بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

45/04/28

بسم الله الرحمن الرحیم

 

 

الموضوع: المکاسب المحرمة/ النجش/ تعریف النجش

المسألة الرابعة و العشرون: النجش

أقول: النجش من الطرق الشنیعة في تبلیغ السلعة التي تُعرض للمعاملة. النجش عبارة عن أنّ شخصاً اقترح قیمةً عالیةً للسلعة المعروضة للمعاملة من دون أيّ قصد لاشترائها حتّی یسمع المشتري و یشتریها بقیمة عالیة. قد بیّن بعض الفقهاء نوعاً ثانیاً للنجش و هو مدح السلعة بما لیس فیها من دون أيّ قصد للشراء و استجلاباً للمشتري. مع الالتفات إلی هذه التعاریف یمکن أن یعدّ بعض الدلالات و المزایدات و الدعاوة من طریق إدارة الإعلام التي تعدّ فیها السلعات المعروضة، بعنوان الأجناس الجیّدة غالباً، من مصادیق النجش. في خصوص الأحکام التکلیفیّة و الوضعیّة و الخیار أیضاً في المعاملة مع النجش اختلاف. مع الدراسة و التحلیل في أدلّة الفقهاء یمکن أن یقال إنّ النجش حرام، لکنّ المعاملة معها صحیحة.

من الحقوق الاجتماعيّة التي تستمرّ علی مدی تاریخ الحیاة البشريّة و قد صارت ذات أهمّیّة علی مرّ الزمان و التقدّمات الصناعیّة، حقّ المتصرّف. في الفقه الإسلاميّ و الحقوق الموضوعة، قد أکدّ بطرق مختلفة علی حقّ المتصرّف و الحمایات اللازمة عنها تساعد علی رفع المشاجرات و تقلیل المنازعات بین طرفي المعاملة. من المسائل المبیّنة في الکتب الفقهیّة التي یمکن أن تعدّ مرتبطةً بحقوق المتصرّفین، هي النهي عن النجش.

و فیها مباحث:

المبحث الأوّل: في معنی النجش لغةً و اصطلاحاً

النجش لغةً

قال ابن منظور: «النجش و التناجش، الزيادة في السلعة أو المهر ليسمع بذلك فيزاد فيه،... قال أبو عبيد: هو أن يزيد الرجل ثمن السلعة و هو لا يريد شراءها و لكن ليسمعه غيره فيزيد بزيادته- إلى أن قال: قال ابن شميل: النجش أن تمدح سلعة غيرك ليبيعها أو تذمّها لئلّا تنفق عنه.... الجوهري: النجش أن تزايد في البيع ليقع غيرك و ليس من حاجتك و الأَصل فيه تَنْفيرُ الوحش من مكان إِلى مكان».[1]

و قال الفیروز آبادي: «النجش … أن تواطئ رجلاً إذا أراد بيعاً أن تمدحه، أو أن يريد الإنسان أن يبيع بياعةً فتساومه فيها بثمن كثير لينظر إليك ناظر فيقع فيها».[2]

و قال الفیومي: «نجش الرجل ... إذا زاد في سلعة أكثر من ثمنها و ليس قصده أن يشتريها بل ليغرَّ غيره فيوقعه فيه. و كذلك في النكاح و غيره».[3]

و قال الفاضل المقداد(رحمه الله): «النجش لغةً الاستتار للمخاتلة[4] . و منه نجش الصيد إذا استتر له ليختله فكأنّ الناجش يستتر ليخدع المشتري بإغرائه له بالزيادة و إخفائه عدم رغبته».[5]

و قال المحقّق الثانيّ(رحمه الله): «هو بالنون المفتوحة و الجيم الساكنة».[6]

و قال کاشف الغطاء(رحمه الله): «(و النجَش) بفتحتين و يسكن».[7]

و قال الشیخ الأنصاريّ(رحمه الله): «النجش بالنون المفتوحة و الجيم الساكنة أو المفتوحة».[8]

و قال الشهیديّ التبریزيّ(رحمه الله): «قوله (و الجيم الساكنة أو المفتوحة) أقول:‌ فهو مصدر على الأوّل و اسم مصدر على الثاني».[9]

و قال بعض الفقهاء(حفظه الله): «الأصل في معناه_ كما قيل_ هو إثارة الصيد من مكان إلى مكان».[10]

النجش اصطلاحاً

قد ذكر للنجش تفسيران: الأوّل: أن يزيد الرجل من ثمن السلعة و هو لا يريد شرائها، ليسمعه غيره فيزيد؛ الثاني: أن يمدح السلعة بهذا الغرض، كلّ ذلك مع التواطؤ مع البائع أو بدونه.[11]

