45/03/29
بسم الله الرحمن الرحیم
إختلف الفقهاء في حکم معونة الظالمین في المباحات؛ فذهب بعض إلی الجواز. و ذهب بعض آخر إلی الجواز و الأحوط استحباباً الترك. و ذهب بعض إلی الحرمة. و ذهب بعض آخر إلی التفصیل بین أن تکون المعونة عن ميلٍ إليهم بسبب ظلمهم و كبرهم أو بقصد السعي في إعلاء شأنهم و حصول الاقتدار أو تكثير سوادهم فتحرم و بین أن خلت عن تلك الأحوال، فتجوز.
أقول: هو الحق؛ للأدلّة الآتیة. و لا یخفی أنّ الجواز مادام لم ینطبق علیه عنوان الإعانة علی الظلم أو علی الإثم و لا بدّ من الاحتیاط في ذلك.
قال الشهید الثاني(رحمه الله): «مساعدتهم بالأعمال المحلّلة؛ كالخياطة و غيرها، فإنّه جائز». [15]
أقول: إنّ الخیاطة للسطان الجائر قد تعدّ إعانةً علی الظلم و تحرم؛ فإنّه قد یقال خیّاط اللسلطان أو معمار السلطان و أمثالهما.
و قال السیّد العامليّ(رحمه الله): «لا تحرم معونة الظالمين في غير الظلم». [16]
و قال المحقّق الخوئيّ(رحمه الله): «إعانة الظالمين في غير جهة ظلمهم بالأمور السائغة؛ كالبناية و الخبازة و نحوهما، فلا بأس بها؛ سواء أكان ذلك مع الأجرة أم بدونها». [17]
أقول: قد ینطبق عنوان معمار السلطان، فیحرم؛ لصدق عنوان الإعانة علی الظلم.
و قال السیّد السبزواريّ(رحمه الله): «إعانتهم في غير المحرّمات ليست محرمةً. و حيثيّة الظلم حيثيّة تعليليّة تدور الحرمة مدار ثبوتها وجوداً و عدماً»، (التصرّف). [18]
و قال بعض الفقهاء (حفظه الله): «إذا كان المراد مجرّد إصلاح أمر مباح أو راجح فلا [یحرم][19] . و كذا إذا كان في المقدّمات البعيدة بحيث لا تعدّ إعانةً عرفاً. و كذا إذا كان بمقدّمة مشتركة بين المباح و الحرام ما لم يعلم بصرفه خاصّةً في الحرام». [20]
قال السیّد السبزواريّ(رحمه الله): «إعانتهم في غير المحرّمات، فليست محرّمةً؛ للإجماع على عدم حرمة إعانتهم في غير الحرام»، (إنتهی ملخّصاً). [21]
قال المحقّق النراقيّ(رحمه الله): «الأولى أن يعلّل[24] بمعارضة تلك المطلقات[25] مع الأخبار المتكثّرة الواردة في الموارد العديدة في الحثّ على إعانة المسلمين و قضاء حوائجهم و مودّتهم و الاهتمام بأمورهم المعاضدة بالكتاب و بعمل كافّة الأصحاب. و إذ لا مرجّح[26] فالعمل على الأصل المقطوع به و هو جواز إعانة الظالم و قضاء حوائجه في غير المحرّم». [27]
أقول: لا معارضة بین أدلّة جواز المعونة و حرمتها، حیث إنّ الجواز مربوط بحوائج المؤمنین و مودّتهم و الحرمة مربوطة بالإعانة بالظلم أو الإثم، فما کانت إعانةً علی الظلم أو الإثم فتحرم. و غیر ذلك من الحوائج التي لا تصدق علیها المعونة علی الظلم أو الإثم، فجائز و لا تعارض في البین، بل أدلّة حرمة المعاونة علی الظلم أو الإثم مقدّمة علیها بالورود أو بالتقیید للمطلقات أو التخصیص للعمومات.
قال السیّد السبزواريّ(رحمه الله): «إعانتهم في غير المحرّمات، فليست محرّمةً؛ للأصل و إطلاق أدلّة تلك الأمور واجباً كان أو مندوباً أو مباحاً»، (إنتهی ملخّصاً). [28]
و قال(رحمه الله): «مقتضى الأصل الإباحة بعد عدم الدليل على الحرمة». [29]
و قال بعض الفقهاء(حفظه الله): «لا دليل على الحرمة، وفقاً للأصول و القواعد»، (التصرّف).[30]
قال ابن کاشف الغطاء(رحمه الله): «[یجوز المعاونة في المباحات][36] للسيرة القطعيّة من قديم الزمان إلى الآن على معاملتهم و مزارعتهم و أخذ المضاربات منهم و البيع عليهم و الشراء منهم و استئجار أرضهم و إجاراتهم و أخذ الدوابّ منهم و بيعها عليهم إلى غير ذلك. و يشعر بذلك ما ورد عن أئمّتنا(علیهم السلام) من عود مرضاهم و تشييع جنائزهم و الصلاة معهم و إظهار المودّة لهم؛ فإنّ ذلك من لوازم هذا و آثاره؛ لأنّ ترك معاملتهم ممّا ينفرّ طباعهم و يبعد الرحمة عن قلوبهم و توحّش أنفسهم، بل قارنت نيّة مخالطتهم و معاملتهم و القرب إليهم تفريج الكربة عن المؤمنين و دفع الشدّة عن المتعلّمين و قضاء حوائج الفقراء و المساكين و كانت مرتبة عليّ بن يقطين من أعظم القربات و من أعلى المندوبات و من أجل ما يرضى ربّ السماوات. و هو الذي يظهر من الأخبار و الآثار و السيرة القطعيّة و رفع العسر و الحرج و الشريعة السمحة السهلة». [37]
و قال الشیخ النجفيّ(رحمه الله): «إنّ السيرة القطعيّة على خلاف ذلك[38] ، بل هو منافٍ لما دلّ على مجاملتهم و حسن العشرة معهم و الملق لهم و جلب محبّتهم و ميل قلوبهم؛ كي يقولوا رحم الله جعفر بن محمّد‘ ما أحسن ما كان يؤدّب به أصحابه»، (إنتهی ملخّصاً). [39]
و قال المحقّق الإیروانيّ(رحمه الله): «[تدلّ علیه][40] جريان السيرة على إعانتهم في المباحات». [41]
و قال المحقّق الخوئيّ(رحمه الله): «السيرة القطعيّة قائمة على جواز إعانة الظالمين بالأمور المباحة في غير جهة ظلمهم». [42]
قال السیّد السبزواريّ(رحمه الله): «إعانتهم في غير المحرّمات، فليست محرّمةً؛ لجريان السيرة على إعانتهم في الواجبات و المباحات و المندوبات». [43]
و قال بعض الفقهاء(حفظه الله): «العمدة هنا جريان السيرة المستمرّة على إعانتهم بالأمور المباحة و ابتياعهم من سوق المسلمين ما يريدونه و لم يكن لهم سوق يختصّ بهم، مضافاً إلى الشهرة». [44]
قال المحقّق السبزواريّ(رحمه الله): «معونة الظالمين بما لا يحرم، كالخياطة و غيرها، فالظاهر جوازه، لكنّ الأحوط الاحتراز عنه»، (إنتهی ملخّصاً). [46]
قال الشیخ البحراني: «الظاهر من الأخبار الواردة في هذا المقام هو عموم تحريم معونتهم بما لا[48] يحرم و ما لا يحرم». [49]