44/07/01
بسم الله الرحمن الرحیم
موضوع: المکاسب المحرمة/ اللهو/ حکم اللهو
التذنیب الثاني
هل تختصّ حرمة استعمال آلات الملاهي باستعمالٍ خاص؟ كالإلهاء بها بما أعدّت له مع قصد الإلهاء، فلا يحرم استعمالها بهذا النحو لا بقصد اللهو؛ كضرب الطبل أو الدفّ أو الطنبور للإعلام بدخول وقت أو خروجه أو طرد الحيوانات المؤذية من الزرع و نحو ذلك و كذا لا يحرم استعمالها بغير النحو الخاصّ؛ كجعل الدفّ مكيالاً و المزمار عصاً و نحو ذلك. أو تعمّ الحرمة جميع أنواع الاستعمالات؟ [1]
هنا أقوال:
القول الأوّل: حرمة الاستعمال و الانتفاع مطلقاً [2] [3] [4] [5] [6] [7]
قال الشیخ المفید (رحمه الله): «كلّ ما حرّمه الله- تعالى- و خطره[8] على خلقه، فلا يجوز الاكتساب به و لا التصرّف فيه، فمن عمل العيدان و الطنابير و سائر الملاهي محرّم و التجارة فيه محظورة». [9]
قال الشهید الثاني (رحمه الله): «إن أمكن الانتفاع بها في غير الوجه المحرّم على تلك الحالة منفعة مقصودة و اشتراها لتلك المنفعة، لم يبعد جواز بيعها إلّا أنّ هذا الفرض نادر؛ فإنّ الظاهر أنّ ذلك الوضع المخصوص لا ينتفع به إلّا في المحرّم غالباً و النادر لا يقدح. و من ثمّ أطلقوا المنع من بيعها». [10]
إشکال في کلام الشهید الثاني
إنّ المفهوم من الأدلّة أنّ ما صدق عليه إسم من هذه الأسماء لا يريد الشارع وجوده في الخارج لما يترتّب عليه من الفساد و لهذا أوجب إتلافه كفايةً و القول بجواز الانتفاع بها مع صدق الإسم عليها ممّا ينافي غرض الشارع، (إنتهی ملخّصاً). [11]
یلاحظ علیه: أنّ الشهید الثاني (رحمه الله) لم یذهب إلی الجواز؛ لأنّه (رحمه الله) قال: «إلّا أنّ هذا الفرض نادر؛ فإنّ الظاهر أنّ ذلك الوضع المخصوص لا ينتفع به إلّا في المحرّم غالباً و النادر لا يقدح. و من ثمّ أطلقوا المنع من بيعها».
و قال الشیخ البحراني: «أمّا لو أمكن الانتفاع بها في غير ذلك، فيحتمل الجواز إلّا أنّه فرض نادر، فيمكن التحريم مطلقاً بناءً على أنّ الغرض المتكرّر المترتّب على تلك الآلات إنّما هو ما ذكرنا، فلا يلتفت إلى الأفراد النادرة الوقوع». [12]
و قال المحقّق النراقيّ (رحمه الله): «لو كان ممّا يتّخذ للمنافع المحلّلة أيضاً؛ أي لم ينحصر اتّخاذها للهو خاصّةً، بل قد ينصرف إلى وجوه المنافع المحلّلة، بحيث كان ذلك متعارفاً فيه يمكن الحكم بجواز الانتفاع منه بهذا الوجه و لكن مثل ذلك نادر في آلات اللهو؛ مع أنّ الرواية ضعيفة و الجابر لها في ذلك غير معلوم»، (إنتهی ملخّصاً). [13]
و قال المحقّق النراقيّ (رحمه الله): «الظاهر[الحرمة تعمّ جميع أنواع الاستعمالات][14] بل كأنّه لا خلاف فيه أيضاً». [15]
و قال السیّد العامليّ (رحمه الله): «الظاهر التحريم لما يظهر للفقيه من حال فحوى الشارع، فليتأمّل». [16]
و قال کاشف الغطاء (رحمه الله): «لا يجوز عمله و لا استعماله و لا الانتفاع به و لا إبقائه و لا الاكتساب به بجميع وجوهه من غير فرق بين قصد الجهة المحلّلة و غيرها و لا بين قصد المادّة و قصد الصورة». [17]
و قال سبط کاشف الغطاء (رحمه الله): «لا فرق في حرمة الانتفاع بها[18] بين كون الانتفاع بها في ما وضعت له أو في غيره و بين كون المنفعة محلّلة أو محرّمة؛ كما يقضي به اطلاق الأخبار المتقدّمة». [19]
إشکال في القول الأوّل
