بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

44/10/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: المکاسب المحرمة/ معونة الظالمین/مراد من الظالمین

المسألة الثالثة و العشرون: معونة الظالمین

و فیها مباحث:

المبحث الأوّل: في المراد من الظالمین

تحریر محلّ النزاع

إختلف الفقهاء في المراد من الظالمین في المقام؛ فذهب بعض إلی أنّ المراد منهم حکّام الجور و سلاطین الجور. و ذهب بعض آخر إلی أنّ المراد منهم مطلق العصاة الظلمة. و ذهب بعض إلی أنّ المراد منهم کلّ ظالم أمیراً کان أم لم یکن.

هنا أقوال:

القول الأوّل: هم حکّام الجور و سلاطین الجور (سلاطين الجور المدّعين للخلافة و الإمامة) [1] [2] [3] [4] [5] [6]

أقول: لا دلیل علی الاختصاص؛ بل یشمل کلّ ظالم في کلّ زمان و مکان حیث لا بدّ من المبارزة معه و إن کان سلاطین الجور من أعلی المصادیق.

قال المحقّق الأردبیليّ (رحمه الله): «لعلّ المراد ﴿الذين ظلموا﴾[7] حكّام الجور و سلاطينهم الذين يجعلون أنفسهم قائمين مقام رسول اللّه (ص) و الأئمّة (رحمه الله) من بعده؛ كمعاوية و أعوانه و أضرابه». [8]

و قال الشیخ البحراني: «إنّ الظاهر أنّ المراد من هذا التشديد و التأكيد في هذه الأخبار الواردة في هذا المقام إنّما هو سلاطين الجور المدّعين للإمامة من الأمويّة و العباسيّة و من حذا حذوهم، كما هو ظاهر من سياقها و مصرّح به في بعضها، لا مطلق الظالم و الفاسق و إن كان الظلم و الفسق محرّماً مطلقاً». [9]

و قال المحقّق الإیروانيّ (رحمه الله): «المراد من الظالم خصوص من شاع إطلاق الظالم عليه من حكّام الجور. [و هو][10] مورد بعض الأخبار و منصرف بعض آخر»، (إنتهی ملخّصاً). [11]

و قال النجفيّ التبریزيّ (رحمه الله): «الظاهر المتبادر من الظالم؛ أي بالذين ظلموا فى الآية هو حكّام الجور و سلاطينهم الذين يجعلون أنفسهم قائمين مقام رسول اللّه (ص) و الأئمّة (علیهم السلام)».[12]

و قال السیّد السبزواريّ (رحمه الله): «إنّ [المراد من][13] الظالم في المقام خصوص سلاطين الجور»، (إنتهی ملخّصاً).[14]

و لکن قال (رحمه الله) في موضع آخر: «مقتضى الإطلاقات [شمول الأدلّة للجائرین من الکفّار أیضاً][15] إلّا إذا كان الظلم منهم على نوعهم[16] ».[17]

أقول: لا دلیل علی الاختصاص، کما سبق منّا.

دلیل القول الأوّل: الروایات

فمنها: عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ[18] عَنْ أَبِيهِ[19] عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ[20] عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ[21] عَنْ أَبِي بَصِير[22] قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ[23] (ع) عَنْ أَعْمَالِهِمْ[24] ، فَقَالَ (ع) لِي يَا أَبَا مُحَمَّدٍ: «لَا[25] وَ لَا مَدَّةَ[26] قَلَمٍ إِنَّ أَحَدَهُمْ لَا يُصِيبُ مِنْ دُنْيَاهُمْ شَيْئاً إِلَّا أَصَابُوا مِنْ دِينِهِ مِثْلَهُ» أَوْ[27] قَالَ (ع): «حَتَّى يُصِيبُوا مِنْ دِينِهِ مِثْلَهُ».[28]

إستدلّ بها بعض الفقهاء.[29]

أقول: لا تدلّ علی الاختصاص بمورد السلاطین، بل القدر المتیقّن هو سلاطین الجور و لا منافاة.

