بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

42/05/27

بسم الله الرحمن الرحیم

 

 

موضوع: المکاسب المحرمة/ الکذب/ مسوّغات الکذب

المبحث الأوّل: في المراد من التقیّة

التقیّة لغةً

قال الشیخ الأنصاريّ (رحمة الله): «التقيّة اسم ل‌ (اتّقى يتّقي) و التاء بدل عن الواو؛ كما في التهمة». [1]

أقول: الظاهر من کلمات اللغویّین أنّ التقیّة مصدر و الإسم التقوی کما في القاموس المحیط. [2]

و قال المحقّق الخوئيّ (رحمة الله): «إنّ التقيّة مصدر تقی يتّقي و الإسم التقوى و هي مأخوذة من الوقاية و تائها بدل من الواو بمعنى الصيانة و التحفّظ عن الضرر و منه المتّقون؛ لأنّهم صانوا أنفسهم عن سخط اللّٰه- سبحانه- و عقابه و قد تجي‌ء بمعنى الخوف؛ كما إذا أسند إلى اللّٰه- سبحانه- كما في قوله- تعالى: ﴿... وَ اتَّقُوا اللّٰهَ ...﴾[3] عمّا يخاف ضرره و لو في الأمور التكوينيّة كما إذا اتّقى من الداء بشرب الدواء و أخرى تستعمل و يراد منها المعنى الخاصّ و هو التقيّة المصطلح عليها؛ أعني التقيّة من العامّة». [4]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

و قال بعض الفقهاء (حفظه الله): «الظاهر أنّ التقيّة لغةً مصدر من اتّقى يتّقي لا أنّها اسم مصدر. قال المحقّق الفيروزآباديّ (رحمة الله): «إتّقيت الشي‌ء و تقيّته و اتّقيه، تقى و تقيّةً و تقاءً؛ ككساء حذّرته و الإسم التقوى قلبوه للفرق بين الإسم و الصفة» [5] و ظاهره إنّ اتّقى و تقى بمعنى واحد و المصدر منه هو التقيّة و التقى و التقاء و اسم المصدر هو التقوى و الأمر فيه سهل». [6]

أقول: کلامه (حفظه الله) متین.

و قال بعض الفقهاء (رحمة الله): «التقيّة اسم مصدر ل‌ «اتّقى يتّقي» و أصل اتّقى اوتقى، فقلبت الواو ياءً للكسرة قبلها، ثمّ أبدلت تاءً و أدغمت و قد تكرّر ذكر الإتّقاء في الحديث و منه حديث عليّ (ع): «كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ‌ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ‌ اللَّه‌» [7] أي جعلناه وقايةً لنا من العدو». [8]

أقول: کلامه (رحمة الله) خلاف ما في القاموس و لا دلیل علیه و الأمر سهل.

التقیّة إصطلاحاً

عرّفها الشيخ المفيد (رحمة الله) بقوله: «التقيّة كتمان الحقّ و ستر الاعتقاد فيه و مكاتمة المخالفين و ترك مظاهرتهم بما يعقب ضرراً في الدين أو الدنيا. و فرض ذلك إذا علم بالضرورة أو قويّ في الظن، فمتى لم يعلم ضرراً بإظهار الحقّ و لا قويّ في الظنّ ذلك، لم يجب فرض التقيّة». [9]

و قال الشهید الأوّل (رحمة الله): «التقيّة مجاملة[10] الناس بما يعرفون و ترك ما ينكرون؛ حذراً من غوائلهم[11] ». [12]

و قال الشیخ الأنصاريّ (رحمة الله): «التحفّظ عن ضرر الغير بموافقته في قول أو فعل مخالف للحق».[13]

أقول: یناسب إضافة قیود للتحفّظ عن الضرر لنفسه في الأموال و الأعراض و النفوس أو لغیره؛ مثل: التحفّظ عن الضرر بالإسلام أو المسلمین و یکفي الخوف عن الضرر.

