بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

45/10/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 

 

الموضوع: المکاسب المحرمة/ الولایة من قبل الجائر/ حکم الولایة من قبل الجائر

هل حرمة الولایة من قبل الجائر تکون ذاتیّةً (نفسیّةً) أم غیریّةً؟

أقول: الأولی أن یعبّر «هل حرمة الولایة من قبل الجائر تکون نفسیّةً أو غیریّةً؟»؛ لأنّ الذاتيّ لا یعلّل و التعلیلات من الآیات و الروایات شاهدة علی أنّ المراد من الذاتیّة، النفسیّة، إلّا أن یقال بعد إثبات قبح ذلك بدلیل العقل، یکون قبول الولایة حرمته ذاتیّةً؛ مثل قبح الظلم و قبح التأیید للظلم. و علی هذا لا یناسب الاستدلال للحرمة الذاتیّة بالآیات و الروایات إلّا من باب الإرشاد إلی حکم العقل، فسائر الأدلّة إرشادات إلی حکم العقل. و لکنّ الظاهر من کلمات الفقهاء في المقام أنّ مرادهم النفسیّة، لا الذاتیّة بالمعنی الفلسفي. و الحقّ: أنّ حرمة قبول الولایة من قبل الجائر ذاتیّة بدلیل العقل و قبح الظلم و قبح التأیید له و سائر الأدلّة إرشادات إلی حکم العقل. و علی هذا فالتعبیر بالذاتیّة أحسن من التعبیر بالنفسیّة و إن کان مراد بعض الفقهاء من الذاتیّة، النفسیّة.

قال السیّد السبزواريّ(رحمه الله): «إنّ هذه الحرمة هل هي ذاتيّة؛ كحرمة نفس الظلم من حيث هو أو أنّها غيريّة من جهة ترتّب المفسدة عليها، فلو فرض عدم الترتّب تكون مباحةً؟». [1]

هنا قولان:

القول الأوّل: الحرمة الذاتیّة (النفسیّة) [2] [3] [4] [5]

أقول: هو الحقّ؛ لأنّ العقل حاکم بقبح الظلم و بقبح تأییده و تحکیمه و قبول الولایة من الجائر من حیث هو تحکیم للجائر و قبیح عقلاً و الآیات و الروایات المستدلّ بها في المقام إرشادات إلی حکم العقل. و عبّر بعض الفقهاء بالحرمة النفسیّة و لعلّ مرادهم إستفادة الحرمة النفسیّة من الآیات و الروایات. و ستأتي الأدلّة علی ذلك من الآیات و الروایات و دلیل العقل.

قال کاشف الغطاء(رحمه الله): «الولاية من الجائر‌ تحرم في ذاتها من الجائر مسلماً أو كافراً، مؤمناً أو مخالفاً». [6]

أدلّة القول الأوّل

الدلیل الأوّل: الآیات

فمنها: قوله_ تعالی: ﴿يَا أَيُّهَا الذينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾. [7]

أقول: حیث تدلّ الآیة علی حرمة أخذهم أولیاء و حرمة التولّي من جانبهم. و هذا یدلّ علی الحرمة النفسیّة أو الذاتیّة؛ لانتهائه إلی الظلم القبیح ذاتاً.

و منها: قوله_ تعالی: ﴿يَا أَيُّهَا الذينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَ إِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾. [8]

أقول: هذه تدلّ أیضاً علی الحرمة النفسیّة أو الذاتیّة؛ لانتهائه إلی الظلم القبیح ذاتاً.

و منها: قوله_ تعالی: ﴿لاَ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْ‌ءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَ يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَ إِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾. [9]

أشار إلیها السیّد اللاريّ(رحمه الله) و قال: «لو فرضنا ظهور نصّ في حرمته الغيريّة، لكن يقدّم عليه أظهريّة نصوص الكتاب و السنّة في حرمته النفسيّة قطعاً، فضلاً عن عدم الظهور في شي‌ء منها أصلاً و رأساً».[10]

أقول: لا یخفی أنّه(رحمه الله) عبّر بالحرمة النفسیّة.

