43/03/18
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الوقایة من الجرم/ المقدّمة/ أهمیّة الوقایة من الجرم
خلاصة الجلسة السابقة: کان الکلام في علم الفقه و في أهميّة الوقایة من الجرم، حول آيات القرآن.
آیة أخری
﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يصْنَعُونَ﴾.[1]
إذا أردت أن تكون مؤمناً فإنّ من شروط الإيمان و خصائص المؤمن أن يغضّ بصره و يحافظ على طهارة حضنه[2] .هذا لأجل أن لا یتحقّق الفساد و الزنا في الاجتماع. إنّ الله الذي وضع حدّاً للزنا و اللواط، أمر قبله بالوقایة و حفظ العين و الحضن.
في الآية التالية يقول: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾[3] على المؤمنات أیضاً أن یغطّینّ أعینهنّ و یحفظن أحضانهنّ.
﴿وَلَا يبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾ تعني أن لا تظهر النساء زینتهنّ، و لا یعرّضن جمالهنّ للرؤیة حتّى التفت الناس إلیهن. عدم إظهار الزينة لأجل أن لا یتحقّق الجرم و الجنایة في الخارج.
﴿إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ إلاّ مقداراً مثل اليدين إلى المعصمين[4] ، بشرط ألّا تكون علیها زينة.
﴿وَلْيضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيوبِهِنَّ﴾ هنّ أيضاً يرتدین مقنعةً؛ مقنعةً تغطّي الرأس و الرقبة و صدرهنّ.
﴿وَلَا يبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ﴾ لا یظهرن زینتهنّ إلّا لبعولتهنّ و محارمهنّ و الذین بیّنوا في الآیة. إنّ الزينة جيّدة في الإسلام؛ لكن للزوج و المحرم لا للأجنبي.
أي: على النساء أن یحفظن أنفسهنّ من الرجال الأجانب، إلّا ممّن لا عقل لهم أو لا شهوة لهم و لا يوجد خطر الفساد فیهم.
﴿وَلَا يضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيعْلَمَ مَا يخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾ في الأزمنة الماضية كانت النساء یرتدین الخلخال حتّى لا تجلس الحشرات على أقدامهنّ، ثمّ صار الخلخال تدریجاً من وسائل الزینة للنساء. يقول الله (تعالى): لا تطأن[5] أرجلكنّ على الأرض حتّی طقّ[6] الخلخال و التفت الآخرون إلیه. صوت الخلخال یوجب التفات الرجال إلیکنّ.
﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ الناس لا یلتفتون إلی هذه الأوامر، إذا لم تلتفتوا و جنحتم[7] أحیاناً، فتوبوا و اعزموا ألّا یعودوا مرّةً أخری.
يقول القرآن الكريم هذه الأوامر لحفظ الاجتماع من الفساد. علی أساس هذه الآيات، النظرة مقدّمة للفساد؛ إذن لأجل الوقایة من الجرم أمر بعدم النظر.
قال الإمام الباقر (علیهالسلام) في شأن نزول الآية: إنّ المرأة التي لم يكن لها حجاب مناسب و ألقت وشاحها[8] خلف أذنه، كانت تمرّ بالمدينة و شابّ من الأنصار وقعت عیناه علیها. كان كلّ حواسّ الشابّ إلی المرأة بحيث لم يلتفت لما حوله، فإذا[9] اصطدم[10] وجهه بالعظم أو الزجاج على جدار منزل و نزف[11] دمه حتّی سال الدم على صدره و ثوبه. ذهب الشابّ لخدمة الرسول (صلّىاللهعليهوآله) و نزلت هذه الآية.
فالفساد في الاجتماع یوجب أن لا یبلغ الإنسان إلی الصلاح و الفلاح.
قال الإمام عليّ (علیهالسلام): «لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ أَوَّلُ نَظْرَةٍ فَلَا تُتْبِعُوهَا وَ احْذَرُوا الْفِتْنَة»[12] تجنّبوا النظر إلی النساء للمرحلة الأولى و لا تتّبعوه و احذروا الفتنة.
