الحدیث الأستاذ محسن الفقیهی

46/04/05

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: جنود العقل و الجهل/ صفات المؤمن/ الرحمة

 

خلاصة الجلسة السابقة: قد ذکرنا في الجلسة السابقة قصّة عابد بني إسرائیل الذي غرّه الشیطان و قال له إن ارتکبت معصیةً فستصیر أقوی علی العبادة. یستطیع الشیطان أن یغوي العابد هکذا و لا یمکن له إغواء العالم بهذا الشکل؛ إذ هو یعلم أنّه لا یمکن القرب من الله- تعالی- بالمعصیة و لکن یغترّ العابد حیث لم یکن له علم. و لأجل ذلك قال رسول الله (صلّی‌الله‌علیه‌وآله‌وسلّم): «فَقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى إِبْلِيسَ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ»[1] إحتمال المجتهد و الفقیه الواحد أشدّ علی إبلیس؛ إذ لا یمکن له اغتراره إلّا إذا أراد هو بنفسه و یبحث عن المقام و النقد و الشهرة فإذاً یغترّ بسهولة و لکن إذا لم یرد هذه الأمور فلا یمکن للشیطان إغواءه.

«عَالِمٌ يُنْتَفَعُ بِعِلْمِهِ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ أَلْفَ عَابِدٍ»[2] هذا علامة أنّ علینا السعي في تحصیل العلم. إن عصینا أحیاناً فلا نغترّ بغرور الشیطان، نعم قد توجب الشهوة و الغضب و حبّ المقام خطأَ العالم و لیس الأمر أن لا یخطئ العالم و لکن بالأخیرة هناك فرق بین العالم و العابد.

الغضب:

من الصفات الرذیلة أو الصفات التي توجب الفساد، هو الغضب. إنّ کثیراً من المفاسد في مجتمعنا؛ الطلاق و التخاصم و القتل و کثیر من هذه المفاسد یکون منشأها الغضب. یغضب الشخص فبالتالي لا یعمل عقله فیرتکب الفساد. یغضب في بیته و یضرب زوجته و ولده أو یذهب إلی الشارع و یغضب مع تصادم جزئيّ و یستعمل السکّین و یقتل المخاصمَ له.

هذا الغضب منشأ کثیر من المفاسد. ثمّ إنّه یُری في من حولنا عادةً أنّهم إذا غضبوا لا یمتلکون أنفسَهم. هذا الغضب مذموم و لا یجوز للإنسان أن یکون هکذا. إذا غضبتم فاشربوا کأساً من الماء أو امشوا أقداماً أو اشغلوا أنفسکم بعمل أو ذکر حتّی یذهب عنکم الغضب و لا تعزموا في حالة الغضب. العزم في حالة الغضب لیس مطابقاً للعقل. المفاسد الموجودة في الاجتماع فلأجل العزائم في زمن الغضب.

قال الله- تعالی: ﴿الَّذينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَ الضَّرَّاءِ وَ الْکاظِمينَ الْغَيْظَ وَ الْعافينَ عَنِ النَّاسِ وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنينَ﴾[3] إنّ الذین یقدرون علی امتلاك غضبهم هم الرحمانیّون و الإلهیّون. إنّ من لم یمتلك غضبه فلیس مناسباً للرئاسة و الإدارة؛ إذ هم إذا غضبوا لم یعلموا کیف یصنعون.

فمن المشاکل الموجودة في الجوامع هي مسألة الغضب. علیکم بالجهاد مع النفس و الممارسة حتّی لا یغلب علیکم الغضب. لا بأس و یمکن أن یغضب الإنسان و لکن یجب أن یحتمل و یخزن لسانه و یمتلك نفسه و لا یعزم في حال الغضب. إنّ کثیراً من الطلاقات و الاختلافات و المشاکل فلأجل أنّ الناس إذا غضبوا فهم یعزمون ثمّ عن کلامهم لا یرجعون.

قد راجعتنا أسرةٌ مع أربعة أولاد و الزوجة قد أرادت الطلاق. ثمّ إذا سألنا العلّة قالوا إنّ الزوج کان غضباناً و ضرب بیده علی زوجته و أخذ هاتفتها المحمول و رماه إلی جانب فانکسر الهاتف فوقع الاختلاف من هنا. یجب في هذه المواقع التفکّر في أنّه کیف اتّفقت هذه المسألة. قد یوجب الغضب فساداً، نعم عملُ هذا الرجل خطأ و لکن لا یکون دلیلاً علی أن تدمّر الحیاة بالکلّیّة و ألّا تسمع قول واحد من الناس. إذا دقّق الإنسان في النظر و تفکّر جیّداً في المسألة، وجد أنّ هذه الأعمال لا تطابق العقل.

فائدة الغضب و ضرره:

إذا کان الغضب سوءاً فلمَ أعطاه الله الإنسان؟ إن دقّقتَ في النظر، وجدتَ أنّ هذه الصفة التي أعطاها الله الإنسان و قد یغضب الأناس فهي شيء حسن في أصله. الغضب لیس شيئاً سيّئاً بل هو مطلوب. إن کانت في بیتك دجاجة و قربتَ منه و رأتْك الدجاجة فإذاً تفرّ منك و لكنّها إذا کانت لها فِراخ و قربتَ من فراخها فإذاً هجمتِ الدجاجة علیك. تصیر الدجاجة ذاتَ قدرة تتمکّن بها علی الإیقاف أمام الحیّة و المبارزة معها حتّی لا تضرّ بفِراخها.

إذا وُجد الغضب وجدت القدرة. إنّ من لیست له قدرة في الحالة العادیة فإنّه إذا غضب صار ذا قدرة یقوم بها أمام کثیر من الناس. الغضب یکون لحفظ النفس، إذا رأی ولده في خطر، قام و سعی في نجاته؛ یکون الغضب شيئاً حسناً لحفظ النفس و المال و العرض لکن یجب أن یستعمل في موضعه. یجب علی الإنسان أن یکون غیوراً و یستعمل غضبه في موضعه و لکنّه إذا استعمله في غیر موضعه فلا یکون حسناً.

فالغضب قوّة قد جعلها الله- تعالی- في وجود الإنسان و لها محاسن حتّی أنّ الإمام الخمینيّ (أعلی‌الله‌مقامه‌الشریف) قد کتب «ثمرات القوّة الغضبیّة». لهذه القوّة ثمرات في الحروب و المواضع المختلفة و إن أوجب الفساد في بعض المواضع. و یجب أن یعلم الإنسان العاقل المختار موضع استعمال غضبه و موضع المنع. إنّ إدارة الغضب مهمّة و لا یمکن القول بأنّ الغضب شيء سيّء. و لذا نقل في الأنبیاء و أوصیائهم مثل موسی (علی‌نبیّناوآله‌وعلیه‌السلام) و نبيّ الإسلام (صلّی‌الله‌علیه‌وآله‌وسلّم) و عليّ (علیه‌السلام) أنّهم کانوا یغضبون في موارد متعدّدة و کان غضبهم ذا فوائد کثیرة و قد حلّ مشاکل کثیرةً و لکنّ العمدة إدارة الغضب حتّی لا یجرّ الإنسان إلی الفساد.


[1] بحار الأنوار - ط مؤسّسةالوفاء، العلّامة المجلسي، المجلّد1، الصفحة177.
[2] الكافي- ط الإسلاميّة، الشيخ الكليني، المجلّد1، الصفحة33.
[3] سورة آل عمران، آية 134.