42/05/21
بسم الله الرحمن الرحیم
موضوع: المکاسب المحرمة/ الکذب/ مسوّغات الکذب
و منها: عَنْهُ[1] عَنْ أَبِيهِ[2] عَنْ صَفْوَانَ[3] عَنْ أَبِي مَخْلَدٍ السَّرَّاجِ[4] عَنْ عِيسَى بْنِ حَسَّانَ[5] قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) يَقُولُ: «كُلُّ كَذِبٍ مَسْئُولٌ عَنْهُ صَاحِبُهُ يَوْماً إِلَّا كَذِباً فِي ثَلَاثَةٍ رَجُلٌ كَائِدٌ فِي حَرْبِهِ فَهُوَ مَوْضُوعٌ عَنْهُ أَوْ رَجُلٌ أَصْلَحَ بَيْنَ اثْنَيْنِ يَلْقَى هَذَا بِغَيْرِ مَا يَلْقَى بِهِ هَذَا يُرِيدُ بِذَلِكَ الْإِصْلَاحَ مَا بَيْنَهُمَا أَوْ رَجُلٌ وَعَدَ أَهْلَهُ شَيْئاً وَ هُوَ لَا يُرِيدُ أَنْ يُتِمَّ لَهُمْ». [6]
إستدلّ بها بعض الفقهاء. [7]
أقول: حیث تدلّ علی جواز وعد الکذب للأهل و الأهل یشمل الزوجة و الأولاد، فتکون أعمّ من الروایة الأولی، إلّا أنّ السند أیضاً ضعیف. و لا یخفی أنّ الوعد قد یکون إنشاءً، لا إخباراً حتّی یکون کذباً أو صدقاً، لکن إنشاء یلازم الإخبار؛ فإنّ الوعد قد یرید العمل به أو لا یرید و الوعد لازمه أنّه یرید العمل به، فإذا لا یرید العمل به، فیکون اللازم کذباً. و الوعد قد یکون إخباراً بالمطابقة؛ مثل: الوعد بالمسافرة في الغد و أمثاله، فإنّ الإخبار قد یکون عن الماضي أو الحال أو الاستقبال.
و منها: بِإِسْنَادِهِ[8] عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (ع) عَنْ أَبِيهِ (ع) عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (ع) عَنْ أَبِيهِ (ع) عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (ع) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): «لَا يَصْلُحُ الْكَذِبُ إِلَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ كَذِبِ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ وَ كَذِبِ الرَّجُلِ يَمْشِي بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمَا وَ كَذِبِ الْإِمَامِ عَدُوَّهُ فَإِنَّ [فإنّما] الْحَرْبُ خُدْعَةٌ».[9]
أقول: الروایة ضعیفة السند، لکن تدلّ علی جواز کذب الرجل لامرأته و لو لم یکن وعداً، بل إخباراً کذباً.
قال بعض الفقهاء (حفظه الله): «لو تمّ سند هذه الروايات، تكون مخصّصةً بحرمة الكذب و إلّا فلا». [10]
أقول: کلامه (حفظه الله) متین.
