42/10/19
بسم الله الرحمن الرحیم
موضوع: المکاسب المحرمة/ الکذب/ التقیّة
الجواب الثاني
قال الإمام الخمینيّ (رحمة الله): «کلّها[1] مخدوشة من حيث السند و لا يمكن رفع اليد بسببها عن عمومات التقيّة و خصوص الأخبار المجوّزة للتبرّي، خصوصاً في هذا الحكم الذي يرجع إلى تجويز قتل النفوس، بل إيجابه، فالأقوى جواز التبرّي، بل وجوبه عند الدوران بينه و بين القتل؛ نعم قد يكون ذلك مستلزماً لتزلزل أركان المذهب و إضلال الشيعة، فلا يجوز». [2]
أقول: کلامه (رحمة الله) متین.
الجواب الثالث
قال بعض الفقهاء (حفظه الله): «مقتضى القاعدة الجواز و ذلك: أوّلاً لصراحة الطائفة الأولی في الجواز؛ فيؤخذ بالصريح و يحمل ظهور الطائفة الثانية في الحرمة على الكراهة. و ثانياً: لأنّ المرجع المحكّم عند تعارض النصوص الكتاب و قد دلّ قوله: ﴿إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ﴾ [3] على الجواز و لا سيّما بلحاظ النصوص المفسّرة كما في صحيح محمّد بن مروان قال: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (ع): «مَا مُنِعَ مِيثَمٌ (رحمة الله) مِنَ التَّقِيَّةِ، فَوَ اللَّهِ لَقَدْ عَلِمَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي عَمَّارٍ وَ أَصْحَابِهِ: ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمان﴾[4] »[5]
هذا مضافاً إلى تكذيب ما ورد من النهي عن التبرّي في معتبرة مسعدة بن صدقة أو موثّقته قال: « مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ[6] قَالَ: قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع): إِنَّ النَّاسَ يَرْوُونَ أَنَّ عَلِيّاً (ع) قَالَ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ سَتُدْعَوْنَ إِلَى سَبِّي، فَسُبُّونِي ثُمَّ تُدْعَوْنَ إِلَى الْبَرَاءَةِ مِنِّي، فَلَا تَبَرَّءُوا مِنِّي، فَقَالَ مَا أَكْثَرَ مَا يَكْذِبُ النَّاسُ عَلَى عَلِيٍّ (ع) ثُمَّ قَالَ (ع): إِنَّمَا قَالَ (ع): «إِنَّكُمْ سَتُدْعَوْنَ إِلَى سَبِّي، فَسُبُّونِي ثُمَّ سَتُدْعَوْنَ إِلَى الْبَرَاءَةِ مِنِّي وَ إِنِّي لَعَلَى دِينِ مُحَمَّدٍ (ص) وَ لَمْ يَقُلْ لَا تَبَرَّءُوا مِنِّي ...»[7] ». [8]
أقول: سندها تامّ و دلالتها تامّة یصحّ الاستدلال بها. و یؤیّدها حکم العقل و بناء العقلاء في أمثال ذلك یقدّم علی تلك الروایات الضعیفة السند المجعولة، حیث قال (ع): «ما أکثر ما یکذب الناس علی عليّ (ع)».
القول الثالث: جواز التقیّة إذا کان المتّقي شخصاً عادیّاً و تجب التقیّة أحیاناً و حرمة التقیّة إذا کان المتّقي علماً للناس و تقیّته تضرّ بالدین و أرکانه [9]
أقول: لا دلیل علی الجواز، بل تجب التقیّة للشخص العاديّ و حرمة التقیّة إذا کان المتّقي علماً للناس و تقیّته تضرّ بالدین و أرکانه.
الدلیلان علی القول الثالث
الدلیل الأوّل: الآیة
الآيات الدالّة على جواز التقيّة في مظانّها في تفسير قوله- تعالى: ﴿إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ﴾ [10] من فعل عمّار و ما روته العامّة و الخاصّة في هذا المجال من أنّ أبويه لم يظهرا كلمة الكفر، فقتلا و أنّ عمّار أظهر و نجى، ثمّ أتى رسول اللّه (ص) باكياً، فقال جمع من الصحابة: كفر عمّار و لكن جعل رسول اللّه (ص) يمسح عينيه و يقول له إن عادوا لك، فعد لهم بما قلت، [11] فنزلت الآية ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللّٰهِ مِنْ بَعْدِ إِيمٰانِهِ إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ﴾ [12] ». [13]
أقول: دلالتها واضحة و السند ضعیف.
الدلیل الثاني: الروایات
فمنها: ما روته العامّة و الخاصّة في كتبهم : «أَنَّ مُسَيْلَمَةَ الْكَذَّابَ أَخَذَ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ لِأَحَدِهِمَا مَا تَقُولُ فِي مُحَمَّدٍ (ص)؟ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: فَمَا تَقُولُ فِيَّ؟ قَالَ: أَنْتَ أَيْضاً، فَخَلَّاهُ وَ قَالَ: لِلْآخَرِ مَا تَقُولُ فِي مُحَمَّدٍ(ص)؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: فَمَا تَقُولُ فِيَّ؟ قَالَ: أَنَا أَصَمُّ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ ثَلَاثاً، فَأَعَادَ جَوَابَهُ الْأَوَّلَ، فَقَتَلَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ (ص) فَقَالَ أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ أَخَذَ بِرُخْصَةِ اللَّهِ وَ أَمَّا الثَّانِي فَقَدْ صَدَعَ بِالْحَقِ[14] ، فَهَنِيئاً لَه». [15]
أقول: تدلّ الروایة علی جواز التقیّة و لکنّ السند ضعیف.
قال بعض الفقهاء (حفظه الله): «في هذه الرواية و إن لم يكن ذكر عن البراءة عن الرسول (ص) و لكنّ الشهادة برسالة مسيلمة كانت من كلمة الكفر نفسه، فيدلّ على الجواز في غيره بطريق أولى، فتدبّر». [16]
و منها: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى[17] عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى[18] عَنْ زَكَرِيَّا الْمُؤْمِنِ[19] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَسَدٍ[20] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ[21] قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ[22] (ع) رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ أُخِذَا، فَقِيلَ لَهُمَا ابْرَأَا مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) فَبَرِئَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَ أَبَى الْآخَرُ، فَخُلِّيَ سَبِيلُ الَّذِي بَرِئَ وَ قُتِلَ الْآخَرُ، فَقَالَ (ع): «أَمَّا الَّذِي بَرِئَ، فَرَجُلٌ فَقِيهٌ فِي دِينِهِ وَ أَمَّا الَّذِي لَمْ يَبْرَأْ، فَرَجُلٌ تَعَجَّلَ إِلَى الْجَنَّةِ». [23]
أقول: قد سبق معنی الروایة، فراجع.