و منها: [30] إبْنُ أَبِي عُمَيْرٍ[31] عَنْ بَشِيرٍ[32] عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ[33] قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(ع) إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، فَقَالَ له (ع): أَصْلَحَكَ اللَّهُ إِنَّهُ رُبَّمَا أَصَابَ الرَّجُلَ مِنَّا الضَّيْقُ أَوِ الشِّدَّةُ، فَيُدْعَى إِلَى الْبِنَاءِ يَبْنِيهِ أَوِ النَّهَرِ يَكْرِيهِ‌[34] أَوِ الْمُسَنَّاةِ[35] يُصْلِحُهَا، فَمَا تَقُولُ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (ع): «مَا أُحِبُّ أَنِّي عَقَدْتُ لَهُمْ عُقْدَةً أَوْ وَكَيْتُ لَهُمْ وِكَاءً[36] وَ إِنَّ لِي مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا[37] لَا وَ لَا مَدَّةً[38] بِقَلَمٍ إِنَ‌ أَعْوَانَ‌ الظَّلَمَةِ يَوْمَ‌ الْقِيَامَةِ فِي‌ سُرَادِقٍ‌ مِنْ نَارٍ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَ الْعِبَاد».[39]

إستدلّ بها بعض الفقهاء.[40]

أقول: ذکر المصداق لا یدلّ علی الاختصاص، مضافاً إلی أنّ أعوان الظلمة یصدق علی کلّ الأعوان و کلّ الظلمة و لا دلیل علی الاختصاص بسلاطین الجور.

و منها: إبنُ أَبِي عُمَيْرٍ[41] عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ[42] قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (ع): «لَا تُعِنْهُمْ عَلَى بِنَاءِ مَسْجِدٍ».[43]

إستدلّ بها بعض الفقهاء.[44]

و منها: حَمْدَوَيْهِ[45] ، قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الرَّازِيُّ[46] ، قَالَ حَدَّثَنِي‌ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ[47] ، قَالَ: حَدَّثَنِي صَفْوَانَ بْنُ مِهْرَانَ الْجَمَّالُ[48] ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ (ع)[49] فَقَالَ لِي: «يَا صَفْوَانُ كُلُّ شَيْ‌ءٍ مِنْكَ حَسَنٌ جَمِيلٌ مَا خَلَا شَيْئاً وَاحِداً!» قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَيُّ شَيْ‌ءٍ؟ قَالَ: إِكْرَاؤُكَ جِمَالَكَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ يَعْنِي هَارُونَ» قُلْتُ: وَ اللَّهِ مَا أَكْرَيْتُهُ أَشَراً وَ لَا بَطَراً وَ لَا لِصَيْدٍ وَ لَا لِلَّهْوِ وَ لَكِنِّي أُكْرِيهِ لِهَذَا الطَّرِيقِ، يَعْنِي طَرِيقَ مَكَّةَ وَ لَا أَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِي وَ لَكِنْ أَنْصِبُ مَعَهُ غِلْمَانِي، فَقَالَ لِي: «يَا صَفْوَانُ أَ يَقَعُ كِرَاؤُكَ عَلَيْهِمْ؟» قُلْتُ: نَعَمْ جُعِلْتُ فِدَاكَ، قَالَ: فَقَالَ لِي: «أَ تُحِبُّ بَقَاءَهُمْ حَتَّى يَخْرُجَ[50] كِرَاؤُكَ؟» قُلْتُ نَعَمْ، قَالَ: «فَمَنْ أَحَبَّ بَقَاءَهُمْ فَهُوَ مِنْهُمْ وَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَانَ وَرَدَ النَّارَ»، قَالَ صَفْوَانُ فَذَهَبْتُ وَ بِعْتُ جِمَالِي عَنْ آخِرِهَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ إِلَى هَارُونَ، فَدَعَانِي فَقَالَ لِي: يَا صَفْوَانُ بَلَغَنِي أَنَّكَ بِعْتَ جِمَالَكَ قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: لِمَ قُلْتُ: أَنَا شَيْخٌ كَبِيرٌ وَ أَنَّ الْغِلْمَانَ لَا يَفُونَ بِالْأَعْمَالِ، فَقَالَ: هَيْهَاتَ أَيْهَاتَ[51] إِنِّي لَأَعْلَمُ مَنْ أَشَارَ عَلَيْكَ بِهَذَا أَشَارَ عَلَيْكَ بِهَذَا مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ، قُلْتُ: مَا لِي وَ لِمُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ! فَقَالَ: دَعْ هَذَا عَنْكَ فَوَ اللَّهِ لَوْ لَا حُسْنُ صُحْبَتِكَ لَقَتَلْتُكَ.[52]

إستدلّ بها بعض الفقهاء.[53]

أقول: لا تدلّ الروایة علی الاختصاص، بل من باب ذکر أوضح الأفراد و أکملها.


