الحدیث الأستاذ محسن الفقیهی

46/03/28

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: جنود العقل و الجهل/ صفات المؤمن/ الرحمة

 

کان البحث حول صفات المؤمن. من صفات المؤمن الرحمة. ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَ الَّذينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَی الْکُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ﴾[1] .

ترون في هذه الأیّام أنّ الشعب اللبنانیّة و الغزّة في شدّة و مشاکل کثیرة، قد دمّرت حیاتهم و ما امتلکوه و هذه الأفراد کثیرة. قد استشهدت نساء و أطفال کثیرة و دمّرت حیاة کثیر من الناس. قد أمر المراجع للتقلید الناسَ بمساعدتهم حتّی یخرج الشعب اللبنانیّة و الغزّة من هذا المشکل إلی حدٍّما. هذا من صفات المؤمن.

قد نُقل من رسول الله (صلّی‌الله‌علیه‌وآله): «وَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَضَعُ اللَّهُ الرَّحْمَةَ إِلَّا عَلَى رَحِيمٍ» إن کنتم رحماء فالله یرحمکم. «قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّنَا رَحِيمٌ قَالَ لَيْسَ الَّذِي يَرْحَمُ نَفْسَهُ وَ أَهْلَهُ خَاصَّةً» أن ترحم أهلك حسن جدّاً و تثاب علیه و لکن لیس کافیاً. «وَ لَكِنِ الَّذِي يَرْحَمُ الْمُسْلِمِينَ»[2] ؛ أي کما ترحمون أنفسکم و أزواجکم و أولادکم فارحموا المسلمین. إن حدثت لمسلم مشکلة فالتفتوا إلیه و تفکّروا فیه مقداراً و اسعوا في حلّ مشاکل المسلمین.

قال أمیر المؤمنین (علیه‌السلام): «قالَ رسولُ اللهِ (صلّى‌الله‌عليه‌وآله): مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ لَا يَرْحَمُهُ اللَّهُ»[3] و في هذا الصدد روایات راجِعوا إن شئتم.

نقل في روایة أخری من رسول الله (صلّی‌الله‌علیه‌وآله): «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاء»[4] .

 

من أقسام الرحمة، الإعانة و بذل قسمة من الأموال و هذا من أیسر الأعمال. و منها الإعانة بالنفس؛ یعین المسلمین بنفسه. و منها الإعانة الثقافيّة؛ أي یتکلّم مع الجهّال و یبیّن لهم مسائلهم العلمیّة و الثقافیّة و الدینیّة. و هذا أیضاً نوع من الرحمة.

قد حضرت بخدمة سماحة آیةالله العظمی السیستانيّ (سلّمه‌الله) بالنجف و کان من إحدی وصایاه الشدیدة للطلّاب هو أنّهم إذا تعلّموا مقداراً یتمکّنون من تعلیم القرآن و المسائل الشرعیّة فعلیهم أن یذهبوا و یعمروا المساجد و یعلّموا الناس القرآن و المسائل الشرعیّة. قلتُ له اسمح لهم أن یصیروا عالمین ثمّ یذهبون إلی المساجد. قال یکفي أنّهم قادرون علی تعلیم القرآن و المسائل الشرعیّة و توضیحها. نعم إنّ المستعدّین للتعلیم کثیراً إذا بقوا في الحوزات العلمیّة و تعلّموا فهذا جیّد و لکنّ الذین لا یتمکّنون من ذلك فلا یلزم أن یبقوا في الحوزات و لیس معلوماً أنّ عملهم مرضیّاً لصاحب الأمر (عجّل‌الله‌تعالی‌فرجه‌الشریف).

إنّ في کلّ بلد و قریة مسجداً أو مساجد خالیةً من إمام الجماعة؛ فأحیوا هذه المساجد و اجمعوا الناس و علّموهم و أطفالهم القرآنَ و قدّموا لهم الخدمات اللازمة و اعملوا لصاحب الزمان (عجّل‌الله‌تعالی‌فرجه‌الشریف) وظیفة خدمتکم.

