42/04/08
بسم الله الرحمن الرحیم
موضوع: المکاسب المحرمة/ الکذب/ خلف الوعد
القول السابع: الأحوط وجوباً العمل بالوعد. [1] [2]
أقول: إنّ القول بالاحتیاط الوجوبيّ فیما لم یکن دلیل علی الوجوب، مع أنّ الأدلة من الآیات و الروایات التامّة سنداً و دلالةً کافیة في إثبات الوجوب، کما سبق.
قال المحقّق الخوئيّ (رحمة الله): «الروايات الواردة في هذا المقام كثيرة جدّاً و كلّها ظاهرة في وجوب الوفاء بالوعد و حرمة مخالفته و لم نجد منها ما يكون ظاهراً في الإستحباب. و لكن خلف الوعد حيث كان يعمّ به البلوى لجميع الطبقات في جميع الأزمان، فلو كان حراماً لاشتهر بين الفقهاء، كاشتهار سائر المحرّمات بينهم، مع ما عرفت من كثرة الروايات في ذلك و كونها بمرأى منهم و مسمع. و مع ذلك كلّه فقد أفتوا باستحباب الوفاء به و كراهة مخالفته حتّى المحدّثين منهم؛ كصاحبي الوسائل [3] و المستدرك [4] و غيرهما، مع جمودهم على ظهور الروايات. و ذلك يدلّنا على أنّهم اطّلعوا في هذه الروايات على قرينة الإستحباب، فأعرضوا عن ظاهرها.
و لكنّا قد حقّقنا في علم الأصول أنّ إعراض المشهور عن العمل بالرواية الصحيحة لا يوجب وهنها، كما أنّ عملهم بالرواية الضعيفة لا يوجب اعتبارها إلّا إذا رجع إعراضهم الى تضعيف الرواي و رجع عملهم الى توثيقها. و إذن فلا وجه لرفع اليد عن ظهور الروايات المذكورة على كثرتها و حملها على الاستحباب.
و لكنّ الذي يسهل الخطب أنّ السيرة القطعيّة بين المتشرّعة قائمة على جواز خلف الوعد و على عدم معاملة من أخلف بوعده معاملة الفسّاق. و لم نعهد من أعاظم الأصحاب أن ينكروا على مخالفة الوعد كانكارهم على مخالفة الواجب و ارتكاب الحرام؛ فهذه السيرة القطعيّة تكون قرينةً على حمل الأخبار المذكورة على استحباب الوفاء بالوعد و كراهة مخالفته؛ نعم الوفاء به و الجري على طبقه من مهمّات الجهات الأخلاقيّة، بل ربّما توجب مخالفته سقوط الشخص عن الإعتبار في الأنظار، لحكم العقل و العقلاء على مرجوحيّته.
و مع ذلك كلّه فرفع اليد عن ظهور الروايات و حملها على الإستحباب يحتاج إلى الجرأة و الأوفق بالاحتياط هو الوفاء بالوعد[5] ».[6]
أقول: لا دلیل علی جواز خلف الوعد إلّا السیرة. و مع دلالة الآیات و الروایات تحمل السیرة علی عدم المبالاة؛ فإنّه لم یثبت من المعصومین (علیهم السلام) خلف الوعد و لا تقریرهم له، بل صریح کلماتهم (علیهم السلام) بوجوب الوفاء بالوعد و أنّ ذلك علامة المؤمن و حرمة الغیبة و أمثالها؛ فمع التصریح بالخلاف ثبت الردع عن السیرة قطعاً و السیرة المردوعة لا حجّیّة فیها أصلاً.
کلام الشیخ الأنصاريّ في المقام
قال (رحمة الله): «في ما يظهر منه وجوب الوفاء بالوعد؛ مضافاً إلى قوله- تعالى: ﴿كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّٰهِ أَنْ تَقُولُوا مٰا لٰا تَفْعَلُونَ﴾[7] و قوله- تعالی: ﴿وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ﴾[8] بناءً على شموله للوعد في باب الوعد: ما عن الكافي عن هشام بن سالم[9] قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) يَقُولُ: «عِدَةُ الْمُؤْمِنِ أَخَاهُ نَذْرٌ[10] لَا كَفَّارَةَ لَهُ فَمَنْ أَخْلَفَ فَبِخُلْفِ اللَّه بَدَأَ وَ لِمَقْتِهِ تَعَرَّضَ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ﴾[11] ﴿كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ﴾[12] ». [13] و عن شعيب العقرقوفيّ[14] عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلْيَفِ إِذَا وَعَدَ». [15] و عن عنبسة بن مصعب[16] عن أبي جعفر[17] (ع) قال: «ثَلَاثٌ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لِأَحَدٍ فِيهِنَّ رُخْصَةً أَدَاءُ الْأَمَانَةِ إِلَى الْبَرِّ وَ الْفَاجِرِ وَ الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ لِلْبَرِّ وَ الْفَاجِرِ وَ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ بَرَّيْنِ كَانَا أَوْ فَاجِرَيْنِ».[18] و عن سماعة عن أبي عبد اللّٰه (ع)، قال: «مَنْ عَامَلَ النَّاسَ فَلَمْ يَظْلِمْهُمْ وَ حَدَّثَهُمْ فَلَمْ يَكْذِبْهُمْ وَ وَعَدَهُمْ فَلَمْ يُخْلِفْهُمْ كَانَ مِمَّنْ حُرِّمَتْ غِيبَتُهُ وَ كَمَلَتْ مُرُوءَتُهُ وَ ظَهَرَ عَدْلُهُ وَ وَجَبَتْ أُخُوَّتُهُ». [19]
و هذه الأخبار و إن دلّت بظاهرها على وجوب الوفاء، لكن قيل:
إنّ الظاهر إطباق كلمات من عدا قليل من متأخّري المتأخّرين على عدم الوجوب؛ كما يظهر من اتّفاقهم على عدم وجوب الوفاء بالشرط الغير المشترط في عقد لازم و ما دلّ من الأخبار على جواز نقض اليمين إذا كان- أو صار- ترك ما حلف عليه راجحاً». [20]
أقول: کلمات العلماء لا توجب الحجّیّة لقول، لکن یفهم من کلماتهم أنّ خلف الوعد إذا کان عازماً علی العمل به، ثمّ بدا له التخلّف لعذر شرعيّ أو عقليّ کان جائزاً عندهم. و هذا لیس مخالفاً لقول الوجوب بلا عذر شرعيّ أو عقلي. و مجموع الآیات و الروایات کافیة في إثبات الوجوب و الردع عن السیرة. و یعلم منها أنّ السیرة لو کانت لعدم المبالاة أو لوجود عذر شرعيّ أو عقليّ مقبول عند العقلاء و الفرق بین العهد و الوعد لا یوجب الخدشة في مجموع الآیات و الروایات.