45/11/03
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: المکاسب المحرمة/ الولایة من قبل الجائر/ فی مسوغات الولایة عن الجائر
أدلّة المسوّغ الأوّل
الدلیل الأوّل: الآیة
قال الله_ تعالی: ﴿قٰالَ اجْعَلْنِي عَلىٰ خَزٰائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾.[1]
إستدلّ بها بعض الفقهاء. [2] [3] [4]
قال الراونديّ(رحمه الله): «قول الله_ تعالى_ حكايةً عن يوسف(ع)_ قٰالَ اجْعَلْنِي عَلىٰ خَزٰائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ طلب ذلك إليه ليحفظه عمّن لا يستحقّه و يوصله إلى الوجوه التي يجب صرف الأموال إليها. و لذلك رغب إلى الملك فيه؛ لأنّ الأنبياء لا يجوز أن يرغّبوا في جمع أموال الدنيا إلّا لما قلناه فقوله حَفِيظٌ أي حافظ للمال عمّن لا يستحقّه عليهم بالوجوه التي يجب صرفه إليها». [5]
قال الفاضل المقداد(رحمه الله): «إستدلّ الفقهاء بهذه الآية على جواز الولاية من قبل الظالم إذا عرف المتولّي من حال نفسه و حال المنوب [عنه] أنّه يتمكّن من العدل و لا يخالفه المنوب عنه؛ كحال يوسف(ع) مع ملك مصر. و الذي يظهر لي أنّ نبيّ اللّٰه أجلّ قدراً من أن ينسب إليه طلب الولاية من الظالم و إنّما قصد إيصال الحقّ إلى مستحقّه؛ لأنّه وظيفته».[6]
قال کاشف الغطاء(رحمه الله): «طلبها منه بقوله: اجْعَلْنِي عَلىٰ خَزٰائِنِ الْأَرْضِ و ثبوت الحكم بالنسبة إلينا استصحاباً أو لقاعدة أنّ ما أسنده اللّه إلى أوليائه أو مطلقاً في كتابه يُحمل على موافقة ملّة الإسلام إلّا مع قيام دليل على الخلاف. و أمّا مع الاطمئنان من العصيان و التمكّن من قضاء حوائج الإخوان و إصلاح العباد و تدبير نظام البلاد، فيقوى فيه الجواز أيضاً؛ لظاهر الأخبار. و مع العمل بها يكون مأذوناً بالإذن العام، فيدخل في ولاة الإمام و لا بدّ من تصفية النيّة و قصد التوصّل إلى المطالب الشرعيّة». [7]
إشکال في الاستدلال بالآیة
قال السيّد اللاريّ(رحمه الله): «طلب الصدّيق(ع) خزائن الأرض؛ فإنّها من قطائع النبوّة و الولاية و الرئاسة الإلهيّة الخاصّة به». [8]
و قال المحقّق الإیروانيّ(رحمه الله): «لو أزال يوسف عزيز مصر عن سريره و جلس مجلسه كان له ذلك، فكيف إذا اقتصر عن الكثير من حقّه باليسير! و من هنا يظهر فساد التمسّك بقبول الرضا(ع) ولاية العهد من المأمون و نهي أبي الحسن موسى(ع) عليّ بن يقطين عن ترك عمل الوالي و قد وردت روايات عن الرضا(ع) كان قبوله ولاية عهد المأمون كان عن كره و كذا قبول يوسف و قوله اجْعَلْنِي عَلىٰ خَزٰائِنِ الْأَرْضِ». [9]
أقول: لا دلیل علی الاختصاص فإنّ المؤمن العادل إذا قدر علی إجراء العدالة في مکان خاصّ و زمان خاصّ و الممانعة عن الظلم و الجور، فیجوز له التصدّي لذلك؛ فإنّ الملاك أنّه حفیظ علیم فإنّ المؤمن العالم العادل و المدیر بالنسبة إلی ما تجعل الولایة له یکون حفیظاً علیماً. و لا ینافي ذلك كون قبول یوسف(ع) اقتصاراً علی قبول یسیر من حقّه، کما في ولایة العهد عن المأمون فإنّها قبول للیسیر من حقّه(ع). و لعلّ الکره من هذه الجهة و لذا نهی أبو الحسن موسی(ع) عليّ بن یقطین عن ترك عمل الوالي، فالملاك إجراء العدالة مع التدبیر المشار إلیه في الآیة الشریفة بقوله_ تعالی: ﴿إِنِّي حَفِیظٌ عَلِیمٌ﴾.
و قال المحقّق الخوئيّ(رحمه الله): «فيه، أوّلاً: أنّه لم يظهر لنا وجه الاستدلال بهذه الآية على المطلوب. و ثانياً: أنّ يوسف(ع) كان مستحقّاً للسلطنة و إنّما طلب منه حقّه، فلا يكون والياً من قبل الجائر».[10]
یلاحظ علیه: بالملاحظة السابقة.
و قال السیّد السبزواريّ(رحمه الله): «يمكن الإشكال في الاستدلال بها للمقام؛ لأنّ الحقّ كان له في الواقع و عزيز مصر غصب حقّه و يوسف(ع) رضي بإرجاع بعض حقّه إليه»، (إنتهی ملخّصاً مع التصرّف). [11]
یلاحظ علیه: بالملاحظة السابقة. و لا یخفی أنّ السلطان في زمان یوسف(ع) کان سلطاناً جائراً لغصب حقّ یوسف(ع) فإنّ تمام السلطنة حقّ له(ع).
و قال بعض الفقهاء(حفظه الله): «لا يخفى عدم صحّة الاستدلال به؛ لأنّ يوسف(ع) كان مجازاً من جانبه_ سبحانه_ و كان التقلّد حقّاً طلقاً له و إنّ ما طلبه(ع) من الملك لأجل كون الوصول إلى ما يطلب موقوفاً على موافقته في ذلك اليوم، فلا يمكن الاستدلال به لمن ليس في رتبته و لأجل ذلك قال_ سبحانه: ﴿وَ كَذٰلِكَ مَكَّنّٰا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ﴾ [12] فأسنده_ تعالى_ إلى نفسه». [13]
أقول: سواء کان قبول المنصب من جانب الله_ تعالی_ أو من جانب نفسه فأصل القبول و إجراء العدالة مطلوب لو أمکن ذلك و لا دلیل علی الاختصاص.