45/11/02
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: المکاسب المحرمة/ الولایة من قبل الجائر/ فی مسوغات الولایة عن الجائر
سؤال و جواب
السؤال
المحرّم من أعمال الولاية هل هو مطلق أعمالها و لو كانت مباحةً، بل راجحةً في ذاتها أو أنّ المحرّم هو خصوص أعمالها المحرّمة و لو بعنوان الإعانة للظالم في ظلمه أو الإعانة على الإثم، فلو خلت عن ذلك كلّه لم تحرم؟ [1]
الجواب
قال المحقّق الإیروانيّ(رحمه الله): «إنّما أطلقت الأدلّة اتّكالاً على الغالب من عدم خلوّ أعمال الولاية عن الجور و الفساد و لو بعنوان ثانويّ و لا أقلّ من تصدّي ما ليس تصدّيه وظيفته، بل وظيفة السلطان العادل، كما يشهد له رواية داود بن زربيّ[2] «تناول السماء أيسر عليك من ذلك» مشيراً إلى القيام بالعدل. و يشهد له أيضاً التعليل في رواية تحف العقول، فلا تزيد أدلّة حرمة الولاية على ما هو المستفاد من أدلّة المحرّمات بالعناوين الأوليّة دليل حرمة الإعانة على الإثم و دليل حرمة إعانة الظالم في ظلمه.
و على هذا، فلا يحتاج جواز أخذ الولاية للقيام بمصالح العباد و سائر الأعمال الراجحة إلى دليل مخصّص، بل يكون بنفسه خارجاً من الأدلّة تخصّصاً، بل لنا أن نقول: إنّ أعمال الولاية و إن فرض في صورتها راجحة، فهي لا تخلو من جهة محرّمة؛ فإنّ مثل بناء القناطر و المرابط و إجراء الأنهار و الجداول و نصب الضياء في الطرق و الشوارع و إن كان ظاهرها يرى أنّها من الأعمال الراجحة؛ لكن باطنها حيث إنّ أجرتها من سبيل الحرام من الأمور المحرّمة و ما يفرض في خلال الولاية من غوث مظلوم أو إطلاق أسير، فذلك من مقارناتها؛ كإشباع الجائع لا من أعمالها، فصحّ أن يقال إنّ أعمال الولاية دائماً لا تخلو من عنوان محرّم و إن فرض شاذّاً عدم عنوان محرّم، فذلك ملحق بالعدم، فكانت دعوى الإطلاق في أدلّة حرمة الولاية للأعمال الراجحة مجازفة محضة.
و تظهر ثمرة المسلكين، أعني مسلك إطلاق أدلّة حرمة الولاية لمطلق الأعمال و المسلك الذي قوّيناه من الانصراف إلى الأعمال المحرّمة في أحد الولاية للأعمال المباحة أو المكروهة و إلّا فأخذها للأعمال الراجحة جائز على كلّ حال، فإمّا تخصيصاً للأدلّة إن قلنا بعمومها أو تخصّصاً إن قلنا بالعدم.
و خلاصة الكلام هو أنّ لنا في المقام دعويين، إحداهما: أنّ مجرّد أخذ الولاية ساذجاً عن القيام بوظائفها و ما لم ينته إلى العمل لا حرمة فيه. الثانية: أنّ المحرّم من أعمال الولاية هو ما كان حراماً في ذاته أو بشيء من العناوين الثانويّة من عنوان إعانة الظالم أو الإعانة على الإثم أو نحو ذلك لا ما خلا من كلّ ذلك». [3]
أقول: الظاهر من قوله(رحمه الله): «لا أقلّ من تصدّي ما لیس تصدّیه وظیفته بل وظیفة السلطان العادل» أنّ الحرمة لقبول المنصب بنفسه فالحرمة نفسیّة لا غیریّة فیسأل عنه(رحمه الله) هل دلیل حرمة إعانة الظالم في ظلمه دلیل عقليّ أو نقليّ فقط؟ فإن قلنا بالدلیل العقليّ المؤیّد بالنقل_ کما هو الحقّ_ فالحرمة ذاتیّة_ کما سبق منّا_ فالمحقّق الإیروانيّ(رحمه الله) أیضاً یوافقنا في الحرمة النفسیّة و الذاتیّة علی الظاهر من کلامه(رحمه الله) هنا.
الحقّ في المقام
أقول: إنّ الحقّ هو الحرمة الذاتیّة (النفسیّة)؛ لأنّ العقل حاکم بقبح الظلم و بقبح تأییده و تحکیمه و قبول الولایة من الجائر من حیث هو تحکیم للجائر و قبیح عقلاً و الآیات و الروایات المستدلّ بها في المقام إرشادات إلی حکم العقل.