هذا نوع من الرحمة؛ أي لیحترق قلبك للناس. علینا أن نرضي صاحبنا إمام الزمان (عجّل‌الله‌تعالی‌فرجه‌الشریف) و علینا واجبات. علینا أن نذهب في الصیف و نرشد الناس، هذا بعض من جهاد التبیین الذي قاله القائد المعظّم و من واجباتنا الشرعیّة أیضاً. علینا تعلیمهم و تبیین لهم الأمرَ بالمعروف و النهي عن المنکر و نفس المعروف و المنکر و المسائل الثقافیّة و الاجتماعیّة و السیاسیّة و تثقیفهم. هذا من إحدی أقسام الرحمة. فالرحمة قد تکون ببذل المال و قد تکون ببذل النفس؛ تذهب إلی الجبهة و تقاتل، هذا عالٍ جدّاً. و قد تکون الرحمة بجهاد التبیین و بیان الأحکام و المسائل و الواقعیّات. مع وجود الفضاء المجازيّ المسبِّب لانحراف کثیر من الناس حتّی أنّ أولادنا البالغین إلی ثلاث‌عشرة و أربع‌عشرة سنین لیسوا تحت اختیارنا و قد أثّر فیهم الهاتف المحمول و الفضاء المجازيّ تأثیراً بلیغاً. یدمّر الفضاء المجازيّ أذهان الأطفال و یؤثّر أثراً منفیّاً في تربیتهم.

یجب أن نأسف حقّاً علی ما حدث الآن. من جانب یُعمل أعمال الخیر کثیراً في الفضاء المجازيّ و من جانب آخر قد یسبّب هذا الفضاء انحراف کثیر من الناس و الشبّاب و الفتیان و الفتیات. علی هذا فمن أقسام الرحمة أن یزیل الإنسان جهالة عدّة من الناس و یقول الواقعیّات لهم و یبیّن لهم المسائل و یعلّمهم القرآن و یبیّنه لهم. هذه رحمة عظیمة یجب أن یقام بها.

روی الشیخ الکلینيّ (رحمه‌الله) قصّةً عجیبةً في الکافي[5] . و حاصله أنّه قد نقل من الإمام الصادق (علیه‌السلام) أنّه قال: کان في بني إسرائیل عابد یعبد في غار و هو یرفض الدنیا مشتغلاً بالعبادة و لم تکن له زوجة و ولد، بل قد اشتغل بالعبادة فقط. قال إبلیس وجب عليّ أن أضلّه بطریق فإذاً دعا ما حوله من الشیاطین و قال لهم کیف نمکن أن نضلّ هذا العابد؟ قال واحد منهم یجب أن تأتيه إمرأة جمیلة فتضلّه. قال إبلیس لا یمکن بهذا الطریق؛ لأنّه لم یر حتّی الآن إمرأةً و لا یلتفت إلیها و لا یمکن إضلاله بها. قال آخر نضلّه من طریق الخمر، قال إبلیس لا یمکن أیضاً أن نضلّه من هذا الطریق. قال ثالث منهم نضلّه من طریق العبادة. قال إبلیس قد صدقتَ.

ثمّ جاء ذاك الشیطان إلی مکان العابد و بسط سجّادةً و جعل أن یعبد في هذا الغار. إنّ العابد قد ینام و قد یقوم لیتوضّأ و یعبد، لکنّ الشیطان أتاه بصورة إنسان و لا یزال یعبد و لم یکن له نوم. رآه العابد أنّه یعبد کثیراً. بعد أن مضت أیّام، جاء العابد إلی الشیطان و قال له کیف لا تزال تعبد؟ لکنّ الشیطان لم یلتفت إلیه. ثمّ جاءه بعد مدّة و کرّر سؤاله و لم یسمع جواباً. ثمّ جاءه ثلاثاً و کرّر سؤاله و قال إنّي أحسر علی عملك. قال له الشیطان عندئذٍ إنّي قد ارتکبت معصیةً ثّم تبتُ منه و کلّما ذکرتُ معصیتي فلا یمکن لي النوم إلّا أن أعبد فقط. قال العابد ما معصیتك التي قد تُبتَ منه و وصلت إلی هذا المقام؟ قال الشیطان قد زنیتُ بإمرأة فاحشة و تبتُ من بعده و لا أزال أشتغل بالعبادة. و إن کنت ترید أن تبلغ مقامي فإنّ طریقه أن تعصي و تتوب من بعده. و عندئذٍ لاتزال في العبادة و ستصیر أحسن منّي.

