بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

45/10/27

بسم الله الرحمن الرحیم

 

 

الموضوع: المکاسب المحرمة/ الولایة من قبل الجائر/ حکم الولایة من قبل الجائر

کلام المحقّق الخوئيّ في المقام

لقد أجاد المحقّق الخوئيّ(رحمه الله) حیث قال: «إنّ ظاهر جملة من الروايات كون الولاية من قبل الجائر بنفسها محرّمة و هي أخذ‌ المنصب منه و تسويد الإسم في ديوانه و إن لم ينضمّ إليها القيام بمعصية عمليّة أخرى من الظلم و قتل النفوس المحترمة و إصابة أموال الناس و أعراضهم و غيرها من شؤون الولاية المحرّمة، فأيّ والٍ من ولاة الجور ارتكب شيئاً من تلك العناوين المحرّمة يعاقب بعقابين: أحدهما: من جهة الولاية المحرّمة. و ثانيهما: من جهة ما ارتكبه من المعاصي الخارجيّة».[1]

و قال(رحمه الله) في موضع آخر: «إنّ غاية ما يستفاد من الأدلّة هي كون الولاية بنفسها محرّمة. و أمّا الحرمة الذاتيّة فلم يدلّ عليها دليل من العقل أو النقل». [2]

أقول: عبّر المحقّق الخوئيّ(رحمه الله) بالحرمة النفسیّة دون الحرمة الذاتیّة و الظاهر أنّ استفادة الحرمة إن کانت عن الآیات و الروایات دون العقل فالحرمة نفسیّة لا ذاتیّة و إن استفیدت الحرمة من العقل بعنوان الظلم و الآیات و الروایات إرشادات إلی حکم العقل فالحرمة ذاتیّة. و لذا قال المحقّق الخوئيّ(رحمه الله): أمّا الحرمة الذاتیّة فلم یدلّ علیها دلیل من العقل أو النقل. و هکذا قال في صدر کلامه «إنّ ظاهر جملة من الروایات کون الولایة من قبل الجائر بنفسها محرّمةً.

نکتتان

النکتة الأولی

لقد أجاد الإمام الخمینيّ(رحمه الله) حیث قال: «إنّ ما هو من قبيل المناصب و الولايات و أمثالهما تحرم بعنوانين: أحدهما: بعنوان التصرّف العدواني.[3] و ثانيهما: بعنوانها الذاتي. و ما لا يكون كذلك؛ أي ليس من المناصب و شؤون السلطنة و الحكومة، تحرم فيما تحرم بجهة واحدة و هي الدخول في أعمال السلطان. هذا إذا لم تنطبق عليه عناوين أخر؛ كإعانة الظالم في ظلمه و تقوية شوكة الظالمين و نحوهما»، (إنتهی ملخّصاً). [4]

النکتة الثانیة

قال السیّد السبزواريّ(رحمه الله): «إنّه على فرض الحرمة الذاتيّة لها لا يكون من الكبائر؛ لعدم التعرّض لها فيما ورد في تعدادها فيما تفحّصت عاجلاً؛ نعم، ورد فيها معونة الظالمين و هي أخصّ منها، كما مر. و هو مقتضى الأصل أيضاً و لو كانت الولاية مستلزماً لمحرّم يتبعه في كونها صغيرةً أو كبيرةً». [5]

أقول: إنّه علی فرض الحرمة الذاتیّة تکون الولایة من مصادیق الظلم و الظلم علی الناس من الکبائر و أمّا العمل المحرّم فهو معصیة أخری له عقاب آخر یتبعه في کونها صغیرةً أو کبیرةً.

کلام بعض الفقهاء في المقام

قال(حفظه الله) بعد ما أتی أربعة طائفة من الروایات: «لا منافاة بينها؛ لإمكان أن يتّصف فعل واحد بعناوين مختلفة، فيكون محرّماً بذاته و محرّماً لأجل عدم انفكاكه عن المآثم و المعاصي و محرّماً لكونه دخولاً في سلطان الغير و تصرّفاً في حقوقهم، كما أنّه يمكن أن يكون محرّماً من جهة رابعة؛ ككون الولاية إعانةً للظالمين و تقويةً لشوكتهم. و تشهد على ما ذكرنا رواية عليّ بن أبي حمزة، ففيها أنّ الدخول في ديوان ‌الظلمة، كما هو مستلزم لسلب حقّ الأئمّة(علیهم السلام) مستلزم لأمور محرّمة. قال أبو عبد اللّه(ع) في تلك الرواية: «لَوْ لَا أَنَّ بَنِي أُمَيَّةَ وَجَدُوا مَنْ يَكْتُبُ لَهُمْ وَ يَجْبِي لَهُمُ الْفَيْ‌ءَ[6] وَ يُقَاتِلُ عَنْهُمْ وَ يَشْهَدُ جَمَاعَتَهُمْ لَمَا سَلَبُونَا حَقَّنَا ... فَاخْرُجْ مِنْ جَمِيعِ مَا اكْتَسَبْتَ فِي دِيوَانِهِمْ فَمَنْ عَرَفْتَ مِنْهُمْ رَدَدْتَ عَلَيْهِ مَالَهُ وَ مَنْ لَمْ تَعْرِفْ تَصَدَّقْتَ بِهِ [7] ». [8]

أقول: کلامه(حفظه الله) في کمال المتانة.

 


[1] مصباح الفقاهة، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج1، ص669.
[2] مصباح الفقاهة، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج1، ص669.
[3] هو التصرّف بغیر إذن المالك و رضاه.
[4] المكاسب المحرمة، الخميني، السيد روح الله، ج2، ص115.
[5] مهذب الاحکام فی بیان حلال و الحرام، السبزواري، السيد عبد الأعلى، ج16، ص171.
[6] أي: يجمع لهم الخراج.
[7] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج5، ص106. و جيء فیه: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُنْدَارَ [عليّ بن محمّد بن عبدالله أبو القاسم بن عمران: إماميّ ثقة] عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ [الأحمري: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة ظاهراً] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمَّادٍ [عبد الله ‌بن إبراهيم بن حمّاد الأنصاري: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة علی الأقوی] عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَة [البطائني: من رؤوس الواقفة، لکنّ الظاهر أخذ المشایخ عنه قبل وقفه و هو إماميّ ثقة]. .(هذه الروایة مسندة، موثّقة ظاهراً)
[8] المواهب في تحرير احکام المکاسب، السبحاني، الشيخ جعفر، ج1، ص765.