44/05/10
بسم الله الرحمن الرحیم
موضوع: المکاسب المحرمة/ اللهو/ حکم اللهو
و قال المحقّق الخوئيّ (رحمه الله): «إنّما تدلّ على حرمة قسم خاصّ من اللهو؛ أعني الاشتغال بالملاهي و المعازف و استعمالها و لا نزاع في ذلك، بل حرمة هذا القسم من ضروريّات الدين، بحيث يعدّ منكرها خارجاً عن زمرة المسلمين و إنّما الكلام في حرمة اللهو على وجه الإطلاق و واضح أنّ هذه الأخبار لا تدلّ على ذلك». [1]
أقول: دلالتها و إن کانت تامّةً لکنّها خارجة عن محلّ البحث، یصیر غناءً محرّماً لهويّاً، نعم الغناء اللهويّ محرّم و القمار من اللهو و هو محرّم أیضاً. کلّ هذه صحیح و لکن لا یدلّ علی أنّ «کلّ لهو حرام».
القول الثاني: حرمة اللهو في الجملة؛ کما ذهب إلیه المشهور [2] [3] [4] [5] [6] [7]
أقول: هو الحق؛ للأدلّة الآتیة و الملاحظات السابقة علی القول الأوّل.
قال الشیخ النجفيّ (رحمه الله): «لم يثبت تحريمه على وجه الإطلاق بحيث يشمل المجرّد عن الآلات المعدّة لمثل ذلك» مع التصرّف. [8]
و قال ابن کاشف الغطاء (رحمه الله): «اللهو الذي من شأنه أن ينسي ذكر الله- تعالى- و عبادته و يلهي عن اكتساب الخير و الرزق حرام؛ سواء كان بآلة أو بدونها؛ كالرقص و بعض أنواع الصفق و اقتناء بعض الطيور للعب بها و صيد اللهو و هذا هو المفهوم من ذمّ اللهو و اللعب في الكتاب و السنّة و لأنّه لو وزن الحقّ و الباطل؛ لكان من الباطل».[9]
و قال النجفيّ التبریزيّ (رحمه الله): «إنّ اللهو الحرام لا يتحقّق إلّا بالمتعلّق الذي يكون من مصاديق الحرام». [10]
و قال بعض الفقهاء (رحمه الله): «منها مباحٌ بالضرورة؛ كاللعب بالسبحة و كالاشتغال بأمور الدنيا من المال و الأولاد ما لم يصدّا عن ذكر اللّٰه و ﴿وَ ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَهْوٌ وَ لَعِب﴾[11] ﴿لا تُلْهِكُمْ أمْوالكُم وَ لا أوْلٰادكُم عَنْ ذِكْرِ اللّٰه﴾[12] و منها حرامٌ بالضرورة؛ كالاشتغال بالتغنّي و الميسر و ضرب الأوتار ﴿وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّور﴾[13] ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوه﴾[14] . [15]
و قال بعض الفقهاء (رحمه الله): «لا شكّ أنّ مطلق اللهو ليس بحرام». [16]
و قال بعض الفقهاء (حفظه الله): «للهو في اللغة على ما ذكره أئمّة الفنّ له معنى وسيع قال الراغب: «اللهو ما يشغل الإنسان عمّا يعنيه و يهمّه».[17] و من الواضح بل البديهيّ عدم حرمة هذا المعنى و الإجماع قائم عليه و حتّى لو كان المراد ما يشغل الإنسان عن اللّه؛ فإنّ الحياة الدنيا كلّها لعب و لهو و زينة و تفاخر بينكم، كما قال اللّه (عروجل) من كتاب الكريم [18] و قال ابن فارس في مقاييس اللغة اللهو: «كلّما شغلك عن شيء فقد ألهاك».[19] و قال في لسان العرب: «اللهو ما لهوت به و لعبت به و شغلك»[20] «و اللهو هو اللعب»[21] و من الواضح أنّه لا يقول أحد بحرمة مطلق اللعب أو ما يشغل الإنسان. هذا مضافاً السيرة المستمرّة عليه؛ فإنّ كثيراً من أعمال الناس طول الليل و النهار يشغلهم عن ذكر اللّه و لا يخلو عنه إنسان غير أهل العصمة و الأوحدي من الناس. أضف إلى ذلك وجود بعض القرائن فيها أو في غيرها ممّا يدلّ على جواز المزاح في السفر و الحضر، بل الترغيب فيه إجمالاً و عملهم (علیهم السلام) بذلك الجملة معلومة مشهورة. فلا يمكن المساعدة على حرمة اللهو مطلقاً، بل لا بدّ من حمل المطلقات على أحد الأمرين المتقدّمين». [22]
أدلّة القول الثاني
الدلیل الأوّل: الروایات
