42/07/11
بسم الله الرحمن الرحیم
موضوع: المکاسب المحرمة/ الکذب/ التقیّة
التنبیه الثاني
قال بعض الفقهاء (حفظه الله): «إنّ كشف موارد الوجوب عن غيرها يعلم بمراجعة مذاق الشرع و أهمّيّة بعض المصالح و رجحانها على بعض في نظره، كما يمكن كشف بعضها بمراجعة العقل أيضاً؛ كما في موارد حفظ النفوس إذا كانت التقيّة بمثل ترك المسح على الرجلين و الاكتفاء بالمسح على الخفّين (مثلاً) و أشباهه. فالروايات الدالّة على أنّ التقيّة من الدين و أنّ تاركها يعاقب عليه و إن تركها مثل ترك الصلاة. و أمثال هذه التعبيرات ناظرة إلى موارد الوجوب و المصالح المهمّة التي لا يمكن تركها و الإغماض عنها». [1]
أقول: کلامه (حفظه الله) متین.
القسم الثاني[2] : التقیّه المباحة
قال الشهید الأوّل (رحمة الله):«المباحة التقيّة في بعض المباحات التي ترجّحها العامّة (و لا يحصل بتركها) ضرر».[3] [4]
أقول: و لا یحصل بالتقیّة فعل المحرّمات أو ترك الواجبات.
الإشکال في کلام الشهید الأوّل
قال بعض الفقهاء (حفظه الله): «تخصيصه التقيّة المباحة بالمباحات التي ترجّحها العامّة، فيرد عليه أنّ فعل ذلك المباح لو كان مرجّحاً عند العامّة، تدخل التقيّة حينئذٍ في التقيّة المداراتيّة؛ حيث يجلب بموافقتهم في ذلك مودّتهم و محبّتهم. فتدخل في عمومات الأمر بالتقيّة المداراتيّة؛ كقوله (ع): «رحم اللّه امرأ اجترّ مودّة الناس إلينا بالتقيّة ...». [5] [6]
و قال الشیخ الأنصاريّ (رحمة الله): «ما كان التحرّز عن الضرر و فعله مساوياً في نظر الشارع؛ كالتقيّة في إظهار كلمة الكفر، على ما ذكره جمع من الأصحاب». [7]
أقول: یمکن المناقشة في المثال.
کلام الشیخ المامقانيّ ذیل کلام الشیخ الأنصاري
قال (رحمة الله): «لا تخلو العبارة من حزازة[8] و إن كان المقصود واضحاً؛ فإنّ ضمير فعله يرجع إلى الضرر و لا معنى لفعل الضرر و قد كان الأولى أن يقول ما كان التحرّز عن الضرر و فعل المضرّ و ارتكابه متساويين في نظر الشارع». [9]
الدلیلان علی القسم الثاني
الدلیل الأوّل: الأیة
قوله- تعالی: ﴿لاَ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَ يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَ إِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾.[10]
أقول: ملاك هذه الآیة الشریفة لجواز التقیّة هو الخوف. و لا فرق في الخوف بین الخوف عن الکافر و غیره؛ لأنّ جواز التقیّة جعل لحفظ المسلم؛ فمع وجود الخوف في أيّ مورد- و لو في غیر الأمور الدینیّة- تجوز التقیّة و إن کان من العامّة.
هذه الآیة تشمل الاضطرار؛ لأنّه لم یجئ فیها لفظ الإکراه. و لا یلزم تحقّق مرتبة الأعلی للخوف؛ لأنّ الله- تعالی یقول: ﴿أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾.[11]
الدلیل الثاني: الروایة
مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى[12] عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى[13] عَنْ زَكَرِيَّا الْمُؤْمِنِ[14] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَسَدٍ[15] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ[16] قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ[17] (ع) رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ أُخِذَا فَقِيلَ لَهُمَا ابْرَأَا مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) فَبَرِئَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَ أَبَى الْآخَرُ، فَخُلِّيَ سَبِيلُ الَّذِي بَرِئَ وَ قُتِلَ الْآخَرُ، فَقَالَ (ع): «أَمَّا الَّذِي بَرِئَ فَرَجُلٌ فَقِيهٌ فِي دِينِهِ وَ أَمَّا الَّذِي لَمْ يَبْرَأْ فَرَجُلٌ تَعَجَّلَ إِلَى الْجَنَّةِ». [18]
إستدلّ بها الشیخ الأنصاريّ (رحمة الله). [19]
أقول: فتدلّ علی جواز التقیّة؛ لکن السند ضعیف.
قال الشهیديّ التبریزیّ (رحمة الله): «حيث إنّه (ع) أمضى فعل كليهما، فيدلّ على جواز كليهما في نظره هذا و لا يخفى أنّ مورده البراءة عنه لا سبّه (ع) و الأخبار المشتملة على السبّ قد أمر في جميعها بسبّه (ع) لأجل التقيّة و أمّا البراءة عنه (ع) فالأخبار فيها مختلفة، ففي بعضها لم يجوّزها لأجل التقيّة و في بعضها أمر بمدّ الرقاب يعني تحمّل القتل و بعضها يدلّ على وجوب التقيّة فيها و بعضها يدلّ على جواز كلا الأمرين من التقيّة بالبراءة و تركها بعدمها و رجحان الأوّل من الثاني و به يجمع بين الأخبار بحمل الأوّل على جواز تحمّل القتل و ترك التقيّة مع أنّ الأمر بمدّ الرقاب فيه من جهة وروده مورد توهّم الحظر لا يدلّ على أزيد من الجواز و حمل الثاني على شدّة الاستحباب، فعلى هذا يكون إظهار البراءة عن الأمير(ع) عند التقيّة مثالاً للتقيّة المستحبّة و ممّا ذكر يظهر الوجه في تقييد بعضهم كون التقيّة بإظهار كلمة الكفر مكروهاً بكونه ممّن يقتدي به الناس».[20]