42/07/10
بسم الله الرحمن الرحیم
موضوع: المکاسب المحرمة/ الکذب/ التقیّة
الدلیل الثامن: الاضطرار و الاستکراه
قال المیرزا هاشم الآمليّ (رحمة الله): «الثالث من الأدلّة على التقيّة فقرة رفع ما اضطرّوا إليه و فقرة رفع ما استكرهوا عليه من حديث الرفع [1] و لا شبهة و لا ريب بأنّ الاضطرار يوجب رفع الحكم الفعلي؛ سواء كان المراد بالرفع هو رفع جميع الآثار أو رفع خصوص المؤاخذة؛ فإنّه على أىّ تقدير كان يرفع الحكم بواسطة الاضطرار، فمثل إعانة حاكم الجور و إن كان حراماً و لكن إذا اضطرّ إليه ترفع الحرمة. و يدلّ عليه روايات أخرى مثل قوله (ع): «التَّقِيَّةُ فِي كُلِ شَيْءٍ وَ كُلُّ شَيْءٍ اضْطُرَّ إِلَيْهِ ابْنُ آدَمَ فَقَدْ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ». [2] و هو أيضاً يكون في المال و النفس و العرض». [3]
أقول: کلامه (رحمة الله) متین.
الدلیل التاسع: قاعدة لا حرج
قال المیرزا هاشم الآمليّ (رحمة الله): «اللاحرج فهو يكون بالنسبة إلى الشخصيّ و إلّا فالحرج النوعيّ لا يرفع حكماً للشخص و هو في المال و النفس و العرض و الناموس يختلف أيضاً حسب اختلاف الموارد، فربّ حرج في المال أو غيره يجب تحمّله؛ لأهمّيّة ما يقابله و ربما لا يجب تحمّله و الضابط أنّ هذا الدليل أيضاً حاكم على سائر الأدلّة إلّا إذا شكّ في الحكومة و النظر من جهة حكم العقل بالأهمّيّة في المورد الذي يوجب الشكّ في النظر و الشكّ فيه مساوق لعدمه؛ كالشكّ في الحجّيّة المساوق للقطع بعدمها». [4]
أقول: کلامه (رحمة الله) متین.
تنبیهان
التنبیه الأوّل: التقیّة تبیح کلّ محظور و کلّ شيء أم لا؟
قال السیّد المرتضی (رحمة الله): «قد تظاهرت الروايات عن أئمّتنا (علیهم السلام) بأنّه لا تقيّة في الدماء و إن كانت مبيحةً لما عداها عند الخوف على النفس». [5]
أقول: لا بدّ من التفصیل، کما سبق.
و قال الشهید الأوّل (رحمة الله): «التقيّة تبيح كلّ شيء حتّى إظهار كلمة الكفر و لو تركها حينئذٍ أثم إلّا في هذا المقام و مقام التبرّي من أهل البيت (علیهم السلام) فإنّه لا يأثم بتركها، بل صبره حينئذٍ إمّا مباح أو مستحبّ و خصوصاً إذا كان ممّن يقتدى به». [6] [7]
و قال الشیخ الأنصاريّ (رحمة الله): «الواجب منها يبيح كلّ محظور من فعل الحرام و ترك الواجب». [8]
أدلّة هذا الحکم (أدلّة إباحة کلّ محظور في التقیّة الواجبة)
الدلیل الأوّل: أدلّة نفي الضرر
قال الشیخ الأنصاريّ (رحمة الله): «الأصل في ذلك أدلّة نفي الضرر». [9]
الإشکال في الدلیل الأوّل
قد حقّقنا في محلّه أنّ أدلّته أجنبيّة عن الدلالة على رفع الأحكام الضرريّة و قلنا إنّ مفادها ليس إلّا تحريم الإضرار. [10]
أقول: التفصیل في محلّه في الأصول.
الدلیل الثاني: حدیث الرفع
قال الشیخ الأنصاريّ (رحمة الله): «الأصل في ذلك الحديث: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي تِسْعَةُ ... مَا اضْطُرُّوا إِلَيْهِ ... » [11] . [12]
و قال الشیخ المامقانيّ (رحمة الله): «روى أحمد بن محمّد بن عيسى[13] في محكيّ نوادره عن إسماعيل الجعفيّ[14] عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ (ع): «وُضِعَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ سِتٌّ الْخَطَأُ وَ النِّسْيَانُ وَ مَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ وَ مَا لَا يَعْلَمُونَ وَ مَا لَا يُطِيقُونَ وَ مَا اضْطُرُّوا إِلَيْه» [15] و الْعَيَّاشِيُّ[16] فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَرْوَانَ الْخَرَّازِ[17] قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): «رُفِعَتْ عَنْ أُمَّتِي أَرْبَعُ خِصَالٍ مَا اضْطُرُّوا إِلَيْهِ وَ مَا نَسُوا وَ مَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ وَ مَا لَمْ يُطِيقُوا وَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ قَوْلُهُ: ﴿رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ﴾[18] وَ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ﴾[19] [20] ».[21]
أقول: تدلّ الروایة علی جواز التقیّة في هذه الموارد.