التعريف الاوّل

قال الشيخ الطوسيّ(رحمه الله): «هو أن يزيد رجل في ثمن سلعة زيادة لا تسوى بها و هو لا يريد شرائها و إنّما يزيد ليقتدى به المستام[12] ». [13] [14] [15]

و قال(رحمه الله) في موضع آخر: «هو أن يزيد في السلعة، ليقتدي به المشتري فيشتريه».[16]

و قال إبن زهرة الحلبيّ(رحمه الله): «هو أن يزيد في الثمن من لا رغبة له في الشراء، ليخدع المشتري».[17]

و قال العلاّمة الحلّيّ(رحمه الله): «هو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها و إنّما يقصد بذلك أن يقتدي به المستام، فيظنّ أنّه لم يزد فيها هذا القدر إلّا و هي تساويه فيغترّ بذلك».[18]

و قال الشهيد الأوّل(رحمه الله): «هو رفع السعر ممّن لا يريد الشراء للحضّ عليه». [19] [20]

و قال إبن فهد الحلّيّ(رحمه الله): «أن يزيد الإنسان في سلعة البائع و لا يريد شراها، قصداً لتغرير الغير ببذل الزيادة و تسمّيه العامّة التحريص».[21]

قال الشهيد الثاني(رحمه الله): «التعريف السديد له أنّه الزيادة في ثمن السلعة ممّن لا يريد شراءها، ليحضّ غيره عليه و إن لم يكن بمواطاة البائع و كلام أهل اللغة موافق لما ذكرناه». [22] [23]

و قال الشهیديّ التبریزيّ(رحمه الله): «ما ذكرناه من عدم اعتبار المواطاة إنّما هو بالنسبة إلى حكم الناجش. و أمّا المنجوش له و هو البائع المتوجّه اللعن عليه_ كما هو قضيّة النبويّ(ص) _ فهل يعتبر في حكمه المواطاة أم يكفي فيه صرف علمه بقصد الناجش، فيه وجهان: أحوطهما بل أظهرهما الثاني، عملاً بإطلاق النبوي إلّا في مورد علم فيه التقييد و هو منحصر في صورة الجهل».[24]

أقول: في اصطلاح الیوم یمکن أن یقال: النجش معادل للمزایدة الصوريّة.

 


[1] لسان العرب، ابن منظور، ج6، ص351.
[2] القاموس المحيط، الفيروز آبادي، مجد الدين، ج2، ص289.
[3] المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي‌، الفيومي، أحمد بن محمد، ج1، ص594.
[4] أي: المخادعة.
[5] التنقيح الرائع لمختصر الشرائع‌، الفاضل مقداد‌، ج2، ص40.
[6] جامع المقاصد في شرح القواعد‌، المحقق الثاني (المحقق الكركي)، ج4، ص39.
[7] شرح الشيخ جعفر على قواعد العلاّمة ابن المطهر، كاشف الغطاء، الشيخ جعفر، ج1، ص86.
[8] كتاب المكاسب، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج4، ص277.
[9] هداية الطالب الى اسرار المكاسب ط قديم، الشهيدي التبريزي، الميرزا فتاح، ج1، ص109.
[10] انوار الفقاهة(كتاب التجارة)، مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر، ج1، ص368.
[11] انوار الفقاهة(كتاب التجارة)، مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر، ج1، ص368.
[12] إسم مفعول من السَوْمُ و هو عَرْضُ السِلْعَةِ على البيع.
[13] المبسوط في فقه الإمامية، الشيخ الطوسي، ج2، ص159.
[14] السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي، ابن إدريس الحلي، ج2، ص240.
[15] الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، البحراني، الشيخ يوسف، ج18، ص43.
[16] الخلاف، الشيخ الطوسي، ج3، ص171.
[17] غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع، ابن زهرة، ج1، ص216.
[18] منتهى المطلب في تحقيق المذهب‌، العلامة الحلي، ج15، ص315.
[19] الدروس الشرعية في فقه الإمامية‌، الشهيد الأول، ج3، ص178.
[20] مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، الشهيد الثاني، ج3، ص190.
[21] المهذب البارع في شرح المختصر النافع، ابن فهد الحلي، ج2، ص366.
[22] فوائد القواعد - ط دفتر تبلیغات اسلامی - ت مطلبی، الشهيد الثاني، ج1، ص521.
[23] مفتاح الکرامة فی شرح قواعد العلامة (ط-جماعة المدرسين)، الحسيني العاملي، السید جواد، ج12، ص349.
[24] هداية الطالب الى اسرار المكاسب ط قديم، الشهيدي التبريزي، الميرزا فتاح، ج1، ص109.