من وظائف المرأة و الرجل کلیهما غضّ أعينهم. يجب على المجتمع الإسلاميّ أيضاً أن يهيّئ الأرضيّة[13] لحفظ لرجال و النساء. هذه الآيات تدلّ على وجوب حسم[14] مجال الفساد و عدم السماح[15] بتحقيق الفساد في الخارج، لا أن نسمح وجود الفساد و الجرم ثمّ نبارز معه. لا يمكننا إجراء حدّ الزنا و اللواط، لكن هناك سُفور[16] في الاجتماع، بل يجب هدم تمهیدات هذه المعاصي حتّی تمکن المبارزة معها. للرجال رغبات و جاذبيّة و السفور يجرّهم إلی الفساد. من يريد أن یجري حدّ الزنا عليه أن يصلح الاجتماع أوّلاً، ثمّ إذا تخلّف أحد، قال له لماذا ارتكبت الفساد. بمعنى آخر، يجب تحقّق العقوبات بعد الوقایة.
آیة أخری
﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يكُونُوا فُقَرَاءَ يغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.[17]
«أَنْكِحُوا» صغیة أمر؛ أمر الله (تعالى) بالزواج من العزبات[18] . أمر الشارع الذي یدلّ علی الوجوب أو الاستحباب المؤکّد، هو لأجل تقلیل الفساد في الاجتماع.
«وَالصَّالِحِينَ» إذا أردتم أن تكونوا صالحین فطریقه أن تتزوّجوا.
﴿إِنْ يكُونُوا فُقَرَاءَ يغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ إن كنت فقيراً فالله يعينك.
خطاب الله مع الناس جميعاً أن تحيوا هذه السنّة للنبيّ (صلّىاللهعليهوآله). ورد في الروايات أنّ الذین یهیّئون أسباب العريس[19] و العروسة فهم في ظلّ العرش الإلهي. على الوالدين أن يهيّئوا تهمید زواج أولادهم في وقت مبكر[20] و یحفظوهم من الخطيئة. روی أنّه إذا بلغ الولد سنّ النكاح و لم یزوّجه والداه، فإنّهما يشاركانه في معاصیه.
في المسيحيّة، عدم الزواج ذو قيمة؛ لهذا لا يتزوّج الرهبان المسيحيّون؛ لكن في الإسلام الزواج ذو قیمة لحفظ الاجتماع من الخطيئة و الفساد. قال النبيّ الأکرم (صلّىاللهعليهوآله): «مَنْ تَزَوَّجَ أَحْرَزَ نِصْفَ دِينِهِ»[21] نصف الدین یحفظ بالزواج. ورد أیضاً في بعض الروايات أنّه یحفظ ثلثي دينه.
یقول الله (تعالی): ﴿وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيهَا وَجَعَلَ بَينَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يتَفَكَّرُونَ﴾.[22]
بناءاً علی هذا ف ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيامَى مِنْكُمْ﴾ ليس من وظائف شخص واحد؛ بل على جميع الناس، أن یهیّئوا وسائل زواج الشبّان. يجب أن تكون هناك حركة جهاديّة و ثوريّة في الاجتماع و يجب على جميع الناس العمل على تمهيد الطريق لزواج الشبّان. ليس من وظائف الوالدين فحسب، بل علی الشخص الذي ليس لديه أطفال أیضاً تمهید وسائل الزواج للشبّان. ليس معنى الآية أن توصّوا و تنصحوا للزواج؛ بل یجب أن یبدأ بالعمل و یفعل فعلاً؛ من خلال الشعار و الكلام، لا يتمّ إنجاز العمل[23] ؛ بل يجب على الجميع المساعدة في تحقّقه. لهذا عذّر أمير المؤمنین (علیهالسلام) مقداراً في البداية شابّاً كان يمارس الاستمناء ثمّ تهیّئ (علیهالسلام) وسائل زواجه و دفع مخارج زواجه.
وجود الجهاز ليس ضروریّاً؛ بل من المهمّ أن یكون الارتباط بين الفتی و الفتاة في الاجتماع بصورة المحرمیّة. كما في الماضي، فلیبدأ الإثنان بالعيش في منزل والديهما أوّلاً.