الدلیل الثاني: الروایات

فمنها: عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ[11] رَفَعَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(ع) فِي قَوْلِ اللَّهِ(عزوجل): ﴿وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الذينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ قَالَ: «هُوَ الرَّجُلُ يَأْتِي السُّلْطَان‌ فَيُحِبُّ بَقَاءَهُ إِلَى أَنْ يُدْخِلَ يَدَهُ إِلَى كِيسِهِ فَيُعْطِيَهُ». [12]

إستدلّ بها بعض الفقهاء.[13]

أقول: الروایة ضعیفة سنداً و لکن دلالتها تامّة، حیث إنّ قول الله(عزوجل) یدلّ علی أنّ الرکون إلی الظالم منهيّ عنه و جزائه جهنّم و ذکر مصداق من الرکون في الروایة؛ فتدلّ علی حرمة حبّ بقاء الظالم لحظةً، لانتهائه إلی تأیید الظالم قبیح عقلاً.

و منها: مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى[14] عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ[15] عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ[16] عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ[17] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ هِشَامٍ[18] عَمَّنْ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(ع) قَالَ: «إِنَّ قَوْماً مِمَّنْ آمَنَ بِمُوسَى(ع) قَالُوا لَوْ أَتَيْنَا عَسْكَرَ فِرْعَوْنَ وَ كُنَّا فِيهِ وَ نِلْنَا مِنْ دُنْيَاهُ فَإِذَا كَانَ الذي نَرْجُوهُ مِنْ ظُهُورِ مُوسَى(ع) صِرْنَا إِلَيْهِ فَفَعَلُوا فَلَمَّا توجّه مُوسَى(ع) وَ مَنْ مَعَهُ إِلَى الْبَحْرِ هَارِبِينَ مِنْ فِرْعَوْنَ رَكِبُوا دَوَابَّهُمْ وَ أَسْرَعُوا فِي السَّيْرِ لِيَلْحَقُوا بِمُوسَى(ع) وَ عَسْكَرِهِ فَيَكُونُوا مَعَهُمْ فَبَعَثَ اللَّهُ (عزوجل) مَلَكاً فَضَرَبَ وُجُوهَ دَوَابِّهِمْ فَرَدَّهُمْ إِلَى عَسْكَرِ فِرْعَوْنَ فَكَانُوا فِيمَنْ غَرِقَ مَعَ فِرْعَوْنَ». [19]

إستدلّ بها بعض الفقهاء. [20]

أقول: الروایة ضعیفة سنداً و تدلّ علی أنّ حبّ فرعون الظالم و لو للدنیا یوجب الهلاك في الدنیا و الآخرة.

 


[1] مهذب الاحکام فی بیان حلال و الحرام، السبزواري، السيد عبد الأعلى، ج16، ص169.
[2] شرح الشيخ جعفر على قواعد العلاّمة ابن المطهر، كاشف الغطاء، الشيخ جعفر، ج1، ص97.
[3] جامع المدارك، الخوانساري، السيد أحمد، ج3، ص58.
[4] المكاسب المحرمة، الخميني، السيد روح الله، ج2، ص110.
[5] تفصيل الشريعة- المكاسب المحرمه، الفاضل اللنكراني، الشيخ محمد، ج1، ص269.
[6] شرح الشيخ جعفر على قواعد العلاّمة ابن المطهر، كاشف الغطاء، الشيخ جعفر، ج1، ص97.
[7] السورة مائده، الأية 51.
[8] السورة توبه، الأية 23.
[9] السورة آل عمران، الأية 28.
[10] التعليقة على المكاسب، لللاري، السید عبدالحسین، ج)، ص: 269.
[11] الآدميّ الرازي، أبو سعید: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة علی الأقوی.
[12] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج5، ص109.. (هذه الروایة مرفوعة و ضعیفة)
[13] تحليل الكلام في فقه الإسلام، التبریزی، الشیخ رازی، ج1، ص: 210.
[14] العطّار: إماميّ ثقة.
[15] أحمد بن محمّد بن عیسی الأشعري: إماميّ ثقة.
[16] الأهوازي: إماميّ ثقة.
[17] الصیرفي: إماميّ ثقة.
[18] مهمل.
[19] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج5، ص109.. (هذه الروایة مرسلة و ضعیفة)
[20] تحليل الكلام في فقه الإسلام، التبریزی، الشیخ رازی، ج1، ص: 210.