45/11/06
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: جنود العقل و الجهل/ الإیمان/ عدم الیأس من رحمة الله
خلاصة الجلسة السابقة: کان البحث في الجلسة السابقة حول قساوة القلب و أنّها من أسوء صفات الإنسان. علی الإنسان أن یتّصف بصفات الله و لقد جاءت في القرآن عبارة "بسم الله الرحمن الرحیم" مأةً و أربععشرة مرّةً و هي تذکّر بأنّ الله رحمن رحیم فعلینا أن نتّصف بصفة الرحمن و الرحیم. لیکن غرضنا أن ننعکس رحمانیّة الله في حیاتنا. فلنکن بحیث إذا رأی الناس إیّانا التفتوا إلی خیراتنا و عواطفنا و قالوا: «ما أرحم و أشفق أناساً»! یجب أن تکون ألسنتنا و سلوکنا مع الخیر و المحبّة و لا نتکلّم مع أحد بالخشونة؛ إذ ربّنا هو الرحمن الرحیم و علینا أن نکون مظاهرَ لصفات الله حین التعامل مع الناس.
عدم الیأس من رحمة الله
کما یجب علینا أن نکون مظاهر أسماء الله و صفاته فعلینا أن لا نیأس من رحمة الله. لیس لأحد أن یدّعي أنّي لست بعاصٍ، کلّنا عاصون إلّا المعصومین (علیهمالسلام)، لدینا زلّات. إنّ للجمیع زلّاتٍ قد تکون فکریّةً و قد تکون لسانیّةً و قد تکون عملیّةً. و لکن علیك أن ترتبط مع الله و تتوکّل علیه و اعلمه رحماناً رحیماً و قل اللهمّ إنّي مذنب و لکن أتوب و أعلم أنّك تعفو عنّي و لا أرجع إلی أعمالي القبیحة بعد هذا.
ربّما ارتکبنا خطایا عندما کنّا شبّاباً و لکنّا لا نکون آئسین من رحمة الله. هذا منتهی رحمة الله إلینا أنّه قال لا تیأس و تعال مهما ارتکبت من الذنوب و کن صدیقاً لله یغفر لك خطایاك.
قال الله- تعالی: ﴿وَ لَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾[1] ما أشدّ الأمر! إن استیأست من رحمة الله فأنت في حدّ الکافر. إذا أسأت فلا یجوز لك القنوط. الإنسان ممکن الخطأ و لکن إذا تاب و سأل الله المغفرة فإنّ الله سیغفره.
و قال أیضاً: ﴿قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ﴾ ﴿وَ مَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ﴾[2] .
إن أذنبت أو أخطأت و أردت الآن التوبة فلا بأس فإنّ رحمة الله ستشملك. قد یُغفر جمیع معاصیك بسبب ذهابك مرّةً واحدةً إلی کربلاء. و من الکفر أن ییأس الإنسان و یقول إنّي عصیت کثیراً و لیست لي قابلیّة و لا فائدة فيّ و لا رجوع لي. مسیر الرجوع مفتوح دائماً للإنسان و تستطیع أن تصبح الأفضلَ.
قال في آیة أخری: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾[3] .
نکات معتنیبها في الآیة الأخیرة:
قُلْ یعني: یا رسول الله (صلّیاللهعلیهوآله) کرّر هذا الکلام للناس دائماً و فهّمهم.
يَا عِبَادِيَ یعني: أنا معکم و لدیکم و لیس أحد أقرب منّي إلیکم. تظنّون أنّ أزواجکم و أبناءکم أقرب إلیکم، نعم هؤلاء أقرب إلیکم و لکنّ الله أقرب إلیکم منهم. هذا معنی قوله: ﴿وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾[4] الله معکم دائماً.
يَا عِبَادِيَ یعني: یا عبادي أنتم لي. أنت تحبّ ولدك و لکنّ الله یحبّك فوقه آلاف مرّة، أنت عبد الله و الله خَلَقَك. ما أحبّ الأب و الأمّ أولادهما! مع أنّهما قد اجتهدا لهم قلیلاً و یتحمّلون کلّ المشاقّ لهم و یقولون إنّ الله أعطانا إیّاهم فعلینا أن نجتهد و ننفق علیهم و ... حتّی نربّیهم. و الله الذي خلقکم، هو یحبّکم و یتحبّب إلیکم. إذا صخب الأولاد فماذا یقول لهم الأب الشفیق؟ هل یقول: أیّها الظالم! أیّها الخبیث! أو یقول: بُنيّ حبیبي! قد أضررت بنفسك، ضع هاتفك بجانب و اقرأ درسك، لا تفعل هذا حبیبي! و الله یتکلّم مع عباده هکذا.
الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ یعني: أحبّائي! إنّ هذا سیضرّکم، إن تشرب الخمر فهو یضرّك، إن قامرت فهو یضرّك، إن أتیت بهذا الذنب فستوجد لك مشکلة، لا تفعل هذا، إنّي أقول هذا لنفسك. إنّ الآباء و الأمّهات إذا نصحوا أولادهم فإنّهم یتحدّثون لمنافعهم. یقولون کن علی حذر و إن فعلت کذا فسیصدم رأسك علی الحجر فإنّي قد جُرّبتُ خمسین سنةً و أنا أعلم فلا تفعل هذا. هذه محبّتکم إلی الأولاد لایزال تقولون حبیبي حبیبي و تنصحونهم فإنّ الله- تعالی- هکذا بل هو أعلی منه مأة درجة و لایزال یقول لا تفعل علی نفسك و لا یقول لا تفعل هذا عليّ بل یقول ﴿الَّذِينَ أَسْرَفُوا﴾ یعني: إلتذّ من نعمات الدنیا و لکن لا تسرف. لکلّ شيء حدّ و اعتدال فلا تخرج من حدّ الاعتدال؛ إذ تری أن یذهب ماء وجهك في بعض الأحیان و ستجد مشکلةً.
عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ یعني: لا تفعل شیئاً علی نفسك. لا تحسب أنّك إذا شربت خمراً أضررت بي، لا؛ بل أضررت بنفسك. إن قامرت فلا تحسب أن تضرّ بالله، لا؛ بل أضررت بنفسك.
لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، أنت مواجه مع إله متعالٍ و ما هو عصبي، لا؛ إنّ الله یحبّکم و أنتم أحبّاؤه و أعزّائه و عباده فلا تیأسوا إذاً من رحمة الله. صحیح أنّکم قد أخطأتم- کلّ الناس قد یخطؤون- و لکنّ الله رحمن رحیم.
إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، «إِنَّ» للتأکید أي یجب جمع حواسّکم مأة بالمأة حتّی تعلموا أنّکم تواجهون اللهَ و هو یغفر الذنوب جمیعاً کما دلّت علیه «أل» الجنس في قوله «الذُّنُوبَ». دعوا هذا الکلام من أنّ ذنبي هذا لا یُغفر فإنّ عظمة الله فوق هذه الکلمات. قد جاء في استدامة الآیة قوله «جَمِيعاً» مشعراً بالتأکید الأعلی و الأکثر أي یغفر الله جمیع الذنوب، لا یقل أحد إنّ ذنبي هذا من الذنوب التي لا تُغفر. إن تکلّم أحد بهذا الکلام فلیس عارفاً بعظمة الله و کرامته. لا یزال الطریق مفتوحاً لکم و تستطیعون من الدخول في رحمة الله. ما کانت لدینا آیة أعلی و أفضل من هذه الآیة في القرآن المتجلّی فیها رحمة الله. و رحمانیّته و رحیمیّته ظاهرتان في هذه الآیة تامّاً.
بالاختصار یمکن أن یقال:
لیعلن الرسول (صلّیاللهعلیهوآله) هذه البشارة صریحاً. «قُلْ».
إنّ الله قد جعل الإنسان مخاطباً لکلامه. «یا».
قد جعل الله- تعالی- جمیع الناس عباده و لائقین لرحمته. «عِبادِيَ»
4. إنّ المذنبین قد ظلموا أنفسهم و لم یضرّوا الله شيئاً. ﴿أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ﴾
الیأس من رحمة الله حرام. «لا تَقْنَطُوا»
رحمةالله لیست محدودةً (لأنّ استعمال رحمة الله عوضاً عن «رحمتي» دلیل علی جامعیّة الرحمة؛ لأنّ «الله» یکون أجمع إسماء الله).
وعدُ الله برحمته مقطو «إِنَّ اللَّهَ»
فعلُ الله-تعالی- المغفرة الدائمة. «يَغْفِرُ»
إنّ الله یغفر الذنوب جمیعاً. «الذنوب»
قد أکّد الله- تعالی- علی غفران جمیع الذنوب. «جَمِيعاً»
إنّ الله کثیر المغفرة و الرحمة. «إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»
هذه کلّها تکون لالتفاتك و اتّصالك مع الله و ارتباطك معه و أن تصلّي صلاة اللیل و تبکي و تدعو الله أن یا ربّ اعف عن عبدك و اغفر ذنوبي فإنّي سأعطي حقوق الناس و لکن حقّ الله فاصفح عنه. تری أن تصفو في اللیل و إذا أصبحت فقد صرت من عباد الرحمن. أنت تعیش مع ربٍّ هکذا.
التوبة هي أن تعزم علی عدم ارتکاب المعصیة و أن تطلب من الله المغفرةَ و تجد روحیّةً فیك و هو أن تعتمد علی عفو الله؛ فإذاً تسأل عن الله أن تغفر لك و حیث إنّ الله غفّار رحیم فهو یغفر ذنوبکم جمیعاً. لیس الأمر في حقوق الناس بحیث لا تُغفر بل الطریق مفتوح فیها أیضاً فسیغفر الله الغفور الرحیم مع تدارك حقّ النا
قال أمیرالمؤمنین (علیهالسلام): «مَا فِی الْقُرْآنِ آیَةٌ أَوْسَعُ مِنْ یَا عِبادِیَ الَّذِینَ أَسْرَفُوا»[5] الآیةَ. هذه الآیة من أهمّ الآیات التي قد بیّنت رحمة الله- تعالی.