توضیح حول تعریف الشیخ الأنصاري

قال الشیخ المامقانيّ (رحمة الله): «إحترز بالقول و الفعل عن الاعتقاد و الوجه في الاحتراز واضح؛ ضرورة عدم اطّلاع من يتّقى منه على ما في القلب حتّى يتّقى منه فيه و احترز بقيد التحفّظ عن ضرر الغير عن الموافقة لغرض آخر؛ ضرورة عدم كون مطلق الموافقة تقيّةً، بل الموافقة للخوف على النفس أو العرض أو المال. و لذا قيّدها به جمع، فقالوا ما يرجع إلى أنّ التقيّة هي مخالفة الحقّ قولاً أو فعلاً لا اعتقاداً عند الخوف على النفس أو البضع أو المال أو القريب بالنسب أو بعض المؤمنين». [14]

أقول: یناسب إضافة قید أو الخوف عن الضرر علی الإسلام أو المسلمین، سواء کان قریباً أو لا؛ إذ لا خصوصیّة لبعض المؤمنین.

 

أقسام التقیّة

القسم الأوّل: التقیّة الاضطراریّه (الخوفیّة، الإکراهیّة)

قال الإمام الخمینيّ (رحمة الله): «إنّ التقيّة قد تشتمل على الخوف و على [هذا] قد يكون الخوف عن الضرر على نفسه أو من يتعلّق به و قد يكون عن الضرر على غيره من المسلمين و قد يكون عن الضرر على الإسلام». [15]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

و قال بعض الفقهاء (حفظه الله): «ما يكون الغرض منها حفظ النفوس و الأعراض و الدين». [16]

أقول: کلامه (حفظه الله) متین. و یناسب إضافة قید الأموال و الخوف عن الضرر علی الإسلام أو المسلمین.

و قال (حفظه الله): «ما يقابل الإشاعة و إذاعة السرّ و إنّه حكم سياسيّ شرّع لحفظ المذهب هو في الحقيقة راجع الى [هذا] القسم و هو التقيّة في موارد الخوف؛ فإنّ إطلاق السرّ ليس إلّا في الموارد التي يكون في إظهار الحقّ أو بعض العقائد الدينيّة ضرراً و خوفاً على النفس أو العرض أو الدين نفسه و إلّا ما لا يكون فيه ضرراً لا يكون سرّاً و لا يدخل تحت عنوان كتمان السرّ و إذاعته و على هذا يؤول هذا القسم إلى القسم الخوفي. يشهد لما ذكر غير واحد من روايات ذاك الباب بعينه:

[فمنها]: (وَ بِالْإِسْنَادِ[17] عَنْ يُونُسَ[18] ) يُونُسُ بْنُ يَعْقُوبَ[19] عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: «مَا قَتَلَنَا مَنْ‌ أَذَاعَ‌ حَدِيثَنَا قَتْلَ خَطَإٍ وَ لَكِنْ قَتَلَنَا قَتْلَ عَمْدٍ». [20]


[1] .رسائل فقهية، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج1، ص71.
[2] .القاموس المحيط، الفيروز آبادي، مجد الدين، ج4، ص401.
[3] بقره/سوره2، آیه18.
[4] .التنقيح في شرح العروة الوثقى، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج4، ص253.
[5] .القاموس المحيط، الفيروز آبادي، مجد الدين، ج4، ص401.
[6] .القواعد الفقهية، مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر، ج1، ص386.
[7] .بحار الأنوار - ط دارالاحیاء التراث، العلامة المجلسي، ج16، ص117.. (هذه الروایة مرفوعة و ضعیفة)
[8] .سلسلة المسائل الفقهية، السبحاني، الشيخ جعفر، ج23، ص11.
[9] .تصحيح اعتقادات الإمامية، الشيخ المفيد، ج1، ص137.
[10] أي: مداراة، ملاینة، ملاطفة.
[11] أي: هزائزهم، مکارههم (سختی‌هایشان).
[12] .القواعد و الفوائد‌- ط دفتر تبلیغات اسلامی‌، الشهيد الأول، ج2، ص155.
[13] .رسائل فقهية، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج1، ص71.
[14] . حاشیة علی رسالة فی التقیة، .
[15] .كتاب الطهارة( امام خمينى)، الخميني، السيد روح الله، ج1، ص530.
[16] .القواعد الفقهية، مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر، ج1، ص491.
[17] عن عليّ بن إبراهیم بن هاشم القمّيّ [إماميّ ثقة] عن محمّد بن عیسی [بن عبید: إماميّ ثقة].
[18] یونس بن عبد الرحمن: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع.
[19] البجلي: إماميّ ثقة.
[20] .الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج2، ص370.. (هذه الروایة مرسلة و ضعیفة)