بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

45/11/18

بسم الله الرحمن الرحیم

 

 

الموضوع: المکاسب المحرمة/ الولایة من قبل الجائر/ فی مسوغات الولایة عن الجائر

الدلیل الثالث: الإجماع [1] [2] [3]

لو تيقّن أو ظنّ التخلّص من المآثم و التمكّن من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، جازت و لو اختياراً، إجماعاً. [4]

و قال المحقّق الإیروانيّ(رحمه الله): «الإجماع مدركه هو السنّة و السنّة لا دلالة فيها». [5]

أقول: السنّة دلالتها کافیة، کما سبق.

و قال الإمام الخمینيّ(رحمه الله): «أنت خبير بعدم ثبوت إجماع معتبر أو شهرة معتمدة من ذلك، سيّما مع كون المسألة ممّا كثرت فيها الأدلّة و الروايات و لا يظنّ أن يكون لهم مستند سواها». [6]

و قال المحقّق الخوئيّ(رحمه الله): «إنّه و إن كان موجوداً في المقام و لكنّه ليس بتعبّدي». [7]

و قال بعض الفقهاء(حفظه الله): «هو و إن كان محقّقاً، غير أنّ المجمعين استندوا في إفتائهم إلى الأدلّة التي هي بأيدينا». [8]

الدلیل الرابع

قال الشیخ الأنصاريّ(رحمه الله): «إنّ الولاية إن كانت محرّمةً لذاتها، جاز ارتكابها لأجل المصالح و دفع المفاسد التي هو أهمّ من مفسدة انسلاك الشخص في أعوان الظلمة بحسب الظاهر و إن كانت‌ لاستلزامها الظلم على الغير، فالمفروض عدم تحقّقه[9] هنا». [10]

إشکالان في الدلیل الرابع

الإشکال الأوّل

يمكن أن يناقش في هذا الاستدلال بأنّ انتفاء الخاص_ أعني الظلم_ لا يستلزم انتفاء العام؛ أعني مطلق المعصية و قد اعترف هو قبل هذا بأنّ الولاية عن الجائر لا تنفكّ عن المعصية. و حينئذٍ، فيمكن أن يقال في ردّ الاستدلال على الجواز أنّ هناك شقّاً ثالثاً و هو كون الولاية لا تنفكّ عن المعصية، فالدليل غير وافٍ بالمقصود. [11]

و قال الإمام الخمینيّ(رحمه الله): «إنّ هذا الاستدلال أخصّ من المدّعى؛ فإنّ المدّعى جواز الدخول و التولية لمصلحة و لو راجحةً، كما هو مورد دلالة الأخبار؛ مضافاً إلى أنّ المدّعى استثناء المورد عن الحرمة، كما اعترف به و تدلّ عليه الأخبار، لا من باب ترجيح أحد المتزاحمين. و لو آل الأمر إلى مزاحمة المقتضيات، فقلّما يمكن إحراز أهمّيّة الدخول في الولاية المحرّمة من جهتين، بل قد تنطبق عليه عناوين محرّمة أخر؛ كتقوية شوكة الظالمين و الإعانة للخلفاء الغاصبين، إن قلنا بأنّ مطلق إعانتهم و لو في غير ظلمهم محرّمة». [12]

و قال المحقّق الخوئيّ(رحمه الله): «إن كان المراد من المصالح حفظ النفوس و الأعراض و نحوهما، فالمدّعى أعمّ من ذلك و إن كان المراد منها أنّ القيام بأمور المسلمين و الإقدام على قضاء حوائجهم و بذل الجهد في كشف كرباتهم من الأمور المستحبّة و الجهات المرغوب بها في نظر الشارع المقدّس، فلا شبهة أنّ مجرّد ذلك لا يقاوم الجهة المحرّمة؛ فإنّ المفروض أنّ الولاية من قبل الجائر حرام في نفسها و كيف ترتفع حرمتها لعروض بعض العناوين المستحبّة عليها[13] . على أنّه قد اعترف آنفاً بأنّ الولاية عن الجائر لا تنفكّ عن المعصية و عليه، فلا يجوز الإقدام على المعصية لرعاية الأمور المستحبّة. و قد اعترف أيضاً في البحث عن جواز الغناء في قراءة القرآن بأنّ أدلّة الأحكام الإلزاميّة لا تزاحم بأدلّة الأحكام الترخيصيّة». [14]

