46/04/26
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: جنود العقل و الجهل/صفات المؤمن /الغضب
خلاصة الجلسة السابقة: إنّ الغضب من الأشیاء التي یمکن أن تدمّر الإنسان إذا لم تتمّ إدارته. لهذه المسألة آثار غیر متدارکة لا في الدنیا فقط بل في الآخرة فإنّ سبب کثیر من الجنایات و النزاعات و الاختلافات العائلیّة و الطلاقات، هو الغضب في غیر محلّه و عدم القدرة علی السیطرة علیه.
أسباب ظهور الغضب و الضعف عن السیطرة علیه:
یظهر غضب الإنسان في الغالب لاهتمامه المفرط في حبّ نفسه و ممتلکاته. التبعیّون إلی المال و المنصب و النفس و ماء الوجه المحبوّن لها کثیراً فإنّهم یغضبون بسرعة. على سبيل المثال إذا قام شخص بإضرار في ماله أو منصبه أو التهدید علیهما فهو یغضب علی الفور و یعمل بشدّة.
لیس لدیهم احتمال إلّا قلیلاً و یُظهرون أفعالاً غیر عقلائیّة. تبیّن هذه المسألة لنا أنّ حبّ النفس و العلاقة المفرطة بالدنیا و مظاهرها، هو السبب المهمّ لظهور الغضب في غیر محلّه.
مضرّات الغضب في غیر محلّه من وجهة نظر الأحادیث:
قد عُرف الغضب في الروایات الإسلامیّة بعنوان «أمّ الأمراض»؛ أي إنّ هذه الصفة إذا لم تتمّ السیطرة علیها فهي تمهّد لکثیر من الذنوب و الأخطاء.
قال عليّ (علیه السلام): «الْغَضَبُ يُفْسِدُ الْأَلْبَاب»[1] ؛ أي الغضب یفسد العقل و یوجب ضعف الإنسان عن التفکّر و العزم الصحیحین. قال النبيّ (صلّی الله علیه و آله) أیضاً في حدیث: «الْغَضَبُ يُفْسِدُ الْإِيمَانَ كَمَا يُفْسِدُ الْخَلُّ الْعَسَلَ».[2]
في رأي المعصومین (علیهم السلام) أنّ الإنسان إذا غضب فهو یعمل کمجنون و یمکن أن یُظهر من نفسه مقالةً أو أعمالاً قبیحةً و ردئیةً التي لا تلیق بشخصیّته. قال علي (علیه السلام): «بِئْسَ الْقَرِينُ الْغَضَبُ يُبْدِي الْمَعَايِبَ وَ يُدْنِي الشَّرَّ وَ يُبَاعِدُ الْخَيْرَ».[3] الغضب کغشاء تذهب بجمیع الوقار و المتانة و شخصیّة الإنسان و یسوقه إلی الأعمال الردیئة.
طرق علاج الغضب
ثمّ إنّ للعلاج و السیطرة علی الغضب أسلوبین کلّيّین:
۱. الأسلوب العلمي:
في هذا الأسلوب یجب علی الإنسان أن یدرك المفاسد و الآثار المنفیّة للغضب من خلال الدراسة و التدبّر في التعالیم الدینیّة و الروایات و علیه أن یجتنب منها. إذا علم الإنسان بحقیقة الغضب و آثاره المدمّرة فمن الطبیعيّ أن یجتنبه.
من الروایات الواردة في هذا الصدد قول النبيّ (صلی الله علیه و آله): «إِذَا غَضِبْتَ فَاسْكُتْ»[4] . قال علي (علیه السلام): «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَب»[5] ؛ هذا النوع من النظر إلى الغضب و إدراك عواقبه يجعل الإنسان يفكّر و يسیطر علی غضبه في الأوقات الحسّاسة.
الأسلوب العملي:
في الأسلوب العلمي، یلزم علی الإنسان أن یوطّئ نفسه لمواجهة المواقع الاحتمالیّة. علی سبیل المثال إذا أراد أن یحضر مجلساً یمکن فیه وقوع مباحث حارّة و مثیرة للنزاع فإنّه یلقّن نفسه قبل حضوره بأنّه لن یغضب أبداً و یعامل مع المجالسین بالصبر و الهدوء.
قد ورد في روایة أنّ النبيّ (صلّی الله علیه و آله) قال: «مَنِ ابْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ فَلَا يَقْضِيَنَّ وَ هُوَ غَضْبَانُ»[6] ؛ إذ لا یعمل عقله و منطقه في هذه الحالة بشکل صحیح. هذه النصیحة تدلّ علی أنّ الإنسان لا یستطیع عند غضبه أن یقضي صحیحاً مع رعایة العدل.
الطرق الأخری لإیقاف الغضب:
الصبر و السکوت:
یمکن أن یکون السکوت أفضل طریق عندما یغضب الإنسان. یمکن له أن یتجنّب من الکلمات الشدیدة و القبیحة بحفظ اللسان.
ذکر الله و ذکر التقوی:
ألا بذکر حضور الله یطمئنّ قلب الإنسان و یتسلّط علی نفسه عند الشرائط الحَرِجَة.
التنفّس العمیق و ترك البیئة:
ترك البیئة أو التنفّس العمیق یساعد الإنسان علی إخماد نار غضبه.
دور الروحانیّین و العلماء في السيطرة على الغضب:
ثمّ إنّ للسیطرة علی الغضب بالنسبة إلی من له شأن اجتماعيّ خاصّ و المعنويّ هکذا، أهمیّةً خاصّةً. على سبيل المثال، إذا غضب أحد رجال الدين أو العلماء في الوَری و عمل عملاً غير لائق بشأنه فبالإضافة إلى الإضرار بشخصيّته، يضرّ أيضاً بمكانة الدين.
تجمیع و إنتاج:
و بالجملة فإنّ السيطرة على الغضب ضرورة أخلاقيّة و دينيّة لا بدّ من تحقيقها بالجهد و الممارسة. الغضب يمكن أن يدّمر إيمان الشخص و عقله و شخصيّته و يسبّب ظهور أفعال و كلمات غير لائقة. و باستخدام الأساليب العلمیّة و العمليّة يستطيع الإنسان سیطرةً علی غضبه و حیاةً أکثر هدوءاً و نجاحاً.