بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

45/11/17

بسم الله الرحمن الرحیم

 

 

الموضوع: المکاسب المحرمة/ الولایة من قبل الجائر/ فی مسوغات الولایة عن الجائر

و منها: قَالَ الصَّادِقُ(ع): «كَفَّارَةُ عَمَلِ السُّلْطَانِ قَضَاءُ حَوَائِجِ الإخوان». [1]

إستدلّ بها بعض الفقهاء. [2] [3] [4] [5] [6]

أقول: سند الروایة ضعیفة إلّا أن یقال بأنّ قول الصدوق(رحمه الله) بأنّه قال الصادق(ع) بصورة الجزم یدلّ علی اعتبار السند، کما هو قول بعض الأعلام و هو غیر بعید، مع ورود مضمون الروایة في بعض الروایات الأخر [7] . و مع ذلك کلّه فالروایة تدلّ علی الحرمة و لکن کفّارتها قضاء حوائج الإخوان.

و منها: سئل أبو عبد الله(ع) عَنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يُحِبُّ آلَ مُحَمَّدٍ وَ هُوَ فِي دِيوَانِ هَؤُلَاءِ فَيُقْتَلُ تَحْتَ رَايَتِهِمْ فَقَالَ: «يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى نِيَّتِهِ». [8] [9]

إستدلّ بها بعض الفقهاء.[10] [11]

قال الشیخ الأنصاريّ(رحمه الله): «ظاهرها إباحة الولاية من حيث هي مع المواساة و الإحسان بالإخوان، فيكون نظير الكذب في الإصلاح[12] ». [13]

أقول: الملاك تحقّق عنوان الظلم في الحرمة الذاتیّة. و إذا ارتفع العنوان إلی عنوان العدل یوجب ارتفاع الحرمة، فإنّ تأیید السلطان الجائر و تحکیمه من حیث هو محرّم قطعاً و مصداق للظلم و لکن قد تعرض الطوارئ بحیث یوجب تبدّل العنوان بعنوان العدل و الإحسان إلی الإخوان و دفع المفاسد و جلب المصالح فیحاسب الأهمّ و المهمّ و إجراء القاعدة.

کلام الشهیديّ التبریزيّ ذیل کلام الشیخ الأنصاري

قال(رحمه الله): «في العبارة تشويش و الظاهر بقرينة قوله فيكون نظير الكذب في الإصلاح أن يقول و ظاهرها حرمة الولاية من حيث هي و إباحتها مع المواساة و الإحسان بالإخوان. و ضمير ظاهرها راجع إمّا إلى ما عدا مرسلة الصدوق عن الصادق(ع) (كفّارة عمل السلطان قضاء حوائج الإخوان) و إمّا إلى الجميع حتّى المرسلة و على الثاني لا بدّ و أن يكون مراده من الإباحة صرف عدم ترتّب العقاب على الفعل لا الإباحة التكليفيّة، فلا ينافيه جعل المرسلة فيما بعد ممّا يظهر منه أنّ الدخول أوّلاً غير جائز»‌.[14]

قال الإمام الخمینيّ(رحمه الله): «الظاهر منها أنّ الدخول في ديوانهم و الخروج معهم في غزوهم حرمةً و حلّيّةً تابعان لنيّة الشخص، فإن كان في نيّته الدخول للصلاح يحلّ و إن كان لغيره، فلا. بل لعلّه يمكن استفادة الحلّيّة زائدةً على مورد نيّة القيام بصلاح العباد، سيّما مع ذيل الأولى و إن لا يخلو من إشكال. و كيف كان لا شبهة في دلالتها على أنّ الدخول بنيّة القيام بمصالح العباد أو الإسلام جائز، فهي لا خدشة في دلالتها»، (إنتهی ملخّصاً مع التصرّف). [15]

إشکال في الاستدلال بالروایة

الظاهر أنّ غرض السائل هو أنّ القتل تحت رايتهم هل يوجب خللاً و ضعفاً في إيمانه أو لا؟ فأجابه(ع) بالعدم و أنّه إن كان مؤمناً حشر مؤمناً و لا ينظر إلى عمله. و أمّا أنّ حكم عمله ما ذا فلا تعرّض فيها، فلعلّه كان مجبوراً في عمله. و يحتمل أن يكون المراد من الرواية أنّ القتل تحت رايتهم لا يضرّه إن كان ذلك بقصد الدفاع عن بيضة الإسلام، لا بقصد ازدياد شوكتهم و تقوية سلطانهم. [16]

أقول: دلالة الروایة علی أنّ الدخول بنیّة دفع المفاسد و الإحسان إلی الإخوان جائز بلا إشکال و هذا الاحتمال لا یضرّ بالاستدلال.

