الحدیث الأستاذ محسن الفقیهی

46/04/12

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: جنود العقل و الجهل/صفات المؤمن /الغضب

خلاصة الجلسة السابقة: من صفات الإنسان التي یجب استغلالها بشکل أمثل، هو الغضب. هل الغضب من الصفات الحسنة أو السیّئة الموجبة لذمّ الإنسان؟ أصل القوّة الغضبیّة- کما أشار إلیه الإمام الراحل (أعلی الله مقامه الشریف) في أربعین الحدیث- من النعم الإلهیّة. تری أنّك عندما تذهب إلی الدجاجة فإنّها تهرب منك و لكن عندما تکون لدیها أفراخ و یذهب إلیها أحد فإذاً تغضب و تدافع عن أفراخها حتّی تقاتل مع الحیّة؛ أي تصیر قوّتها أضعافاً مضاعفةً.

الإنسان هکذا إذا غضب و أراد الدفاع عن زوجته و أطفاله و حیاته فإذاً تصیر قوّته مضاعفةً. یعطیك الغضب قوّةً زائدةً. من لیست له إرادة علی الحرکة، إذا غضب یتحرّك و یعمل بقوّة. هذه نعمة من الله إن استُخدِمت بشکل أمثل.

مکانة الغضب:

ثمّ إنّ الغضب قد أوقع کثیراً من الناس في البُؤس؛ قد صار الشخص غضباناً و عمل عملاً أو یتکلّم بکلمة فارتدّ و کفر أو قتل آخرَ. کثیر من الفجائع الموجودة في العالم ناشئة عن الغضب في غیر محلّه. یغضب فیضرب زوجته و ولده و یکسر وعاءاً أو یلقي بنفسه من الأعلی إلی الأسفل فیقتل نفسه. کثیر من الأوقات إذا حدث غضب فسینجرّ إلی کثیر من الفجائع. لکنّ العقلاء و المتّقین إذا غضبوا، یستخدمون غضبهم استخداماً أمثل و یستعملونه مع السیطرة علیه؛ أي یساعدهم العقل و التقوی فیجمعون حواسّهم.

و لتوضیح الموقف الصحیح أو الخطأ في الغضب أقدّم لکم مثالاً أو مثالین. ذهب موسی (علیه السلام) إلی جبل طور لتلقّي الأوامر الإلهیّة فجعل أخاه هارون مکانه في المدینة. ثمّ اغتنم الأعداء الفرصة و صنع السامريّ عجلاً و دعا الناس إلی عبادته. وصل الخبر إلی موسی (علیه السلام) فغضب و رجع. قال الله- تعالی: ﴿وَ لَمَّا رَجَعَ مُوسی‌ إِلي‌ قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُوني‌ مِنْ بَعْدي أَ عَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّکُمْ وَ أَلْقَی الْأَلْواحَ وَ أَخَذَ بِرَأْسِ أَخيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ﴾[1] قال موسی (علیه السلام) لقومه: إنّي قد دعوتُکم إلی التوحید و أنتم تعبدون الآن عجل السامري؟ ثمّ أخذ بشعر أخیه و أخذه فقال لمَ سکتّ أمامهم حتّی یصلوا إلی هذا الحال؟

إذا رأی بنو إسرائیل أنّ مواجهة موسی (علیه السلام) حقیقيّ جدّاً رجعوا عن أعمالهم فأثّر غضبه علیهم. الأنبیاء هکذا قد کانوا یغضبون و لکن کان غضبهم في مکانه؛ أي قد یوجب الغضب حلّ المشاکل و اصلاحها.

في قصّة أبي ذرّ إذا قال لعثمان مطالب في مقام النصیحة، نفاه عثمان عن بلده. قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لأبي ذرّ: «يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ إِنَّمَا غَضِبْتَ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَارْجُ مَنْ غَضِبْتَ لَه».[2] خلاصة ما یستفاد أنّ بعض الغضب مطلوب و بعضه مذموم.

معیار الغضب:

لدینا الغضب و قد نغضب في الأمور المختلفة کالأسرة و الأمور الاجتماعیّة و السیاسیّة و غیرها فیجب النظر إلی أنّ الغضب أین یکون مطلوباً و أین یکون مذموماً؟ قال الصادق (علیه السلام): «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُ الَّذِي إِذَا غَضِبَ لَمْ يُخْرِجْهُ غَضَبُهُ مِنْ حَقٍّ وَ إِذَا رَضِيَ لَمْ يُدْخِلْهُ رِضَاهُ فِي بَاطِلٍ وَ إِذَا قَدَرَ لَمْ يَأْخُذْ أَكْثَرَ مِمَّا لَهُ».[3] أحد المعاییر أن لا یبعدك الغضب عن الحقّ. إذا غضبتَ و سببتَ أو ضربتَ أحداً أو أهنتَ الله و رسوله و الأئمّة (علیهم السلام) فاعلم أنّك قد أخطأت. إذا أخرجك الغضب عن الحالة العادیة و الحقّ و العدالة فاعلم أنّه غضب غیر صحیح. «وَ إِذَا رَضِيَ لَمْ يُدْخِلْهُ رِضَاهُ فِي بَاطِلٍ» راقب إن کنت غیر غضبان فهل تکون في حقّ أو باطل؟ یمکن أن لا تکون غضباناً مع أنّك في باطل؛ إذ هنا مکان الغضب. المعیار هو الحقّ و العدالة، إن راعیت الحقّ و العدالة ثمّ غضبت، علم أنّ الغضب صحیح. و إن لم تستطع علی مراعاة العدالة و تغضب و تتکلّم بکلّ کلام فاعلم أنّ غضبك ليس صحيحاً.

ما یبدو إلی النظر و ما یکون مهمّاً، هو أن نتمکّن من امتلاك الغضب فلیدقّق أهل الغضب النظرَ في أنّ الغضب یجعل الإنسان ذا بؤس و یسبّب له مشاکل عدیدةً.


[1] السورة اعراف، الأية 150.
[2] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج8، ص207.
[3] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج2، ص233.