43/03/19
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الوقایة من الجرم/ المقدّمة/ أهمیّة الوقایة من الجرم
كان الکلام في علم الفقه، حول الوقایة من الجرم. دارسنا[1] الوقایة من الجرم في آيات القرآن الكريم. هل توجد في آيات القرآن موارد تبیّن الوقایة من الجرم أم یذکر فیها مجرّد مجازاة الجرائم و المعاصي؟ في القرآن الكريم البحث حول الوقایة من الجرم أكثر من مجازاة المجرم. مجازاة المجرمين هي لنفس الوقایة؛ إذا یقول: ﴿الزَّانِيةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾[2] فهذا لأجل أن لا يرتكب أحد جرم الزنا. إذا یقول: و﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيدِيهُمَا﴾[3] فهو لأجل أن لا یوجد سارق. لیست فلسفة العقوبات في القرآن هي أن ینتقم من المجرم؛ بل هي لصیانة الاجتماع من المعصیة؛ يقول الله: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[4] لیس الأمر الاقتصار علی قصاص القاتل فقط، بل الأمر یرجع أيضاً إلی أن تکون للاجتماع حياة و لم یقع قتل في الاجتماع. أحياناً يُجلّد الإنسان أمام الناس للوقایة من الجرم و تکون آيات عديدة في القرآن تدلّ على الوقایة من الجرم سنبیّن بعضها.
الاستدلال بآیة أخری
﴿يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيسَ عَلَيكُمْ وَلَا عَلَيهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾[5]
في هذه الآية الشریفة، يقول الله (تعالى) مخاطباً للذین يريدون أن يكونوا مؤمنین: إنّ من طرق وصول المؤمن إلی الإيمان أن يكون له التفات و تکون أعماله على النحو الصحیح، يجب أن يعيش بالحكمة و العلم و المعرفة. إنّ إحدی الطرق لامتلاك[6] العیش مع الحکمة هي المراقبة علی عدم دخول أطفالك و خدّامك إلى غرفتك الخاصّة في الأوقات الثلاثة المذکورة. لتکن للأزواج غرفهم الخاصّة. إذا أراد الأطفال و الخدم دخول الغرفة في هذه الأوقات الثلاث، فعليهم أن يطرقوا الباب و يطلبوا الإذن. ما أجمل الله (تعالی) ترسیم برنامج حياة الإنسان!
هذه الأوقات الثلاثة تشمل هذه الأوقات: 1- قبل صلاة الفجر. 2- ما بعد الظهر عند خلع ملابسك للاستراحة. 3- بعد صلاة العشاء عند ما ترید النوم. في هذه الأوقات الثلاثة، غرفة نومك عورتك و یجب أن یکون الزوج و الزوجة معاً، یستمتع بعضهما ببعض و یکونا في راحة و هدوء[7] . في غیر هذه الأوقات، فلا حرج في أن يكون الأطفال مع والديهم و توادّوا إلی أطفالکم.
أمر الله ألّا يأتي الأطفال إلى غرفة نوم الأزواج لأجل هدوئهم و استمتاعهم. يُفهم من الآية أنّ الرجل يحتاج إلى أن يكون مرتاحاً[8] و حميماً و صدیقاً و حنوناً[9] مع زوجته و أنّ الرجل و المرأة اللذين يعيشان مع أزواجهم حياةً حلوةً و مع الهدوء، عند ما يكونان حاضرين في الاجتماع، لا یفسدان فیه.
﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ هکذا یبیّن الله لکم آیاته و أوامره و کانت أوامره علی طبق حکمته و علمه. علم الله و حکمته یقتضیان أن أمرکم بهذا.
الإنسان یربّی من طفولیّته؛ لذلك یجب علی الوالدین أن یربّیا أولادهما منذ طفولیّتهم حتّی لا یصیروا وُقُحاً[10] في المستقبل و لن یکونوا أهل دَعارة[11] . یستفاد من هذه الآية: أنّه یجب کون غرف نوم الوالدين منفصلةً عن غرفة أطفالهم، إذا قام الوالدان بتربية أولادهما بشكل جيّد، فسيكون لدينا اجتماع سلیم، یکثر الفلاح في الاجتماع و يقلّ الفساد.
﴿لَمْ يبْلُغُوا الْحُلُمَ﴾ یعني تعليم الأطفال بشكل صحيح ما داموا صغاراً؛ إذا صلحت مدارسنا الابتدائيّة، فسیصلح بلدنا؛ لكن إذا لم يربّوا في المدرسة الابتدائيّة، فلا تمکنك تربیتهم في الجامعة و سوف يقفون أمامك. ما علّمه والداك عند ما كنت طفلاً بقي في ذهنك جيّداً. أتت بك والدتك إلی عزاء الإمام الحسین (علیهالسلام) و بکت و أنت تعلّمت و کان والدك یضرب علی صدره و أنت تعلّمت و صرت محبّاً لأهل البیت (علیهمالسلام). الإسلام دين كامل و شامل و له برنامج لجوانب مختلفة من حياة الإنسان. هذه البرامج في بعض الأحيان حول مسائل عامّة و أحياناً حول مسائل جزئیّة.
محوریّة الصلاة
النکتة الأخرى التي يمكن استنتاجها من هذه الآية هي أنّ علیك أن تربط مسائلك بالصلاة. الأوقات التي ذكرها الله في هذه الآية تتمحور حول الصلاة. يجب أن تعطى للصلاة و العبادات أهمّيّة؛ يجب إغلاق دوائرنا[12] حین إقامة الصلاة. في حكومة الجمهوريّة الإسلاميّة، ليس من المنطقيّ أن تكون الدوائر مشغولةً حین إقامة الصلاة. في الجمهوريّة الإسلاميّة، يجب تنظیم الأوقات بالصلاة. إذا كنت ترغب في العمل بعد الظهر، فلا بأس به؛ لكن لا تجرّوا الناس إلى الدوائر و المصارف[13] حین إقامة الصلاة. هذا مخالف لأمر الإسلام. برنامج الإسلام هو أن تعملوا برامجکم قبل صلاة الظهر ثمّ الاستراحة و الاستمتاع بالحياة؛ لیست الحياة لأجل أن تکونوا في تعب دائماً.
هذا برنامج الله للإنسان و الأسرة أن تمّ التخطيط[14] للحياة وفقاً للصلاة. هذا البرنامج بیّن مع التأکید ﴿لِيسْتَأْذِنْكُمُ﴾ اللام فيه للتأكيد؛ هذا يعني لا تجامل و لا تأذن الأطفال أن يدخلوا غرفة نومك. يحتاج الأطفال إلی أن یعلموا عدم جواز دخولهم في غرفة النوم عند الأوقات الخاصّة للأزواج.
السبب في أنّ تركيز[15] التخطيط في الاجتماع وجب أن يكون مع الصلاة، هو أنّ الصلاة لها آثار (مثل) ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾[16] ، «الصلاة معراج المؤمن» و «الصلاة قربان کلّ تقي» تجعلك تتواصل مع الله و لا ترتكب الجرم و المعصیة في الاجتماع.
تدلّ هذه الآيات علی وجوب الوقایة من الجرم، لا مجرّد مجازاة المجرم. يقول بعض: «ليس من وظائفنا اصطحاب[17] الناس إلى الجنّة» بينما من واجبنا أن أعددنا للناس سبيل الجنّة و نمهّد لها و نرشدهم إلى الجنّة. هذه هي الوظیفة التي حدّدها الله لنا. في المباحث الآتیة سنستدلّ بآیة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً﴾[18] .