45/10/15
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: جنود العقل و الجهل/ الرؤوف و الرحیم/ رقّة القلب
خلاصة الجلسة السابقة: کان البحث حول قساوة القلب. قلنا إنّ من الصفات المذمومة قساوة القلب. ثمّ إنّ لبعض الناس قساوة القلب و مع الأسف بعضهم یروّجونها. علی سبیل المثال تری أنّ التلفاز تروّج الخشونة أیضاً. الخشونة و قساوة القلب صفتان ردیئتان. علی الإنسان أن یجتهد في رقّة قلبه و احتراق قلبه للناس و علیه أن یسعی في الشفقة مع الناس و یظهر المحبّة علی سائر الخلق حتّی الحیوانات. علی سبیل المثال إذا حدثت مشکلة لحیوان فلینقذه منها. هذه الأمور لها أثر وضعيّ للإنسان. قساوة القلب من أسوء الصفات التي یمکن أن تکون موجودةً في الإنسان. قد دارسنا الروایات السابقة في أنّ القساوة کانت خطیرةً جدّاً.
ثمّ إنّا نبحث في الاستدامة عن الموارد العملیّة التي ذکرنا في الجلسة السابقة واحداً منها لتحصیل رقّة القلب:
الموارد العملیّة لتحصیل رقّة القلب:
۲) القرین المناسب
من الأمور التي توجب رقّة القلب هو القرین المناسب. إذا کنت صدیقاً لأشخاص و تسافر معهم و تألف إلیهم و هم قساة القلوب فستصیر قاسي القلب بالتدریج و إن کانوا أشخاصاً مألوفین و ذوي المحبّة فستصیر ذا محبّة أیضاً.
یقول أحیاناً من یکون حول المراجع و العلماء في مزاحهم إنّ فلاناً أمیر الغضب. و معناه أنّه إذا راجع شخص إلی المکتبة لطلب شيء، قال له مع عبوسة في وجهها و شدّة: «لیس هنا خبر» ثمّ یخرجه من المکتبة. یقولون في محافلهم إنّا جعلنا لفلان إسم «میرغضب» فإذا راجع شخص للمساعدة إلی المکتب فعند ذلك یستحیي بعض من أن یطرد هذا الشخص إذ هم أناس لطیفون مع المحبّة و لکن کان في بعض الأوقات هناك أشخاص مسمّاة بمیرغضب و هم یعاملون مع الناس بشدّة و یرجعونهم خاليةً أیدیهم.
قد یطلب شخص أحیاناً منّي التوقیع علی رسالة حتّی تحلّ مشکلته، لکنّ الشخص التي بجانبي یقول لا توقّع فإنّ هذا الشخص کذا و کذا. و قال آخر وقّع رسالته حتّی تحلّ مشکلته فإنّ هذا طالب و جنديّ لصاحب الزمان (علیهالسلام) المحتاج إلی توقعیك الآن. الذین حولك هم الذین یفسدون العمل. کثیر من رؤساء الجمهوریّة و الوزراء و الوکلاء و ... حولهم أشخاص لا یسمحون لهم أن یعزموا کما ینبغي لهم. لعلّهم أناس صالحون و لکن من حولهم یفسدون العمل. کان الإمام الخمینيّ (أعلیاللهمقامهالشریف) و آیةالله الحائريّ (رحمهالله) من المدرّسین المهمّین في زمن زعامة آیةالله العظمی البروجرديّ (رحمهالله). کانت لدیهما برامج و تحوّلات للحوزات العلمیّة. قد جلسا مع آیةالله البروجرديّ (رحمهمالله) و کتبا البرامج و یوقّعانها و یأخذان الحکم من آیةالله العظمی البروجرديّ (رحمهالله). إذا تمّت الأمور فقد رأوا الیوم الآتي أنّ آیةالله العظمی البروجرديّ (رحمهالله) أخذ الرسالة. مع أنّهم قد عقدوا جلساتٍ متعدّدةً و خطّطوا البرامج و لکن فسدت کلّها. ثمّ ألقی آیةالله الحائري (رحمهالله) عمامته علی الأرض و قال ما هذه الوضعیّة؟ و ضرب الإمام خمینيّ (رحمهالله) شایه علی الحائط و قال نحن قد التمسنا کثیراً و خططنا البرامج و قد تمّ جمیع الأمور و صُدر الحکم و لکن جاء من حوله و دمّروا الأمور کلّها.
هذه القضایا موجودة و الأمر هکذا إذا أصبحتَ رئیساً. کنتَ تتحدّث دائماً عن الشعب و لکن عندما أصبحت رئیساً، أحاطت بك جماعة و قرأوا في أذنك کلماتٍ علی أحد و کلماتٍ للآخر. یمدحون أحداً دائماً و یکذّبون الآخر. یمدح من کان صدیقاً له و یرتبط به و یقول لأصدقائه أن تعالوا و قولوا إنّ فلاناً رجل صالح و قال لهم أیضاً تعالوا و قولوا إنّ فلاناً آخر رجل سوء. یدمّرون واحداً و یصحّحون الآخر. هذا دیدن العالَم و هذه البرامج موجودة. أنتم إذا أصبحتم رؤساء فسوف تتأثرّون ممّن حولکم و لکن حاوِلوا أن تتّخذوا أصدقاء مناسبین و هذا مهمّ جدّاً؛ إذ عقل الإنسان و درایته سوف یتأثّران. فعلیکم أن تتخّذوا أصدقاء متدیّنین و مناسبین حتّی یبیّنوا للإنسان الحقائق صحیحةً إلی حدّما. بالطبع لا یمیّز الأشخاص عادةً هذه الأفراد الفاسدین و یظنوّن أنّهم أصدقاء و المحبّون حین یقولون هذه الکلمات.
