42/04/29
بسم الله الرحمن الرحیم
موضوع: المکاسب المحرمة/ الکذب/ مسوّغات الکذب
جواز الکذب في موارد الحرج
أقول: إنّ الحرج لا یساوق مع العجز العرفيّ و الضرورة العرفیّة، بل هو المشقّة الشدیدة التي لا یتحمّله العقلاء عادةً، کما جاء في صحیحة زرارة: ... ﴿ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ [فِي الدِّينِ] مِنْ حَرَجٍ﴾.[1] وَ الْحَرَجُ الضِّيقُ». [2] و في موثّقة أبي بصیر: .... فَإِنَّ الدِّينَ لَيْسَ بِمُضَيَّقٍ فَإِنَّ اللَّهَ (عزوجل) يَقُولُ: ﴿مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾.[3] [4] ففي الموارد التي یقع الإنسان في الحرج بترك الکذب، یرفع «لا حرج» حرمة الکذب و ینفیه.
الدلیل الثالث: الإجماع [5] [6]
قال بعض الفقهاء (رحمة الله): «من الإجماع إجماع المسلمين على الجواز».[7]
أقول: الحقّ وجود الإجماع علی جواز الکذب عند الضرورة في الجملة و لکنّه لیس إجماعاً تعبّدیّاً، بل مستنده الآیات و الروایات السابقة.
الإشکال في الدلیل الثالث
الإجماع فهو و إن كان محقّقاً و لكنّه ليس إجماعاً تعبّديّاً كاشفاً عن رأي المعصوم؛ فإنّ الظاهر أنّ المجمعين قد استندوا في فتياهم بالجواز إلى الكتاب و السنّة، فلا وجه لجعله دليلاً مستقلّاً في المسألة.
و قال بعض الفقهاء (حفظه الله): «لعلّ مستنده هذه الأدلّة المذكورة». [8]
أقول: کلامه (حفظه الله) متین.
الدلیل الرابع: العقل [9]
وجه الدلالة
قال الشيخ الأنصاريّ (رحمة الله): «العقل مستقلّ بوجوب ارتكاب أقلّ القبيحين مع بقائه على قبحه أو انتفاء قبحه لغلبة[10] الآخر عليه على القولين و هما كون القبح العقليّ مطلقاً أو في خصوص الكذب لأجل الذات أو يختلف بالوجوه و الإعتبارات و لا إشكال في ذلك». [11]
أقول: لعلّ المراد الأعمّ من حکم العقل و بناء العقلاء- کما سیأتي توضیحه، فإنّ الموارد مختلفة و الشارع أمضی بناء العقلاء في المقام، کما سبق في الآیات و الروایات السابقة.
أقول: إنّ حکم العقل بقبح الکذب لیس من قبیل العلّة التامّة- کالظلم- بل هو مقتضٍ للقبح. و لهذا یجوز الکذب لعروض بعض الموانع.
الإشکالان في الدليل الرابع
الإشکال الأوّل
إنّه لو بني على الرجوع إلى العقل و ملاحظة الترجيحات و موازنة المناطات، أشكل الأمر في كثير من الصور؛ لعدم الإحاطة بالمناطات حتّى يعلم الراجح منهما من المرجوح و القويّ من الضعيف؛ نعم لا بأس بذلك في الموارد المتيقّنة؛ كالكذب لحفظ النفس من الهلكة. [12]
أقول: إنّ حکم العقل في الموارد المتیقّنة محقّق. و أمّا بناء العقلاء، فهو عند العرف فیما لو تحقّق ضرر معتنی به عندهم، سواء کان الضرر علی النفس أو الضرر علی العرض أو المال المعتنی به. و نظر العرف حاکم في تشخیص المصادیق و الموضوعات. و لا یحتاج إلی الاقتصار علی الموارد المتیقّنة فقط.
الإشکال الثاني
العقل فهو و إن كان حاكماً بجواز الكذب لدفع الضرورات في الجملة؛ كحفظ النفس المحترمة و نحوه إلّا أنّه لا يحكم بذلك في جميع الموارد، فلو توقّف على الكذب حفظ مال يسير لا يضرّ ذهابه بالمالك؛ فإنّ العقل لا يحكم بجواز الكذب. [13]
أقول: فلا بدّ من مراجعة العرف لتشخیص المصداق.
کما قال بعض الفقهاء (حفظه الله): «أمّا الاستدلال بالعقل، فيتوقّف على ملاحظة الترجيحات و موازنة المناطات حتّى يتميّز الراجح من المرجوح و هو غير محرز إلّا في حفظ النفس و العرض و الأموال الطائلة».[14]
أقول: کلامه (حفظه الله) متین.
و قال (حفظه الله) بعد الإشارة إلی الأدلّة في المقام: «هذه الأدلّة لا تدلّ على أزيد من جواز الكذب عند الإكراه و الاضطرار إلى التقيّة الخوفيّة لا التقيّة التحبيبيّة». [15]
أقول: قد تکون التقیّة التحبیبیّة لدفع الضرر المعلوم في المستقبل و العرف یوافق ذلك و یؤیّدها العقلاء.