الدلیل الثالث: عمومات التقیّة
قال الشیخ الأنصاريّ (رحمة الله): «[تدلّ علیه][22] عمومات التقيّة؛ مثل قوله في الخبر: «... إِنَّ التَّقِيَّةَ وَاسِعَةٌ وَ لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ التَّقِيَّةِ إِلَّا وَ صَاحِبُهَا مَأْجُورٌ عَلَيْهَا- إِنْ شَاءَ اللَّهُ». [23] و غير ذلك من الأخبار المتفرّقة في خصوص الموارد».[24]
أقول: حیث تدلّ علی جواز التقیّة في الجملة، بل رجحانها.
الإشکال في الدلیل الثالث
هذه الفقرة لا دلالة لها على أزيد من الاستحباب، كما لا يخفى. و كيف كان لا إشكال في دلالتها على رفع الحظر عمّا فيه الحظر لو لا التقيّة؛ لعدم إمكان الاستحباب مع البقاء على الحظر. [25]
قال الشیخ المامقانيّ (رحمة الله):«[مضافاً][26] إلى طائفتين أخريين من الأخبار. الأولى: ما نطق من الأخبار المستفيضة بأنّه ما من شيء حرّمه اللّه إلّا و قد أحلّه اللّه لمن اضطرّ إليه. الثانية: ما نطق من الأخبار بجواز الحلف تقيّةً و عدم ترتّب أثر عليه بضميمة عدم القول بالفصل بين الحلف و غيره؛ مثل الصحيح الذي رواه الكليني (رحمة الله) : مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى[27] عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ[28] عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ[29] عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ[30] عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ[31] قَالَ: وَ اللَّهِ لَقَدْ قَالَ لِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ‘: إِنَّ اللَّهَ عَلَّمَ نَبِيَّهُ التَّنْزِيلَ وَ التَّأْوِيلَ، فَعَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ (ص) عَلِيّاً (ع) قَالَ: وَ عَلَّمَنَا وَ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ (ع): «مَا صَنَعْتُمْ مِنْ شَيْءٍ أَوْ حَلَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ يَمِينٍ فِي تَقِيَّةٍ فَأَنْتُمْ مِنْهُ فِي سَعَةٍ ...». [32] و ممّا هو حاوٍ لمضمون الطائفتين جميعاً ما رواه أحمد بن محمّد بن عيسى[33] في نوادره عَنْ سَمَاعَةَ[34] قَالَ: قَالَ (ع): «إِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ بِاللَّهِ تَقِيَّةً، لَمْ يَضُرَّهُ وَ بِالطَّلَاقِ وَ الْعَتَاقِ أَيْضاً لَا يَضُرُّهُ إِذَا هُوَ أُكْرِهَ وَ اضْطُرَّ إِلَيْهِ» وَ قَالَ (ع): «لَيْسَ شَيْءٌ مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا وَ قَدْ أَحَلَّهُ لِمَنِ اضْطُرَّ إِلَيْه». [35] ». [36]
أقول: حیث تدلّ علی جواز التقیّة في هذه الموارد.
نکتة
قال الشیخ الأنصاريّ (رحمة الله): «جميع هذه الأدلّة حاكمة على أدلّة الواجبات و المحرّمات، فلا يعارض بها شيء منها حتّى يلتمس بالترجيح و يرجع إلى الأصول بعد فقده». [37]
أقول: کلامه (رحمة الله) متین.
توضیح کلام الشیخ الأنصاري
قال الشیخ المامقانيّ (رحمة الله): «الوجه في الحكومة ظاهر؛ ضرورة أنّ الحكومة أن يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظيّ متعرّضاً لحال الآخر و رافعاً لحكمه عن بعض أفراد موضوعه و أدلّة التقيّة کذلك؛ فإنّها ترفع الأحكام الشرعيّة في مورد الخوف من المخالفين للحق». [38]
أقول: کلامه (رحمة الله) متین.
و قال المحقّق الخوئيّ (رحمة الله): «إنّ الظاهر من ذلك [39] أنّه إذا توقّف حفظ النفس على ارتكاب أيّ محرّم، فإنّه يصبح مباحاً، مقدّمةً لصيانة النفس المحترمة عن التلف، إلّا أنّ التقيّة إذا اقتضت إراقة دم محترم لحفظ دم آخر، فإنّها لا تشرع حینئذٍ». [40]
أقول: کلامه (رحمة الله) متین.