فمنها: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْهَيْثَمِ الْعِجْلِيُّ[23] وَ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَطَّانُ[24] وَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ السِّنَانِيُّ[25] وَ الْحُسَيْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ هِشَامٍ الْمُكَتِّبُ[26] وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّائِغُ[27] وَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَرَّاقُ[28] (رضی الله عنه) عَنْهُمْ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا الْقَطَّانُ[29] ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبِيبٍ[30] قَالَ: حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ بُهْلُولٍ[31] ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ[32] عَنِ الْأَعْمَشِ[33] عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ‘: «... الْإِيمَانُ هُوَ أَدَاءُ الْفَرَائِضِ وَ اجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ ... وَ هِيَ الشِّرْكُ بِاللَّه ... . و الْمَلَاهِي الَّتِي تَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ- تَبَارَكَ وَ تَعَالَى- مَكْرُوهَةٌ[34] : كَالْغِنَاءِ وَ ضَرْبِ الْأَوْتَار...». [35]
إستدلّ بها بعض الفقهاء. [36] [37]
قال السیّد السبزواريّ (رحمه الله): «الظاهر الملازمة العرفيّة بين اللهو و بين الصدّ عن ذكر اللّه- تعالى- كما لا يخفى على من جرّب ذلك».[38]
و منها: [39] أَخْبَرَنَا ابْنُ الصَّلْتِ[40] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُقْدَةَ[41] قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَبُو الْحَسَنِ الْحُسَيْنِيُّ[42] قِرَاءَةً عَلَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى[43] ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ[44] ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُوسَى‘ عَنْ أَبِيهِ(ع) عَنْ جَدِّهِ(ع) عَنْ آبَائِه (علیهم السلام) عَنْ عَلِيٍّ(ع) قَالَ: «كُلُ مَا أَلْهَى عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، فَهُوَ مِنَ الْمَيْسِرِ». [45]
إستدلّ بها بعض الفقهاء. [46]
و منها: مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى[47] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ[48] عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ[49] رَفَعَهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(ص): «ارْكَبُوا وَ ارْمُوا وَ إِنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا» ثُمَّ قَالَ(ص): «كُلُّ لَهْوِ الْمُؤْمِنِ بَاطِلٌ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ فِي تَأْدِيبِهِ الْفَرَسَ وَ رَمْيِهِ عَنْ قَوْسِهِ وَ مُلَاعَبَتِهِ امْرَأَتَه». [50]
إستدلّ بها بعض الفقهاء. [51]
الدلیل الثاني: الإجماع
قال السیّد السبزواريّ (رحمه الله): «اللهو حرام إجماعاً في الجملة». [52]
الدلیل الثالث: الضرورة
قال المحقّق الخوئيّ (رحمه الله): «لا خلاف بين المسلمين قاطبةً في حرمة اللهو في الجملة، بل هي من ضروريّات الإسلام». [53]
کلام الشیخ الأنصاريّ في المقام
قال (رحمه الله): «إنّه إن أريد به مطلق اللعب، كما يظهر من الصحاح [54] و القاموس[55] ، فالظاهر أنّ القول بحرمته شاذّ مخالف للمشهور و السيرة؛ فإنّ اللعب هي الحركة لا لغرض عقلائيّ و لا خلاف ظاهراً في عدم حرمته على الإطلاق[56] . نعم لو خصّ اللهو بما يكون من بطر و فسّر بشدّة الفرح[57] ، كان الأقوى تحريمه و يدخل في ذلك الرقص و التصفيق و الضرب بالطست بدل الدفّ و كلّ ما يفيد فائدة آلات اللهو و لو جعل مطلق الحركات التي لا يتعلّق بها غرض عقلائيّ مع انبعاثها عن القوى الشهويّة، ففي حرمته تردّد». [58]
و قال المحقّق الشیرازيّ (رحمه الله) ذیل هذا الکلام[59] : «الأصل يقتضي جوازه مضافاً إلى ما مرّ من ظهور رواية علىّ بن جعفر في الجواز[60] مع الكراهة و أدلّة حرمة مطلق اللهو على تقدير تماميّتها دلالةً و سنداً لا تقتضي المنع لإجمال اللهو فيها المانع عن التمسّك بها في مورد الإجمال و لا يقتضي ذلك سقوط الاستدلال بما مرّ من رواية علىّ بن جعفر‘؛ فإنّ إجمال المخصّص المنفصل لا يقتضي إجمال العامّ». [61]