الحدیث الأستاذ محسن الفقیهی

46/04/26

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: جنود العقل و الجهل/صفات المؤمن /الغضب

خلاصة الجلسة السابقة: إنّ الغضب من الأشیاء التي یمکن أن تدمّر الإنسان إذا لم تتمّ إدارته. لهذه المسألة آثار غیر متدارکة لا في الدنیا فقط بل في الآخرة فإنّ سبب کثیر من الجنایات و النزاعات و الاختلافات العائلیّة و الطلاقات، هو الغضب في غیر محلّه و عدم القدرة علی السیطرة علیه.

أسباب ظهور الغضب و الضعف عن السیطرة علیه:

یظهر غضب الإنسان في الغالب لاهتمامه المفرط في حبّ نفسه و ممتلکاته. التبعیّون إلی المال و المنصب و النفس و ماء الوجه المحبوّن لها کثیراً فإنّهم یغضبون بسرعة. على سبيل المثال إذا قام شخص بإضرار في ماله أو منصبه أو التهدید علیهما فهو یغضب علی الفور و یعمل بشدّة.

لیس لدیهم احتمال إلّا قلیلاً و یُظهرون أفعالاً غیر عقلائیّة. تبیّن هذه المسألة لنا أنّ حبّ النفس و العلاقة المفرطة بالدنیا و مظاهرها، هو السبب المهمّ لظهور الغضب في غیر محلّه.

مضرّات الغضب في غیر محلّه من وجهة نظر الأحادیث:

قد عُرف الغضب في الروایات الإسلامیّة بعنوان «أمّ الأمراض»؛ أي إنّ هذه الصفة إذا لم تتمّ السیطرة علیها فهي تمهّد لکثیر من الذنوب و الأخطاء.

قال عليّ (علیه السلام): «الْغَضَبُ يُفْسِدُ الْأَلْبَاب‌»[1] ؛ أي الغضب یفسد العقل و یوجب ضعف الإنسان عن التفکّر و العزم الصحیحین. قال النبيّ (صلّی الله علیه و آله) أیضاً في حدیث: «الْغَضَبُ يُفْسِدُ الْإِيمَانَ كَمَا يُفْسِدُ الْخَلُّ الْعَسَلَ».[2]

في رأي المعصومین (علیهم السلام) أنّ الإنسان إذا غضب فهو یعمل کمجنون و یمکن أن یُظهر من نفسه مقالةً أو أعمالاً قبیحةً و ردئیةً التي لا تلیق بشخصیّته. قال علي (علیه السلام): «بِئْسَ الْقَرِينُ الْغَضَبُ يُبْدِي الْمَعَايِبَ وَ يُدْنِي الشَّرَّ وَ يُبَاعِدُ الْخَيْرَ».[3] الغضب کغشاء تذهب بجمیع الوقار و المتانة و شخصیّة الإنسان و یسوقه إلی الأعمال الردیئة.

طرق علاج الغضب

ثمّ إنّ للعلاج و السیطرة علی الغضب أسلوبین کلّيّین:

۱. الأسلوب العلمي:

في هذا الأسلوب یجب علی الإنسان أن یدرك المفاسد و الآثار المنفیّة للغضب من خلال الدراسة و التدبّر في التعالیم الدینیّة و الروایات و علیه أن یجتنب منها. إذا علم الإنسان بحقیقة الغضب و آثاره المدمّرة فمن الطبیعيّ أن یجتنبه.

من الروایات الواردة في هذا الصدد قول النبيّ (صلی الله علیه و آله): «إِذَا غَضِبْتَ فَاسْكُتْ»[4] . قال علي (علیه السلام): «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَب‌»[5] ؛ هذا النوع من النظر إلى الغضب و إدراك عواقبه يجعل الإنسان يفكّر و يسیطر علی غضبه في الأوقات الحسّاسة.

الأسلوب العملي:

في الأسلوب العلمي، یلزم علی الإنسان أن یوطّئ نفسه لمواجهة المواقع الاحتمالیّة. علی سبیل المثال إذا أراد أن یحضر مجلساً یمکن فیه وقوع مباحث حارّة و مثیرة للنزاع فإنّه یلقّن نفسه قبل حضوره بأنّه لن یغضب أبداً و یعامل مع المجالسین بالصبر و الهدوء.

قد ورد في روایة أنّ النبيّ (صلّی الله علیه و آله) قال: «مَنِ ابْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ فَلَا يَقْضِيَنَّ وَ هُوَ غَضْبَانُ»[6] ؛ إذ لا یعمل عقله و منطقه في هذه الحالة بشکل صحیح. هذه النصیحة تدلّ علی أنّ الإنسان لا یستطیع عند غضبه أن یقضي صحیحاً مع رعایة العدل.

الطرق الأخری لإیقاف الغضب:

الصبر و السکوت:

یمکن أن یکون السکوت أفضل طریق عندما یغضب الإنسان. یمکن له أن یتجنّب من الکلمات الشدیدة و القبیحة بحفظ اللسان.

ذکر الله و ذکر التقوی:

ألا بذکر حضور الله یطمئنّ قلب الإنسان و یتسلّط علی نفسه عند الشرائط الحَرِجَة.

التنفّس العمیق و ترك البیئة:

ترك البیئة أو التنفّس العمیق یساعد الإنسان علی إخماد نار غضبه.

دور الروحانیّین و العلماء في السيطرة على الغضب:

ثمّ إنّ للسیطرة علی الغضب بالنسبة إلی من له شأن اجتماعيّ خاصّ و المعنويّ هکذا، أهمیّةً خاصّةً. على سبيل المثال، إذا غضب أحد رجال الدين أو العلماء في الوَری و عمل عملاً غير لائق بشأنه فبالإضافة إلى الإضرار بشخصيّته، يضرّ أيضاً بمكانة الدين.

تجمیع و إنتاج:

و بالجملة فإنّ السيطرة على الغضب ضرورة أخلاقيّة و دينيّة لا بدّ من تحقيقها بالجهد و الممارسة. الغضب يمكن أن يدّمر إيمان الشخص و عقله و شخصيّته و يسبّب ظهور أفعال و كلمات غير لائقة. و باستخدام الأساليب العلمیّة و العمليّة يستطيع الإنسان سیطرةً علی غضبه و حیاةً أکثر هدوءاً و نجاحاً.


[1] مستدرك الوسائل، المحدّث النوري، ج12، ص11.
[2] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج2، ص302.
[3] مستدرك الوسائل، المحدّث النوري، ج12، ص13.
[4] بحار الأنوار - ط مؤسسةالوفاء، العلامة المجلسي، ج73، ص272.
[5] بحار الأنوار - ط مؤسسةالوفاء، العلامة المجلسي، ج77، ص153.
[6] من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج3، ص11.