45/05/26
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: المکاسب المحرمة/ النجش/ حکم النجش وضعا
المبحث الثالث: في الحکم الوضعيّ للبیع مع النجش
تحریر محلّ النزاع
إختلف الفقهاء في الحکم الوضعيّ للبیع مع النجش؛ فذهب المشهور إلی صحّة البیع. و ذهب بعض إلی البطلان إذا كان من البائع و إن كان من الواسطة، صحّ البيع.
هنا قولان:
القول الأوّل: بطلان البیع إذا كان من البائع؛ أي مع المواطاة و صحّة البیع إذا کان من الواسطة؛ أي مع عدم المواطاة[1]
قال إبن جنید الإسکافيّ(رحمه الله): «النجش في البيوع يجري مجرى الغشّ و الخديعة و هو يبطلها إذا كان من البائع، فإن كان من الواسطة، لزم البيع و لزمه الدرك في الضرر إذا دخله على المشتري».[2]
أقول: لا وجه لبطلان البیع؛ لأنّ النهي لیس لأصل المعاملة؛ مثل البیع الربوي، بل النهي تکلیفيّ لشخص خاصّ- أي الناجش- فإنّه إما کذب أو خدع أو أضرّ و هکذا. و أمّا البائع فقد یکون جاهلاً بالنجش و قد یکون عالماً فیشترك حينئذٍ مع الناجش في الحکم التکلیفي. و أمّا الحکم الوضعيّ فمربوط بمورد النجش، فقد یکون العیب موجوداً أو الغبن موجوداً أو أحد أسباب الخیار موجوداً؛ فللمشتري الخیار. و أمّا لو لم یکن أحد أسباب الخیار، فنفس الحکم التکلیفيّ للناجش لا یوجب بطلان العقد في المعاوضات و النکاح و أمثالها، بل البطلان فیها تابع لأسبابها في الخیارات.
إشکال في القول الأوّل
أمّا فساد المعاملة (الذي حكي عن ابن الجنيد) فلا وجه له؛ لعدم كون النهي التكليفيّ موجباً للفساد في المعاملات.[3]
القول الثاني: صحّة البیع
ذهب المشهور إلی صحّة البیع مع النجش بجمیع معانیه المتقدّمة. [4] [5] [6]
أقول: هو الحق؛ لما سبق و لما سیأتي من الأدلّة.
قال الشيخ الطوسيّ(رحمه الله) : «إذا ثبت تحريمه[7] فالمشتري إذا اقتدى به و زاد في الثمن و اشتراه، كان الشراء صحيحاً». [8]
و قال(رحمه الله) في موضع آخر: «إذا نجش بأمر البائع و مواطاته، يصحّ البيع بلا خلاف»، (إنتهی ملخّصاً).[9]
و قال الفاضل الآبي(رحمه الله): «الشراء صحيح على القولين[10] ».[11]
و قال العلاّمة الحلّيّ(رحمه الله): «لا يبطل البيع بمجرّده[12] ». [13] [14] [15]
و قال کاشف الغطاء(رحمه الله): «يصحّ العقد بل يلزم معه و إن عصى بفعله».[16]
و قال بعض الفقهاء(رحمه الله): «مدح السلعة كذباً أو إيقاع الغير في الضرر من جهة الغش ... لا يوجب بطلان المعاملة»، (التصرّف).[17]
أدلّة القول الثاني
الدليل الأوّل
إنّه لا دليل على فساده. [18] لأنّ النهي لیس لأصل المعاملة، بل النهي تعلّق بشخص خاصّ و هو الناجش، لکذبه أو غیره من المحرّمات و المعاملة تابعة لقوانینها الثابتة لها من الخیارات و أسبابها.
الدليل الثاني: الأصل [19] [20]
قال العلاّمة الحلّيّ(رحمه الله): «لنا: الأصل صحّة البيع و عروض النجش له لا يقتضي فساداً في عقد البيع». [21]
الدليل الثالث
إنّ النهي عائد إلى الناجش لا إلى العاقد، فلم يؤثّر في البيع. [22]
و قال الشيخ النجفيّ(رحمه الله): «لا يبطل العقد؛ لما سمعته من تعلّق النهي بأمر خارج». [23] [24]
الدليل الرابع
إنّ النهي لحقّ آدميّ فلم يفسد البيع، كالتلقّي و بيع المعيب و المدلّس، بخلاف حقّ اللّه_ تعالى؛ لأنّ حقّ الآدميّ يمكن جبره بالخيار.[25]