت غضبک فإنّ الله لا یغضب عليك. من طرق الوصول إلی رحمة الله و الابتعاد من غضبه، الرحمة علی من تحت الید و عدم الغضب علیهم.
قال الصادق (علیهالسلام): «قَالَ الْحَوَارِيُّونَ لِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ يَا مُعَلِّمَ الْخَيْرِ أَعْلِمْنَا، أَيُّ الْأَشْيَاءِ أَشَدُّ فَقَالَ أَشَدُّ الْأَشْيَاءِ غَضَبُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلّ»[3] ؛ فأستعیذوا بالله من أن یغضب علیکم فإنّ غضبه أعلی و أشدّ من جمیع الأشیاء.
«قَالُوا فَبِمَ يُتَّقَى غَضَبُ اللَّهِ» ما ذا نفعل حتّی لا یشملنا غضب الله- تعالی؟ «قَالَ بِأَنْ لَا تَغْضَبُوا». إن غضبت علی الناس في الدنیا فلعلّك ستعرض لغضب الله و لکن إذا غضبت فلم تعمل به بل عفوت و تعاملتَ بالرحمة و المحبّة و العطوفة فارجُ أن لا تتعرّض لغضب الله- تعالی.
«عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ سَمِعْتُ أَبِي علیه السلام يَقُولُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه و آله رَجُلٌ بَدَوِيٌّ فَقَالَ إِنِّي أَسْكُنُ الْبَادِيَةَ فَعَلِّمْنِي جَوَامِعَ الْكَلَامِ»؛[4] أي علّمني ماذا أفعل للسعادة تعلیماً مختصراً مفیداً و جوامع الکلم هي جملات مختصرة مفیدة. «فَقَالَ آمُرُكَ أَنْ لَا تَغْضَبَ فَأَعَادَ عَلَيْهِ الْأَعْرَابِيُّ الْمَسْأَلَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ حَتَّى رَجَعَ الرَّجُلُ إِلَى نَفْسِهِ فَقَالَ لَا أَسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَ هَذَا مَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله إِلَّا بِالْخَيْرِ» قال الرجل: صدقتَ إنّها هي جوامع الکلم و إذا فکرّت تجد أنّ جمیع مشاکل حیاة البشر فهي بسبب الغضب في غیر مورده. «فَقَالَ: لَا أَسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَ هذَا، مَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صلىاللهعليهوآله إِلاَّ بِالْخَيْرِ»؛ أي إنّی قد أخذت جوابي و هذا الجواب خیر الأجوبة. «قَالَ وَ كَانَ أَبِي يَقُولُ أَيُّ شَيْءٍ أَشَدُّ مِنَ الْغَضَبِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَغْضَبُ فَيَقْتُلُ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ وَ يَقْذِفُ الْمُحْصَنَةَ»؛ کم من قتل وقع لهذا الغضب، یغضب و یقذف المحصنة، یغضب و لیست له کفاءة و لم یفحص و یتکلّم بکلام بسبب احتمال ثمّ ندم علی ما قال.
لذلك يجب علينا أن نلتفت إلی الغضب التفاتاً خاصّاً. یقول القرآن الکریم: ﴿وَ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَوَاحِشَ وَ إِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾[5] ؛ من الأشیاء الّتي ذکرها القرآن هو أنّك إذا أردت أن تعرف الصالحین من الناس فلا تنظر إلی صلاتهم و صیامهم و ذکرهم فقط بل المعیار الأصليّ لمعرفة الإنسان هو تعامله حین الغضب.
تقول الآیة الأخری: ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَ الضَّرَّاءِ وَ الْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَ الْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾[6] ؛ هناك بعض الأفعال یعملها الإنسان مثل صلاة الجماعة و الدعاء و الذکر؛ فإنّ هذه کلّها خیر جدّاً لکن من الأشیاء المهمّة التي تُعدّ من خصوصیّات الصالحین هو الإنفاق؛ أي إذا اتفقت للمجتمع مشکلة فهو یبذل المال أم لا؟ إنّ هناك بعضاً یعطون جمیع ذهبهم للبنان و ینفقون. هذه معیار الإیمان، منه الإنفاق و الآخر کظم الغیظ و الثالث العفو عن الناس. الذین قدروا و استطاعوا الإنتقامَ و لکنّهم یعفون فأولئك من المحسنين ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.