کان العابد شخصاً ساذجاً بلیداً فقال للشیطان کیف أصنع؟ فأخبره الشیطان مکان المرأة فقال تذهب إلیها و تعصي ثمّ تتوب من بعده ثمّ تأتي إلی هنا. ثمّ أعطاه الشیطان مبلغاً من النقد حتّی یأتي البلد و یعصي. ثمّ یذهب العابد إلی مکان المرأة بلباس خَلِق. إذا رأی الناس العابدَ قالوا قد أتاها العابد لینصحها. علی أيّ حال أتی العابد الفاحشةَ فأعطاها النقد و سألها أن یزني بها.

إنّ إمرأةً فاحشةً سنین متمادیةً، یحترق قلبها علیه فقالت ما یأتي بك إلی هنا حتّی تسأل منّي هذا الفعل؟ فأخبرها العابد بما اتفّق له في الغار فقالت المرأة إنّ ذلك هو الشیطان قد أغواك، بل الإنسان إن اتّقی أفضل منه إن عصی ثمّ تاب. دلیلي علی ما قلت لك من أنّه هو الشیطان، أنّك إذا رجعت إلی مکانك لا تراه هناك. ثمّ رجع العابد إلی مکانه فلم یجده. قد احترق قلب امرأة فاحشة لعابد.

ثمّ إذا ماتت المرأة الفاحشة، جاء نبيّ الله في هذا الزمان فجمع الناس و قال لهم: إنّ الله قد غفر لها فاشهدوا جنازتها؛ لأنّها قد رحمت بإنسان، قالت في نفسها إنّ من أتاني للفحشاء فهو من أهلها و لکنّ العابد لیس من أهلها فرحمتها و لم تسمح لها أن یذنب فلأجل ذلك غفر الله لها و قد صلّی علیه نبيّ الله فجلّلها.

یجب أن یکون للإنسان رحم في الأبعاد المختلفة. إن تیسّر للإنسان أن یبذل ماله و نفسه و یبیّن جهادیّاً و یبیّن الحقائق للناس إذا ذهب إلی البلاد و القری فهذه کلّها من الرحمة و الرحمة توجب النجاة فإنّ لنا آخرةً و معاداً و یلزم علینا المصیر. نری کلّ یوم قد مضی عدّة من الأکابر، أستشهد هؤلاء و لهم یوم القیامة مقام عالٍ و رزقنا الله- إن شاء الله- الشهادة و صَیَّرَنا من المستشهدین.

یجب علینا أن نعتبر من هذه الروایات و القصص و نعلم أنّ الشیطان بالمرصاد و هو یرید أن یغوینا. الشیخ الأنصاريّ (أعلی‌الله‌مقامه‌الشریف) مع ما له من المقام المنیع، قال بعض تلامذته إنّي رأیت في المنام أنّ الشیطان یحمل علی کتفه حبالاً متعدّدةً و فیها حبل سمیکة فقلت له ما هذه الحبال؟ قال إنّ هذه الحبال وسائلي لأجرّ الناس إلی المعصیة. قلت ما هذا الحبل السمیك؟ قال هذا للشیخ الأنصاريّ (رحمه‌الله) کلّما ألقیته علی عنقه فلا أنجح و قد یأتي بعض الطریق و لکن یرجع ثانیاً. رغم أنّ حبلي قويّ و لکن لا أستطیع غلبته و خداعه. ثمّ استیقظت و ذهبت إلی الشیخ صباحاً و شرحت له نومي. قال الشیخ کانت لي حاجة یوماً و عندي نقود قد ترکته للطلّاب لاُعطي لهم رواتبهم الشهریّة، أردت أن آخذ منه لأردّه أیّام الرواتب الشهریّة. أخذت من هذه النقود حتّی أشتري شيئاً بها و لکن إذا وصلت نصف الطریق قلت في نفسي یمکن أن أموت قبل بلوغ ذاك الزمان. هذا تعبیر رؤیاك من أنّ الشیطان قد وسوس في صدري حتّی آخذ من هذه النقود و لکنّي لم اتمتّع بها و رددتها مکانها.


[1] سورة الفتح، آية 29.
[2] مستدرك الوسائل، المحدّث النوري، ج9، ص54.
[3] مستدرك الوسائل، المحدّث النوري، ج9، ص55.
[4] مستدرك الوسائل، المحدّث النوري، ج9، ص55.
[5] الروضة من الكافي، الشيخ الكليني، ج8، ص384.