الإشکال في القول الأوّل
قال الإمام الخمینيّ (رحمة الله): «إنّ القول بجواز الكذب في الوعد مع الأهل- كما ورد في الروايات- مشكل؛ لضعفها و إجمال المراد منها؛ فإنّ الظاهر من استثناء عدة الأهل من الكذب أنّ المراد بها الإخبار عن خلاف الواقع و الظاهر من عنوان العدة أنّها إنشاء». [11]
أقول: إنّ الوعد قد یکون إنشاءً یلازم الإخبار غالباً؛ إذ قد یرید العمل به و قد لا یرید العمل به و قد یکون الوعد إخبار بالمطابقة؛ مثل قولك للأهل: نبیع لك کذا و کذا؛ فإنّ الإخبار قد یکون عن الماضي أو الحال أو الاستقبال و الکذب یأتي في الوعد الإخباريّ و الإنشائيّ الملازم للإخبار. و حلّ المشکلة إضافة قوله- تعالی: إن شاء الله بقصد التعلیق و الحقّ عدم جواز الکذب حتّی بالنسبة إلی الأهل، إلّا إذا صدق دفع الضرر أو الإصلاح أو لدفع المفسدة و أمثالها، مع أنّ الوعد کذباً یوجب انحراف الأسرة و الأهل بالعادة علی الکذب؛ لأنّهم ینظرون إلی أولیائهم في المحاسن و المفاسد و الأقوال و الأعمال غالباً، قال الله- تعالی: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجَارَةُ﴾.[12]
أقول: إنّه من قَبِلَ الحکم بجواز الکذب مع الزوجة و الأهل، فهو للزوجة فقط و لیس للأولاد؛ لأنّ في الروایة الأولی و الثالثة إشارة إلی زوجتك و امرأتك و في الروایة الثانیة إشارة إلی «أهله». إن کان للروایة الثانیة إطلاق فقیّدت بروایات أبواب أحکام الأولاد في کتاب النکاح. و فیه: عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ[13] عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ[14] عَنْ كُلَيْبٍ الصَّيْدَاوِيِّ[15] قَالَ قَالَ لِي أَبُو الْحَسَنِ[16] (ع): «إِذَا وَعَدْتُمُ الصِّبْيَانَ فَفُوا لَهُمْ فَإِنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّكُمُ الَّذِينَ تَرْزُقُونَهُمْ إِنَّ اللَّهَ (عزوجل) لَيْسَ يَغْضَبُ لِشَيْءٍ كَغَضَبِهِ لِلنِّسَاءِ وَ الصِّبْيَانِ».[17] المراد من الصبیان الأولاد. هذه الروایات تدلّ علی وجوب الوفاء بالوعد للأطفال و لا أقلّ من استحباب مؤکّد. و في الروایة الصیداويّ إشارة إلی وجوب الوفاء بالوعد للنساء أو الاستحباب المؤکّد. و لمّا کان هذه الروایة معتبرةً، فهي مقدّمة علی الروایات المذکورة في خلف الوعد.
الدلیل الثاني: الإجماع [18]
القول الثاني: عدم الجواز. [19] [20]
أقول: هو الحق.
قال الإمام الخمینيّ (رحمة الله): «الأحوط لو لم يكن الأقوى عدم جوازه إلّا مع إكراه أو اضطرار، كما قد يتّفق و يمكن حمل الروايات على مورد الاضطرار».[21]
القول الثالث: الأحوط- لزوماً- الاجتناب عن وعد أهله بشيء و هو لا يريد أن يفي به. [22] [23] [24]
أقول: حیث لا دلیل علی الاستثناء، لضعف الروایات؛ فلا بدّ من الفتوی بعدم الجواز.
القول الرابع: جواز الکذب في الوعد إذا لم یکن حال الوعد بانیاً علی الخلف. [25]
أقول: إذا کان حال الوعد بانیاً علی العمل به، فلا یتحقّق الکذب و خلف الوعد حرام، کما في الروایات الکثیرة.
قال بعض الفقهاء (رحمة الله): «أمّا الكذب في الوعد- بأن يخلف في وعده- فالظاهر جوازه على كراهة شديدة؛
نعم، لو كان حال الوعد بانياً على الخلف فيحرم إذا انطبق عليه عنوان الكذب و لا فرق في ذلك بين وعد أهله
بشيء و هو لا يريد أن يفي به و غيره». [26]
أقول: لا دلیل علی الکراهة الشدیدة، بل خلف الوعد محرّم، کما في الروایات الکثیرة المعتبرة.
القول الخامس: الجواز في الجملة، لا بالجملة. [27]
أقول: لا دلیل علیه إلّا إذا انطبق علیه العناوین المجوّزة؛ مثل: دفع الضرر أو الإصلاح أو الاضطرار و أمثالها.
قال الإمام الخامنئيّ (حفظه الله): «لیس المراد من جواز وعد الکاذب للزوجة و الأولاد إدارة الأسرة بالکذب؛ بل المراد جواز وعد الکاذب من قبل الزوج للممانعة من حصول المرارة في الأسرة في المسائل[28] التي لم یمکن للزوج إجابتها». [29]
أقول: لعلّ المراد انطباق أحد العناوین المجوّزة للکذب.