المبحث الثاني: في مسوّغات الولایة عن الجائر
إشکالان في هذا العنوان
الإشکال الأوّل
قال السیّد اللاريّ(رحمه الله): «إنّ الحرام النفسيّ و ما فيه المفسدة الذاتيّة على وجه العلّيّة التامّة؛ كالظلم، كما هو صريح نصوص تحف العقول و نصوص ﴿مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمين﴾[4] لا تسوّغه المصالح أصلاً و رأساً و لا تجتمع مع المصالح؛ لاستحالة اجتماع الضدّين، فلا تسوّغه إلّا ضرورةً أو تقيّة؛ نعم لو كان كالكذب مقتضى للحرمة و المفسدة لا علّةً تامّةً لها سوّغته المصلحة؛ لكنّه خلاف ما عرفت من نصوص الكتاب و السنّة».[5]
أقول: إنّ الحرام النفسيّ و ما فیه المفسدة الذاتیّة علی وجه العلّیّة التامّة کالظلم قد یقارن المصالح الذاتیّة الکثیرة بحیث یوجب الخروج عن عنوان الظلم؛ کما في تزاحم الظلمین أحدهما أهمّ و الآخر مهمّ لا بدّ من اختیار أصغر الظلمین فراراً من الظلم الأکبر و لا یلزم اجتماع الضدّین أصلاً.
الإشکال الثاني
قد تقدّم من المصنّف[6] حرمة إعانة الظالم حتّى في الأعمال الراجحة مع عدّ المعين من أعوانهم و الوالي من أعظم الأعوان لهم. و مع ذلك كيف يحكم بالجواز و لو فرض قيام الدليل على الجواز هنا، أمكن أن يستدلّ بعين هذا الدليل على جواز إعانتهم في الأمور الراجحة و لو بغير أخذ الولاية بالفحوى و الأولويّة و يعارض به الأخبار الواردة على المنع هناك. [7]
أقول: الملاك في الحرمة الذاتیّة هو تحقّق عنوان الظلم أو تأیید الظلم القبیح عقلاً، فإذا اقترن أخذ المنصب بمقارنات توجب الخروج عن صدق عنوان الظلم فتخرج عن الحرمة إلی الجواز للخروج عن العنوان المحرّم فلا إشکال.
المسوّغ الأوّل: القیام بمصالح العباد (مع الأمن من الوقوع في الحرام[8] ) [9] [10] [11] [12] [13] [14] [15] [16] [17] [18] [19] [20] [21] [22] [23] [24]
أقول: الحقّ أنّ حرمة قبول الولایة ذاتیّة إذا انطبق علیه عنوان الظلم و لو لم ینطبق علیه عنوان الظلم فلا حرمة، فلا بدّ من ملاحظة الأهمّ و المهم. و هذا عند العقلاء و العرف معلوم فلا بدّ من الدقّة في ذلك حتّی لا یکون احتمال القیام بمصالح العباد توجیهاً للوقوع في المحرّمات الکثیرة، کما سیأتي التفصیل. و لا یخفی أنّ الاستثناء علی هذا من قبیل الاستثناء المنقطع لا المتّصل فإنّ باب التزاحم یوجب الخروج عن العنوان. و الملاك کلّه هو تحقّق عنوان الظلم و عدمه.
قال الشیخ الطوسيّ(رحمه الله): «إنّه متى تولّي الأمر من قبله، أمكنه التوصّل إلى إقامة الحدود و قسم [قسمة] الأخماس و الصدقات في أربابها و صلة الإخوان. و لا يكون في جميع ذلك مخلّاً بواجب و لا فاعلاً لقبيح؛ فإنّه يستحبّ له أن يتعرّض لتولّي الأمر من قبلهم»، (إنتهی ملخّصاً).[25] [26]
و قال الإمام الخمینيّ(رحمه الله): «يسوّغ خصوص القسم الأوّل_ و هو الدخول في الولاية على أمر مشروع في نفسه_ القيام بمصالح المسلمين و إخوانه في الدين؛ بل لو كان دخوله فيها بقصد الإحسان إلى المؤمنين و دفع الضرر عنهم كان راجحاً، بل ربما بلغ الدخول في بعض المناصب و الأشغال لبعض الأشخاص أحياناً إلى حدّ الوجوب، كما إذا تمكّن شخص بسببه من دفع مفسدة دينيّة_ مثلاً_ و مع ذلك فيها خطرات كثيرة إلّا لمن عصمه اللّٰه_ تعالى»، (إنتهی ملخّصاً).[27]
و لکن قال النجفيّ التبریزيّ(رحمه الله): «لا يخفى عليك أنّه يلزم على ما اخترنا من الحرمة الذاتيّة ميزان التزاحم في القيام بالمصالح من حيث لزوم رعاية المصالح و دفع المفاسد لأجل أنّ المكلّف لا يقدر على الجمع بين المتزاحمين المتساويين، لعدم إحراز الترجيح؛ نعم، لو أحرز أهمّيّة المصالح و دفع المفاسد من حرمة الولاية، جاز له ارتكاب تلك الحرمة لأجل الوصول لما هو اهم».[28]