[1] مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، المحقق المقدّس الأردبيلي، ج8، ص64.
[2] الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، البحراني، الشيخ يوسف، ج18، ص122.
[3] مفتاح الکرامة فی شرح قواعد العلامة (ط-جماعة المدرسين)، الحسيني العاملي، السید جواد، ج12، ص202.
[4] حاشیه المکاسب، ایروانی نجفی، میرزاعلی، ج1، ص42.
[5] تحلیل الکلام فی فقه الاسلام، التبریزی، الشیخ راضی، ج1، ص203.
[6] مهذب الاحکام فی بیان حلال و الحرام، السبزواري، السيد عبد الأعلى، ج16، ص162.
[7] ﴿وَ لٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ﴾.
[8] مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، المحقق المقدّس الأردبيلي، ج8، ص64.
[9] الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، البحراني، الشيخ يوسف، ج18، ص122.
[10] الزیادة منّا.
[11] حاشیه المکاسب، ایروانی نجفی، میرزاعلی، ج1، ص42.
[12] تحلیل الکلام فی فقه الاسلام، التبریزی، الشیخ راضی، ج1، ص203.
[13] الزیادة منّا.
[14] مهذب الاحکام فی بیان حلال و الحرام، السبزواري، السيد عبد الأعلى، ج16، ص162.
[15] الزیادة منّا.
[16] أي: علی الکفّار.
[17] مهذب الاحکام فی بیان حلال و الحرام، السبزواري، السيد عبد الأعلى، ج16، ص165.
[18] عليّ بن إبراهیم بن هاشم القمّي: إماميّ ثقة.
[19] إبراهیم بن هاشم القمّي: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة علی الأقوی.
[20] محمّد بن أبي عمیر زیاد الأزدي: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع.
[21] إماميّ ثقة.
[22] یحیی أبو بصیر الأسدي: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع.
[23] الإمام الباقر(ع).
[24] الإتیان بأعمال الظلمة.
[25] أي: لا یجوز.
[26] المدّة_ بالفتح_ غمس القلم في الدواة مرّةً للكتابة.
[27] انوار الفقاهة(كتاب التجارة)، مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر، ج1، ص361. الوهم من ابن أبي عمير.
[28] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج5، ص107.. (هذه الروایة مسندة، صحیحة علی الأقوی)
[29] مفتاح الکرامة فی شرح قواعد العلامة (ط-جماعة المدرسين)، الحسيني العاملي، السید جواد، ج12، ص202.
[30] عليّ بن إبراهيم [بن هاشم القمّي: إماميّ ثقة] عن أبيه‌ [إبراهیم بن هاشم القمّي: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة علی الأقوی].
[31] محمّد بن أبي عمیر زیاد الأزدي: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع.
[32] هاشم بن سالم: إماميّ ثقة.
[33] عبد الله بن أبي یعفور: إماميّ ثقة.
[34] أي: کریت النهر: إذا حفرته.
[35] أي: ما يُبنى للسَيْل لِيَرُدَّ الماء.
[36] أي: الخيط الذي تشدّ به الصّرّة و الكيس و غيرهما.
[37] اللّابة: الحَرَّة و هي الأرض ذات الحجارة السود التي قد ألبستها لكثرتها.
[38] المدّة_ بالفتح_ غمس القلم في الدواة مرّةً للكتابة.
[39] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج5، ص107.. (هذه الروایة مسندة، صحیحة علی الأقوی)
[40] مفتاح الکرامة فی شرح قواعد العلامة (ط-جماعة المدرسين)، الحسيني العاملي، السید جواد، ج12، ص202.
[41] محمّد بن أبي عمیر زیاد الأزدي: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع.
[42] البجلي: إماميّ ثقة.
[43] تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج6، ص338.. (هذه الروایة مسندة و صحیحة)
[44] مفتاح الکرامة فی شرح قواعد العلامة (ط-جماعة المدرسين)، الحسيني العاملي، السید جواد، ج12، ص202.
[45] حمدویه بن نصیر: إماميّ ثقة.
[46] مهمل.
[47] التیمي: فطحيّ رجع عنها عند موته ثقة، من أصحاب الإجماع علی قول.
[48] إماميّ ثقة.
[49] الإمام الکاظم (ع).
[50] خ: تخرج.
[51] جاء في جمیع الکتب الروائیّة: هیهات.
[52] إختيار معرفة الرجال المعروف بـ رجال الكشي، الشيخ الطوسي، ج1، ص441. (هذه الروایة مسندة و ضعیفة؛ لوجود محمّد بن إسماعیل الرازيّ في سندها و هو مهمل).
[53] مفتاح الکرامة فی شرح قواعد العلامة (ط-جماعة المدرسين)، الحسيني العاملي، السید جواد، ج12، ص202.