46/03/19
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: المكاسب المحرمة/الولایة من قبل الجائر /فی مسوغات الولایة عن الجائر
الدلیل الخامس
قال بعض الفقهاء(رحمه الله): «يمكن أن يقال بانصراف أدلّة حرمة الولاية المذكورة_ و إن كانت ذاتيّةً، كما هو ظاهرها_ بالانصراف عن الصورة المفروضة، فالحرمة لا تكون مرتفعةً بالأمور المستحبّة، بل دليلها قاصر عن الشمول لهذه الصورة. و الظاهر أنّ قبول عليّ بن يقطين الولاية من قبل الرشيد_ لعنه اللّه_ كان من هذا القبيل. و كذلك قوله_ تعالى_ حكايةً عن يوسف(علیه السلام) مخاطباً للملك: ﴿اجْعَلْنِي عَلىٰ خَزٰائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾[1] »، (إنتهی ملخّصاً).[2]
تنبیه
قال الشیخ البحراني: «إنّ الواجب على الداخل في أعمالهم ردّ ما اكتسبه في عملهم على أصحابه و مع عدم معرفتهم، فالواجب الصدقة به عنهم، كما صرّح به الأصحاب. و التوبة النصوح في هذا الباب.
و يدلّ على ذلك خبر «عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ: كَانَ لِي صَدِيقٌ مِنْ كُتَّابِ بَنِي أُمَيَّةَ فَقَالَ لِي اسْتَأْذِنْ لِي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(علیه السلام) فَاسْتَأْذَنْتُ لَهُ عَلَيْهِ فَأَذِنَ لَهُ فَلَمَّا أَنْ دَخَلَ سَلَّمَ وَ جَلَسَ ثُمَّ قَالَ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّي كُنْتُ فِي دِيوَانِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ فَأَصَبْتُ مِنْ دُنْيَاهُمْ مَالاً كَثِيراً وَ أَغْمَضْتُ فِي مَطَالِبِهِ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ(علیه السلام): «لَوْ لَا أَنَّ بَنِي أُمَيَّةَ وَجَدُوا مَنْ يَكْتُبُ لَهُمْ وَ يَجْبِي لَهُمُ الْفَيْءَ[3] وَ يُقَاتِلُ عَنْهُمْ وَ يَشْهَدُ جَمَاعَتَهُمْ لَمَا سَلَبُونَا حَقَّنَا وَ لَوْ تَرَكَهُمُ النَّاسُ وَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ مَا وَجَدُوا شَيْئاً إِلَّا مَا وَقَعَ فِي أَيْدِيهِمْ» قَالَ: فَقَالَ الْفَتَى: جُعِلْتُ فِدَاكَ فَهَلْ لِي مَخْرَجٌ مِنْهُ؟ قَالَ: «إِنْ قُلْتُ لَكَ تَفْعَلُ؟» قَالَ: أَفْعَلُ، قَالَ(علیه السلام) لَهُ: «فَاخْرُجْ مِنْ جَمِيعِ مَا اكْتَسَبْتَ فِي دِيوَانِهِمْ فَمَنْ عَرَفْتَ مِنْهُمْ رَدَدْتَ عَلَيْهِ مَالَهُ وَ مَنْ لَمْ تَعْرِفْ تَصَدَّقْتَ بِهِ وَ أَنَا أَضْمَنُ لَكَ عَلَى اللَّهِ(عزوجل) الْجَنَّةَ»، قَالَ: فَأَطْرَقَ الْفَتَى رَأْسَهُ طَوِيلاً ثُمَّ قَالَ قَدْ فَعَلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَالَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ: فَرَجَعَ الْفَتَى مَعَنَا إِلَى الْكُوفَةِ فَمَا تَرَكَ شَيْئاً عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ إِلَّا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى ثِيَابَهُ التي كَانَتْ عَلَى بَدَنِهِ قَالَ فَقَسَمْتُ لَهُ[4] قِسْمَةً وَ اشْتَرَيْنَا لَهُ ثِيَاباً وَ بَعَثْنَا إِلَيْهِ بِنَفَقَةٍ قَالَ فَمَا أَتَى عَلَيْهِ إِلَّا أَشْهُرٌ قَلَائِلُ[5] حَتَّى مَرِضَ فَكُنَّا نَعُودُهُ قَالَ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ يَوْماً وَ هُوَ فِي السَّوْقِ[6] قَالَ فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ ثُمَّ قَالَ لِي: يَا عَلِيُّ وَفَى لِي وَ اللَّهِ صَاحِبُكَ قَالَ ثُمَّ مَاتَ فَتَوَلَّيْنَا أَمْرَهُ فَخَرَجْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(علیه السلام) فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيَّ قَالَ: «يَا عَلِيُّ وَفَيْنَا وَ اللَّهِ لِصَاحِبِكَ» قَالَ فَقُلْتُ: «صَدَقْتَ_ جُعِلْتُ فِدَاكَ_ هَكَذَا وَ اللَّهِ قَالَ لِي عِنْدَ مَوْتِهِ».[7]
أقسام الولایة من قبل الجائر غیر المحرّمة من حیث الحکم التکلیفي (أقسام الولایة المسوّغة من قبل الجائر)
قال الشیخ الأنصاريّ(رحمه الله): «الأولى[8] أن يقال إن الولاية غير المحرّمة[9] ، منها: ما يكون مرجوحةً[10] و هو من تولّى لهم لنظام معاشه قاصداً الإحسان في خلال ذلك إلى المؤمنين و دفع الضرر عنهم. و منها: ما يكون مستحبّة و هي ولاية من لم يقصد بدخوله إلّا الإحسان إلى المؤمنين. و منها: ما يكون واجبةً و هو ما توقّف الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر الواجبان عليه، فإن ما لا يتمّ الواجب إلّا به واجب مع القدرة»، (إنتهی ملخّصاً). [11]
قال المحقّق الخوئيّ(رحمه الله): «إنّه لا إشكال في جواز الولاية عن الجائر إذا كان الغرض منه الوصول إلى قضاء حوائج المؤمنين، فشأنها حینئذٍ شأن الكذب للإصلاح. و إنّما الكلام في اتّصافها بالرجحان تارةً و بالمرجوحيّة أخرى»[12] ، (إنتهی ملخّصاً).
أقول: بعد قبول حرمة الولایة عن الجائر لا یصحّ القول بالجواز لإتیان الأمور المستحبّة إلّا من باب التزاحم و ملاحظة قاعدة الأهمّ و المهم، کما سبق.