بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

42/05/07

بسم الله الرحمن الرحیم

 

 

موضوع: المکاسب المحرمة/ الکذب/ مسوّغات الکذب

و منها: قوله- تعالی: ﴿لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً﴾.[1]

و منها: قوله- تعالی: ﴿وَ لاَ تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَ تَتَّقُوا وَ تُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾.[2]

و منها: قوله- تعالی: ﴿مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَ مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَ كَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْ‌ءٍ مُقِيتاً﴾.[3]

الإشکال في کلام المحقّق الخوئي

الظاهر أنّه لا إطلاق فيها من ناحية الوسائل و الأسباب التي يتوسّل بها للإصلاح، كما هو الحال في سائر الواجبات و المندوبات و ليس لها إطلاق حتّى يقع التعارض بينها و بين أدلّة الكذب بالعموم من وجه، ثمّ يرجع فيه إلى الرواية أو غيرها. [4]

أقول: لا بدّ من بیان أمور: الأوّل: أنّ الإطلاق لا مانع منه و بعد ورود الروایات المستفیضة بأنّ المصلح لیس بکذّاب و أمثاله یعلم أنّ إطلاق الآیة محکمة. و لا دلیل علی کون الآیة لا إطلاق لها من ناحیة الوسائل و الأسباب التي یتوسّل بها للإصلاح؛ فإنّ مقدّمات الحکمة التي منها کون المولی في مقام البیان یعلم من القرائن الخارجیّة أنّ المولی في مقام البیان من جمیع الجهات. و هذه الروایات من القرائن الخارجیّة التي یعلم بها أنّ المولی في مقام البیان من جمیع الجهات؛ فالحقّ مع المحقّق الخوئيّ (رحمة الله).

الثاني: أنّ أدلّة حرمة الکذب لها عموم، فالإصلاح واجب و الکذب حرام؛ ففي مورد اجتماع الأمر و النهي یرجّح الأهمّ الذي هو الإصلاح. و الأهمّیّة تعلم من الروایات الواردة بأنّ المصلح لیس بکذّاب و أمثالها. و هکذا تعلم ببناء العقلاء المؤیّد بالروایات و المقام من باب التزاحم؛ مثل: إنجاء الغریق الذي یلازم الغصب و الإنجاء أهمّ و مقدّم علی حرمة الغصب.

الثالث: یرد علی المحقّق الخوئيّ (رحمة الله) بأنّه لیس التعارض بین وجوب الإصلاح و حرمة الکذب في مقام الجعل حتّی یقال بالتساقط و الرجوع إلی الروایات التي تقول بأنّ المصلح لیس بکذّاب و دلیلهما من الآیات الشریفة و لا معنی لتساقطهما، بل المقام من قبیل اجتماع الأمر و النهي و ترجیح جانب الأمر بالأدلّة الشرعیّة و العقلیّة.

الرابع: إنّه مع حکومة الراوایات بأنّ المصلح لیس بکذّاب، فلا کذب أصلاً حتّی یحرم، فلا نهي أصلاً مع وجود الأمر فقط، فلا معارضة مع الحکومة.

الدلیل الثاني: الروایات

قد استفاضت الأخبار بجواز الكذب عند إرادة الإصلاح. [5]

فمنها: عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا[6] عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ[7] عَنْ أَبِيهِ[8] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ[9] عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ[10] عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: «الْمُصْلِحُ لَيْسَ بِكَذَّابٍ». [11]

إستدلّ بها بعض الفقهاء. [12] [13] [14] [15]

أقول: الروایة تامّة سنداً و دلالةً.

و منها: عَنْهُ[16] عَنْ أَبِيهِ[17] عَنْ صَفْوَانَ[18] عَنْ أَبِي مَخْلَدٍ السَّرَّاجِ[19] عَنْ عِيسَى بْنِ حَسَّانَ[20] قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) يَقُولُ:‌ «كُلُّ كَذِبٍ مَسْئُولٌ عَنْهُ صَاحِبُهُ يَوْماً إِلَّا كَذِباً فِي ثَلَاثَةٍ رَجُلٌ كَائِدٌ فِي حَرْبِهِ فَهُوَ مَوْضُوعٌ عَنْهُ أَوْ رَجُلٌ أَصْلَحَ بَيْنَ اثْنَيْنِ يَلْقَى هَذَا بِغَيْرِ مَا يَلْقَى بِهِ هَذَا يُرِيدُ بِذَلِكَ الْإِصْلَاحَ مَا بَيْنَهُمَا أَوْ رَجُلٌ وَعَدَ أَهْلَهُ شَيْئاً وَ هُوَ لَا يُرِيدُ أَنْ يُتِمَّ لَهُمْ». [21]

إستدلّ بها بعض الفقهاء. [22] [23] [24] [25]

أقول: الروایة ضعیفة السند و تکون من المؤیّدات.

 


[1] نساء/سوره4، آیه114.
[2] بقره/سوره2، آیه224.
[3] نساء/سوره4، آیه85.
[4] .انوار الفقاهة(كتاب التجارة)، مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر، ج1، ص335.
[5] .كتاب المكاسب (للشيخ الأنصاري) ط تراث الشيخ الأعظم، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج2، ص31.
[6] هم عليّ بن ابراهیم بن هاشم القميّ [إماميّ ثقة] و عليّ بن عبد الله بن أذینة [لعلّه هو عليّ بن محمّد بن عبدالله أبو القاسم بن عمران و قد یعنون بعليّ بن محمّد بن بندار: إماميّ ثقة] و أحمد بن عبد الله بن أمیّة [لعلّه هو أحمد بن عبد الله بن أحمد [البرقي: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة ظاهراً] و أیضاً أحمد بن عبد الله بن بنت البرقي: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة ظاهراً] و عليّ بن الحسین [السعد آبادي: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة ظاهراً].
[7] البرقي: إماميّ ثقة.
[8] محمّد بن خالد البرقي: إماميّ ثقة.
[9] البجلي: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع.
[10] الدهني: إماميّ ثقة.
[11] .الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج2، ص342. (هذه الروایة مسندة، صحیحة علی الأقوی).
[12] .كتاب المكاسب (للشيخ الأنصاري) ط تراث الشيخ الأعظم، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج2، ص31.
[13] .المكاسب المحرمة، الخميني، السيد روح الله، ج2، ص42.
[14] . ما وراء الفقه، الصدر، السید محمد، ج10، ص321.
[15] .انوار الفقاهة(كتاب التجارة)، مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر، ج1، ص336.
[16] عليّ بن ابرهیم بن هاشم القمّي: إماميّ ثقة.
[17] إبراهیم بن هاشم القمّي: مختلف فیه و هو إمامّي ثقة علی الأقوی.
[18] صفوان بن یحیی الجبلي: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع.
[19] مختلف فیه و هو إمامي، ثقة ظاهراً.
[20] مهمل.
[21] .الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج2، ص342. (هذه الروایة مسندة و ضعیفة؛ لوجود عیسی بن حسّان في سندها و هو مهمل).
[22] .كتاب المكاسب (للشيخ الأنصاري) ط تراث الشيخ الأعظم، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج2، ص31.
[23] .مهذب الاحکام فی بیان حلال و الحرام، السبزواري، السيد عبد الأعلى، ج16، ص157.
[24] .انوار الفقاهة(كتاب التجارة)، مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر، ج1، ص335.
[25] .المواهب في تحرير احکام المکاسب، السبحاني، الشيخ جعفر، ج1، ص711.