44/10/22
بسم الله الرحمن الرحیم
موضوع: المکاسب المحرمة/ حکم المدح و الذم باطلا/ حکم التکسب المدح و الذم الباطل تکلیفا
المبحث الثاني: في حکم التکسّب بالمدح و الذمّ الباطل تکلیفاً
صرّح بعض الفقهاء بحرمة التکسّب به. [1] [2] [3] [4] [5] [6] [7] [8]
أقول: هو الحق؛ للدلیل العقليّ السابق بشروطه السابقة.
قال أبو الصلاح الحلبيّ (رحمه الله): «كلّ شيء ثبت تحريمه[9] ... التعوّض عنه محرّم». [10]
و قال ابن برّاج (رحمه الله): «[من المکاسب المحرّمة][11] مدح من يستحقّ الذمّ و ذمّ من يستحقّ المدح». [12]
و قال الشهید الأوّل (رحمه الله): «قد يحرم [التکسّب][13] إذا اشتمل على وجه قبيح و هو أقسام: أحدهما: ما حرم لعينه؛ كالذمّ لغير أهله و المدح في غير موضعه»، (إنتهی ملخّصاً). [14]
و قال کاشف الغطاء (رحمه الله): «من أخذ جائزةً على مدحه مع حرمته أو نال فائدةً منه فقد أخذ الحرام». [15]
و قال ابن کاشف الغطاء (رحمه الله): «ممّا يحرم التكسّب به مدح المذموم و ذمّ الممدوح و لو اشتمل على الغيبة زاد الإثم و كذا لو اشتمل على الكذب و الظاهر أنّ تحريمه من خشية أنّ تعظيم من لا يستحقّ التعظيم قبيح كإهانة من لا يستحقّ الإهانة و في إلحاق القول بالفعل وجه». [16]
إستثناء
ذهب بعض الفقهاء إلی وجوب مدح الظالم في بعض الأحیان.[17] [18] و ذهب بعض إلی الجواز في بعض الأحیان. [19]
قال إبن وحید البهبهانيّ (رحمه الله): «لا یکون مدحهم[20] في صفتهم الحسنة سيّئاً إذا لم یکن باعثاً لرسوخهم في صفاتهم الذمیمة. و إذا کان سبباً لتركهم لها کان حسناً و في بعض الأحیان یصیر واجباً و إلّا فلا یجوز». [21]
قال الشیخ الأنصاريّ (رحمه الله): «مقتضى هذه الأدلّة حرمة المدح طمعاً في الممدوح. و أمّا لدفع شرّه فهو واجب و قد ورد في عدّة أخبار: «شَرُّ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُكْرَمُونَ اتِّقَاءَ شَرِّهِمْ»[22] ». [23]
إشکال في کلام الشیخ الأنصاري
قال السیّد اللاريّ (رحمه الله): «في أصل وجوب المدح و الذمّ المحرّمين عقلاً لمطلق رفع الشرّ فضلاً عن إطلاق وجوبه نظر؛ ضرورة أنّ الضرورة المبيحة للمحظورات شرعاً بعموم: ﴿لٰا يُكَلِّفُ اللّٰهُ نَفْساً إِلّٰا وُسْعَهٰا﴾[24] ﴿وَ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾[25] ﴿وَ لٰا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾[26] و حديث رفع التسع[27] لا تجوّز أصل ما فرض ظلماً لدفع الشرّ مطلقاً فضلاً عن وجوبه له مطلقاً، بل إنّما تقدّر بقدرها كمّاً و كيفاً. فإن كان الشرّ ممّا يتحمّل عادةً، فلا تسوّغ الضرورة المدح المحرّم له عقلاً أصلاً و رأساً، فضلاً عن وجوبه له. و إن كان ممّا لا يتحمّل عادةً سوّغت الضرورة الأمر المحرّم له؛ لكن على وجه الجواز لا الوجوب، فأين مورد أصل الوجوب فضلاً عن إطلاقه؟ نعم لو كان المدح و الذمّ جائزاً بالأصالة- كمدح من يستحقّ المدح و ذمّ من يستحقّ الذمّ- أمكن عروض الوجوب عليه لمصلحة ملزمة. و أمّا ما كان بالأصالة حراماً ذا مفسدة عقليّة- كذمّ الممدوح و مدح المذموم الراجع إلى الظلم الشخصيّ المعلوم أو النوعيّ المفهوم بالفرض- فلا يعقل عروض المصلحة الملزمة عليه. مضافاً إلى أنّه لو صحّ عروض الوجوب و المصلحة الملزمة للمدح و الذمّ المحرّمين لما صحّ للمعصومين تحسين كلّ ممّن اختار القتل على التقيّة بالمدح و الذمّ المحرّمين بتعجيله إلى الجنّة و من اختار التقيّة به على القتل بتفقّهه في الأمر. بل لوجب النكير و الإنكار من المعصومين على من اختار القتل من أصحابهم على المدح و الذمّ المحرّمين». [28]
قال المحقّق الخوئيّ (رحمه الله): «لا يخفى أنّ حرمة مدح من لا يستحقّ المدح على وجه الإطلاق أو فيما انطبق عليه عنوان محرّم إنّما هي فيما إذا لم يلتجئ إلى المدح؛ لدفع خوف أو ضرر بدنيّ أو ماليّ أو عرضيّ و إلّا فلا شبهة في الجواز. و يدلّ عليه قولهم (علیهم السلام) في عدّة روايات: «شَرُّ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُكْرَمُونَ اتِّقَاءَ شَرِّهِمْ» و کذلك تدلّ عليه أخبار التقيّة؛ فإنّها تدلّ على جوازها في كلّ ضرورة و خوف». [29]
أقول: لا تدلّ هذه الروایة علی وجوب المدح، بل تدلّ فقط علی أنّ شرّ الناس من یکرمه الناس مخافة شرّه. لکن أصل المطلب صحیح و هو أنّه یجب المدح من باب مقدّمة الواجب إذا توجّه الضرر من جانب شریر ضرراً لا یمکن تحمّله؛ مثل أن یکون نفسه في خطر و یمکن له أن ینجي نفسه منه بمدح الشریر.