بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

45/11/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 

 

الموضوع: المکاسب المحرمة/ الولایة من قبل الجائر/ فی مسوغات الولایة عن الجائر

لقد أجاد الشیخ الأنصاريّ(رحمه الله) حیث قال: «إنّ الولاية إن كانت محرّمةً لذاتها، جاز ارتكابها لأجل المصالح و دفع المفاسد التي هو أهمّ من مفسدة انسلاك الشخص في أعوان الظلمة بحسب الظاهر. و إن کانت لاستلزامها الظلم على الغير، فالمفروض عدم تحقّقه هنا. و يدلّ عليه النبويّ الذي رواه الصدوق في حديث المناهي قال: من تولّى عرافة قوم أتي به يوم القيامة ... و عن عقاب الأعمال: و من تولّى عرافة قوم و لم يحسن فيهم حبس. و لا يخفى أنّ العريف سيّما في ذلك الزمان لا يكون إلّا من قبل الجائر»، (إنتهی ملخّصاً). [1]

إشکالان في کلام الشیخ الأنصاري

الإشکال الأوّل

قال السیّد اللاريّ(رحمه الله): «فيه منع؛ لأنّ العرافة الرئاسة وزناً و معنىً و العريف هو المعروف و المعاريف و العرفاًء الرؤساء. و من المعلوم أنّ العرافة كالرئاسة و الخلافة و السلطنة و الحكومة و سائر الألفاظ موضوعة لمعانيها الواقعيّة الحقّة الصحيحة الشرعيّة، لا المجازيّة الباطلة الفاسدة و إن غلبت و شاعت و ذاعت في أوهام المبطلين و إطلاقاتهم؛ كإطلاقهم الإله و الآلهة على ما زعموها من أصنامهم و أزلامهم تحكّماً و زوراً، مع أنّ غلبة العرافة في الجائرة و الباطلة_ سيّما في زمان صدور نصوصها_ ممنوعة، بل الأغلب العرافة الحقّة؛ كرئاسة الأزواج على أزواجهم و أولي الأرحام على أرحامهم و الأولياء على مواليهم و الملّاك على مماليكهم و أملاكهم و سلطنة الناس على أموالهم و ولاية الحاكم‌ الشرعيّ على القضاء و الأمور الحسبيّة و الوظائف الشرعيّة و إجراء الحدود و إقامة شعائر الإسلام و ترويج الأحكام من الحلال و الحرام و ولاية كلّ الناس على المباحات الأصليّة، (إنتهی ملخّصاً)».[2]

أقول، أوّلاً: حمل العرافة علی الرئاسة الحقّة فقط من جانب السلطان العادل، لا دلیل علیه. و ثانیاً: علی فرض الإطلاق و الشمول لکلا الموردین السلطان العادل و الجائر فتدلّ علی أنّ الرئاسة مطلقاً إن قام فیهم بأمر الله أطلقه الله و إلّا فلا؛ فتدلّ علی أنّ قبول الولایة من الجائر إن قام فیهم بأمر الله أطلقه الله_تعالی.

الإشکال الثاني

قال المحقّق الإیروانيّ(رحمه الله): «هذه المقدمّة ممنوعة أوّلاً و لا حاجة إليها ثانياً؛ فإنّ تصدّي فصل الخصومات حرام لغيرهم من غير فرق بين أن يكون منصوباً من قبل الوالي أو لم يكن، فحال المتصدّي الغير المنصوب حال نفس السلطان في حرمة عمله»‌. [3]

و قال(رحمه الله): «لعلّ المراد من عدم الحسن فيهم عدم معاملتهم بحسن الأخلاق أو عدم الحسن فيهم بحسب معتقدهم ليصحّ جعله مقسماً للقسمين في الرواية؛ أعني القيام بأمر اللّه و عدم القيام. و مع ذلك، فالاحتمالان بعيدان». [4]

أقول: لا بحث في الروایتین لتصدّي فصل الخصومات، بل الرئاسة مطلقة شاملة لکلّ الأمور و لکلّ أمر شروطه الخاصّة؛ مثل القضاء فإنّ للقاضي شروطاً خاصّةً و لیس محلّ البحث. و المراد_ و الله العالم_ أنّ الرئاسة في کلّ أمر من الأمور إن قام فیهم بأمر الله_ تعالی_ أطلقه الله و إلّا فلا و من شروط تحقّق أمر الله إحراز شروط القاضي من النصب و غیره و لیس في مقام البیان بالنسبة إلی هذه الشروط.

إشکال في الاستدلال بالروایتین

بل النبويّ و ما يتلوه دالّ على أنّ الولاية لا يسوّغها القيام بمصالح العباد و إنّما يخفّف من أوزارها حتّى لا يعاقب في جهنّم، بل في خارج جهنّم من الحبس في شفيرها و غلّ اليدين فيه، فإن كان منضمّاً إليه الظلم و ردها و إلّا فلا. و على فرض الدلالة، دلّت على عدم حرمة الولاية ذاتاً، بل بالعرض و لأجل الظلم، فلو لم يظلم لم يكن بها بأس و إن لم يقم بمصالح العباد، بل اقتصر على الأمور المباحة و المكروهة.‌ [5]

أقول: إنّ الظاهر من قوله(ع) «أطلقه الله» هو حلّیّة ذلك و لا تدلّ علی عدم الحرمة الذاتیّة للولایة، بل تدلّ علی أنّ الملاك تحقّق الظلم. و تأیید الظلم من مصادیق الظلم إلّا إذا کان الإحسان إلی العباد و إجراء العدالة موجباً لجواز الولایة لدفع المفاسد و جلب المصالح و من المفاسد تأیید الظلم و الظالم.

و قال الإمام الخمینيّ(رحمه الله): «لا تدلّ على المقصود؛ لأنّها بصدد بيان التحذير عن الدخول في الرئاسة حتّى مثل رئاسة قبيلة لا في مقام بيان جواز الرئاسة، فضلاً عن الرئاسة من قبلهم حتّى يؤخذ بإطلاقها. و يحتمل أن تكون في مقام بيان أنّ الرئيس إن كان عادلاً، فكذا و إن كان ظالماً، فكذا. و هي نظير قوله: «العالم إن كان عادلاً يجوز حكمه و قضاؤه و إن كان فاسقاً فلا» حيث لا تعرّض له لجواز تحصيل العلم و لا يجوز التمسّك بإطلاقه له». [6]

أقول: لا إشکال في الدلالة حیث قال(ع) «من تولّی عرافة قوم و لم یحسن فیهم، حبس». و مفهومه أنّه إذا أحسن فیهم، فلا إشکال في التولّي.

 


[1] كتاب المكاسب، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج4، ص298.
[2] التعلیقة علی المکاسب، اللاری، السید عبدالحسین، ج1، ص271.
[3] حاشیه المکاسب، ایروانی نجفی، میرزاعلی، ج1، ص44.
[4] حاشیه المکاسب، ایروانی نجفی، میرزاعلی، ج1، ص44.
[5] حاشیه المکاسب، ایروانی نجفی، میرزاعلی، ج1، ص44.
[6] المكاسب المحرمة، الخميني، السيد روح الله، ج2، ص120.