علی کلّ حال قالت الروایة: إذا أردتم أن تتخّذوا جلیساً فحاولوا أن یکون إنساناً رقیق القلب و ذا محبّة. إذا أردتم أن تجلسوا و تضحکوا و تدرسوا و تباحثوا مع أشخاص فحاولوا أن یکونوا أناساً ذوي محبّة. لا تجلسوا مع من یقول دعهم یقتلوا و یدمّروا و ... لأنّکم ستصیرون قساة القلوب. من طرق رقّة القلب أن یعاشر الإنسان مع أصدقاء مناسبین کالعلماء و المراجع و الفقهاء و الأنبیاء فصاحِبوا أناساً رقاق القلوب ما استطعتم.
۳) إطعام المسکین
قال رسولُ اللّه (صلّىاللهعليهوآله) لمن شکی إلیه قساوة قلبه: إذا أرَدتَ أن يَلينَ قَلبُكَ فَأطعِمِ المِسكينَ ...[1] .
من طرق تحصیل رقة القلب، إطعام الإنسان مسکیناً. قد یمزح الطلّاب بینهم و قال بعضهم لبعض أن أطعم طعاماً و لکن أطعموا الفقراء. إذا جاء فقیر إلی باب بیتك و سأل منك شیئاً و استصغر نفسه أمامك فساعده قلیلاً و أطعم المسکین.
في روایة أخری: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلّیاللهعلیهوآله) «مَنْ أَنْكَرَ مِنْكُمْ قَسَاوَةَ قَلْبِهِ فَلْيَدْنُ يَتِيماً فَيُلَاطِفُه ُوَ لْيَمْسَحْ رَأْسَهُ يَلِينُ قَلْبُهُ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَإِنَّ لِلْيَتِيمِ حَقّاً».[2]
من الصفات المذمومة هي أن یکون الإنسان قسيّ القلب و الروایة فوق التواتر في أن لا تکونوا قساة القلوب، قساوة القلب من أکبر الصفات المذمومة.
۴) تعوید الإنسان نفسه برقّة القلب
عنه (صلّىاللهعليهوآله): «عَوِّدُوا قُلوبَكُمُ الرِّقَّةَ».[3]
إن أحسست أو احتملت أنّ في قلبك قساوةً فعوّد نفسك بأن تکون رقیق القلب و عالج نفسك بضدّها.
إن شعرت أو احتملت أنّ في قلبك قساوةً فعوّد نفسك بأن تکون رقیق القلب و عالج نفسك بضدّها.
إن یکن في قلبك مرض مثل أن تفرح لضرب أحد علی رأس الآخر- مع الأسف عند تشغیل الأفلام في التلفاز و ... یکون في بعضها الحرب و الجدال و الضرب و الأمور التي یحبّ بعضٌ النظر إلیها- علیك تعوید نفسك بأنّك رقيق القلب. لا تقل أعط السکّین حتّی أقطع رأس هذا الغنم أو الدجاجة و ...، صحیح أنّه حلال و لا بأس به و لکنّها توجب قساوة القلب. الجزارة من المهن المکروهة. لیدع الإنسان هذه الحالات علی سبیل المثال عندما یذبح حیوان فلیذهب الإنسان إلی جانب و لا ینظر، اجتنبوا من الأعمال العنفة و لا تقربوا من الأعمال التي توجب قساوة قلب الإنسان؛ فإنّ هذا یوجب رقّة القلب. و في روایة أخری: «ضادّوا القسوة بالرّقة».[4]
۵) الصمت
قَالَ اَلصَّادِقُ (عَلَيْهِالسَّلاَمُ): «اَلصَّمْتُ ... وَ هُوَ مِفْتَاحُ كُلِّ رَاحَةٍ مِنَ اَلدُّنْيَا وَ اَلْآخِرَةِ وَ فِيهِ رِضَى اَللَّهِ وَ تَخْفِيفُ اَلْحِسَابِ وَ اَلصَّوْنُ مِنَ اَلْخَطَايَا وَ اَلزَّلَلِ[5] وَ قَدْ جَعَلَهُ اَللَّهُ سِتْراً عَلَى اَلْجَاهِلِ وَ زَيْناً لِلْعَالِمِ[6] وَ مَعَهُ عَزْلُ اَلْهَوَى وَ رِيَاضَةُ اَلنَّفْسِ وَ حَلاَوَةُ اَلْعِبَادَةِ وَ زَوَالُ قَسْوَةِ اَلْقَلْبِ».[7]
من الأمور التي توجب رقّة قلب الإنسان هو الصمت.
کلّ الخیرات و المبرّات في الصمت. کان آیةالله العظمی جواديّ الآمليّ (سلّمهاللهتعالی) مباحثاً لآیةالله اللنگرودي و کنت في خدمته في بیت آیةالله اللنگروديّ و الأماکن الأخری کثیراً. الآن إذا وقع بحث علميّ في مجلس فقد شرع کلّ أحد بالجعجعة. قد رأیت کراراً لا مرّةً و لا مرّتین، أنّ آیةالله العظمی جواديّ الآمليّ (سلّمهالله) یصمت و لا یتکلّم بشيء. کلٌّ یقول شيئاً و هو مشغول بالذکر حتّی یملّ الآخرون من البحث و النقاش ثمّ یقولون له: ما رأیك في هذه المسألة؟ ثمّ إنّه لا یقول بعدئذٍ شيئاً ثمّ یصرّون کثیراً فحینئذٍ یتکلّم هو بکلام. هذا مهمّ جدّاً أن لا یتکلّم الإنسان کثیراً و لا تکون کثرة الکلام جیّداً فإنّ البعض یریدون أن یقولوا کلاماً و یظهروا فضیلةً. الصمت ذو قیمة جدّاً.