إن كان دليل الحرمة وجوب كسر آلات اللهو و إعدامها، كما في خبر أبي الربيع الشامي: «إِنَّ اللَّهَ (عزوجل) بَعَثَنِي رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ وَ لِأَمْحَقَ الْمَعَازِفَ[20] وَ الْمَزَامِير[21] ...»[22] فإنّ ذلك لا يقتضي حرمة الاستعمال المذكور، فلو عصى الأمر بالكسر و اتّخذ المزمار عصاً لم يرتكب أمرين محرّمين، بل المعصية واحدة و هي ترك الكسر و الإعدام. و إن كان الدليل خبر تحف العقول عن الصادق(ع): «... فَكُلُّ أَمْرٍ يَكُونُ فِيهِ الْفَسَادُ مِمَّا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ مِنْ جِهَةِ أَكْلِهِ وَ شُرْبِهِ أَوْ كَسْبِهِ أَوْ نِكَاحِهِ أَوْ مِلْكِهِ أَوْ إِمْسَاكِهِ أَوْ هِبَتِهِ أَوْ عَارِيَّتِهِ أَوْ شَيْءٍ يَكُونُ فِيهِ وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ الْفَسَادِ نَظِيرُ الْبَيْعِ بِالرِّبَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْفَسَادِ أَوِ الْبَيْعِ لِلْمَيْتَةِ أَوِ الدَّمِ أَوْ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ أَوْ لُحُومِ السِّبَاعِ مِنْ صُنُوفِ سِبَاعِ الْوَحْشِ أَوِ الطَّيْرِ أَوْ جُلُودِهَا أَوِ الْخَمْرِ أَوْ شَيْءٍ مِنْ وُجُوهِ النَّجِسِ، فَهَذَا كُلُّهُ حَرَامٌ وَ مُحَرَّمٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ أَكْلِهِ وَ شُرْبِهِ وَ لُبْسِهِ وَ مِلْكِهِ وَ إِمْسَاكِهِ وَ التَّقَلُّبِ فِيهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْفَسَادِ، فَجَمِيعُ تَقَلُّبِهِ فِي ذَلِكَ حَرَام ...».[23] و نحوه. فإنّ الظاهر انصراف هذه الأخبار و كلمات الأصحاب عن مثل هذا الاستعمال. [24]
أدلّة القول الأوّل
الدلیل الأوّل: الروایات
فمنها: الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شُعْبَةَ[25] فِي تُحَفِ الْعُقُولِ عَنِ الصَّادِقِ(ع): «... إِنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ الصِّنَاعَةَ الَّتِي حَرَامٌ هِيَ كُلُّهَا الَّتِي يَجِيءُ مِنْهَا الْفَسَادُ مَحْضاً نَظِيرَ الْبَرَابِطِ[26] وَ الْمَزَامِيرِ[27] وَ الشِّطْرَنْجِ وَ كُلِّ مَلْهُوٍّ بِهِ وَ الصُّلْبَانِ[28] وَ الْأَصْنَامِ وَ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ صِنَاعَاتِ الْأَشْرِبَةِ الْحَرَامِ وَ مَا يَكُونُ مِنْهُ وَ فِيهِ الْفَسَاد مَحْضاً وَ لَا يَكُونُ فِيهِ وَ لَا مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ وُجُوهِ الصَّلَاحِ، فَحَرَامٌ تَعْلِيمُهُ وَ تَعَلُّمُهُ وَ الْعَمَلُ بِهِ وَ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهِ وَ جَمِيعُ التَّقَلُّبِ فِيهِ مِنْ جَمِيعِ وُجُوهِ الْحَرَكَاتِ كُلِّهَا ...».[29]
إستدلّ بها بعض الفقهاء. [30] [31]
أقول: الروایة ضعیفة سنداً و دلالةً، حیث قیّد بما فیه الفساد محضاً و لا یکون فیه و لا منه شيء من وجوه الصلاح و المشکوك حلال و الفساد المحض حرام قطعاً و البحث في غیر مقام الفساد المحض، فالروایة خارجة عن محلّ النزاع.
قال السیّد العامليّ (رحمه الله): «الضعف منجبر بشهرة العمل به في مقام آخر و إن لم تستند شهرة العمل إليه، كما حرّر في فنّه، بل قد ندّعي شهرة العمل به فيما نحن فيه». [32]
و منها: عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ[33] عَنْ أَبِيهِ[34] وَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى[35] عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ[36] وَ عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا[37] عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ[38] جَمِيعاً عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ[39] عَنْ خَالِدِ بْنِ جَرِيرٍ[40] عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الشَّامِيِّ[41] قَالَ(ع): قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(ص): «إِنَّ اللَّهَ (عزوجل) بَعَثَنِي رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ وَ لِأَمْحَقَ الْمَعَازِفَ وَ الْمَزَامِيرَ[42] ... ». [43]
إستدلّ بها بعض الفقهاء. [44]
أقول: قد سبقت هذه الروایة، فإنّها تقیّد بما فیه الفساد بأن کان محفوفاً بارتکاب المعاصي و الفساد المحض، کما في