کلام الإمام الخمینيّ تحت الروایات المجوّزة متین، حیث قال(رحمه الله): «التحقيق أنّ الروايات الواردة في الجواز_ على كثرتها_ ضعيفة سنداً؛ لكنّ الوثوق و الاطمئنان حاصل بصدور بعضها إجمالاً، فلا بدّ من الأخذ بأخصّها مضموناً. و الظاهر أنّ المتيقّن منها جواز الدخول مع العلم بأنّ في دخوله يدفع عن الشيعة و يحفظ منافعهم بوجه من الوجوه. و لعلّ من مجموع تلك الروايات الكثيرة جدّاً المتقاربة المضمون، يحصل الاطمئنان بجواز الدخول لذلك، مع علمه بتوفيقه».[17]

و لقد أجاد المحقّق الخوئيّ(رحمه الله) حیث قال: «العمدة الأخبار المتظافرة الظاهرة في جواز الولاية من الجائر للوصول إلى قضاء حوائج المؤمنين. و بعضها و إن كان ضعيف السند و لكن في المعتبر منها غنىً و كفايةً. و بهذه الأخبار نقيّد المطلقاًت الظاهرة في حرمة الولاية من قبل الجائر على وجه الإطلاق». [18]


[1] من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج3، ص176. (هذه الروایة مرفوعة و ضعیفة).
[2] جامع المدارك، الخوانساري، السيد أحمد، ج3، ص61.
[3] وسيلة النجاة( مع تعاليق الإمام الخميني ره)، اصفهانى، ابوالحسن، ج1، ص329.
[4] مهذب الاحکام فی بیان حلال و الحرام، السبزواري، السيد عبد الأعلى، ج16، ص172.
[5] وسيلة النجاة (المحشي)، الگلپايگاني، السيد محمد رضا، ج2، ص17.
[6] انوار الفقاهة(كتاب التجارة)، مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر، ج1، ص385.
[7] مستدرك الوسائل، المحدّث النوري، ج13، ص131.
[8] المقنع، الشيخ الصدوق، ج1، ص364. (هذه الروایة مرفوعة و ضعیفة).
[9] تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج6، ص339. عَنْهُ [الحسین بن سعید الأهوازي: إماميّ ثقة] عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ [محمّد بن أبي عمیر زیاد الأزدي: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع] عَنْ حَمَّادٍ [حمّاد بن عثمان الناب: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع] عَنِ الْحَلَبِيِّ [عبید الله بن عليّ الحلبي: إماميّ ثقة] قَالَ: سُئِل‌ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ(ع) عَنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ وَ هُوَ فِي دِيوَانِ هَؤُلَاءِ وَ هُوَ يُحِبُّ آلَ مُحَمَّدٍ (علیهم السلام) وَ يَخْرُجُ مَعَ هَؤُلَاءِ وَ فِي بَعْثِهِمْ فَيُقْتَلُ تَحْتَ رَايَتِهِمْ قَالَ: «يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى نِيَّتِهِ».(هذه الروایة مسندة و صحیحة).
[10] كتاب المكاسب، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج4، ص302.
[11] المكاسب المحرمة، الخميني، السيد روح الله، ج2، ص131.
[12] من حيث إنّ قبحه لا يكون ذاتيّاً، بل يختلف بالوجوه و الاعتبار.
[13] كتاب المكاسب، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج4، ص302.
[14] هداية الطالب الى اسرار المكاسب ط قديم، الشهيدي التبريزي، الميرزا فتاح، ج1، ص111.
[15] المكاسب المحرمة، الخميني، السيد روح الله، ج2، ص116.
[16] حاشیه المکاسب، ایروانی نجفی، میرزاعلی، ج1، ص44.
[17] المكاسب المحرمة، الخميني، السيد روح الله، ج2، ص133.
[18] مصباح الفقاهة، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج1، ص671.