أقول: لا بدّ من ملاحظة قاعدة الأهمّ و المهمّ؛ فإنّ دفع المفاسد قد یکون أهمّ من حرمة أصل قبول الولایة، کما سبق. و لا یصحّ القول بالجواز مطلقاً، بل للجواز شروط صعبة لا بدّ من الاطمئنان من نفسه بإحراز الشروط.

الإشکال الثاني

إن كانت المصالح مصالح استحبابيّةً؛ كإغاثة الملهوفين و ذوي الحاجات، لم تزاحم ملاك تحريم الثابت في الولاية، فضلاً عن أن تغلب عليه و يكون الحكم الاستحبابيّ فعليّاً و قد تقدّم من المصنّف عن قريب أنّ أدلّة الأحكام الإلزاميّة لا تزاحم بأدلّة الأحكام الترخيصيّة؛ نعم في هذا عندي نظر؛ لجواز أن يحصل التوازن و التكاسر بين الملاكات ثمّ المتخلّف من ملاك الحكم الإلزاميّ لم يكن إلّا اليسير الغير المقتضي للإلزام، لكن مقتضى هذا كراهة أخذ الولاية للغايات المستحبّة لا استحبابه أو إباحته، فلو دلّ دليل على الاستحباب أو الجواز كشف ذلك الدليل عن قصور في مناط التحريم و عدم شموله صورة ما كانت الغاية راجحةً، لا أنّ رجحان الغاية يزاحم حرمة أخذ الولاية ليتّجه عليه ما قلناه.‌[15]

أقول: الملاك إجراء قاعدة الأهمّ و المهمّ و تحقّق عنوان الظلم أو عدم تحقّقه.

أقول: حکم التولّي من قبل الجائر واضح. و له في مقام التزاحم أقسام:

1. قد لا یکون حکم التولّي من قبل الجائر مزاحماً لشيء آخر. هذا التولّي حرام.

2. أن یقع بین حکم التولّي من قبل الجائر و بین المورد الاستحبابيّ تزاحم. لا یقدّم الاستحباب علی الإلزام أیضاً.

3. أن یزاحم التولّي من قبل الجائر أحکاماً إلزامیّةً غیر أهم. التولّي هنا حرام أیضاً.

4. أن یکون حکم التولّي مع حکم الطرف المقابل مساویاً، فالتولّي هنا جائز.

5. أن یزاحم التولّي مع العناوین الواجبة التي هي أهم. في هذه الصورة تقدّم العناوین الواجبة.

 


[1] فقه القرآن، الراوندي، قطب الدين، ج2، ص24.
[2] رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج8، ص208.
[3] شرح الشيخ جعفر على قواعد العلاّمة ابن المطهر، كاشف الغطاء، الشيخ جعفر، ج1، ص98.
[4] رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج8، ص208.
[5] حاشیه المکاسب، ایروانی نجفی، میرزاعلی، ج1، ص44.
[6] المكاسب المحرمة، الخميني، السيد روح الله، ج2، ص138.
[7] مصباح الفقاهة، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج1، ص671.
[8] المواهب في تحرير احکام المکاسب، السبحاني، الشيخ جعفر، ج1، ص768.
[9] .لأنّ المفروض أنّ قبول الولاية إنّما هو للقيام بمصالح العباد و إصلاح البلاد
[10] كتاب المكاسب، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج4، ص298.
[11] غاية الآمال في شرح كتاب المكاسب، المامقاني، الشيخ محمد حسن، ج1، ص129.
[12] المكاسب المحرمة، الخميني، السيد روح الله، ج2، ص115.
[13] المواهب في تحرير احکام المکاسب، السبحاني، الشيخ جعفر، ج1، ص768.
[14] مصباح الفقاهة، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج1، ص670.
[15] حاشیه المکاسب، ایروانی نجفی، میرزاعلی، ج1، ص44.