بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

42/04/06

بسم الله الرحمن الرحیم

 

 

موضوع: المکاسب المحرمة/ الکذب/ التوریة

الإشکال علی بعض الفقهاء

أقول: إنّه ذهب هنا إلی عدم وجوب الوفاء بالوعد للأطفال و لکن ذهب في موضع آخر إلی وجوب الوفاء تعلیلاً بالتأدیب و لعدم تصوّر الطفل جواز الکذب. [1] و وجوب الوفاء هو الصحیح، لإطلاق الأدلّة.

القول الثاني: الوجوب[2] [3] [4] [5] [6] [7]

أقول: هو الحق؛ للأدلّة الآتیة من الآیات و الروایات التامّة سنداً و دلالةً و بناء العقلاء علی ذلك، مع حکم العقل بذلك.

الدلیلان علی القول الثاني

الدلیل الأوّل: الآیة (الآیتان)

قوله- تعالی: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ﴾[8] ﴿كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ﴾[9]

إستدلّ بها (بهما) بعض الفقهاء. [10] [11]

أقول: القدر المتیقّن من إطلاق الآیة صورة العزم علی عدم العمل بالوعد حین القول و لا یشمل صورة العزم علی العمل حین القول ثمّ بدا له التخلّف.

الدلیل الثاني: الروایات

الأولی: عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ[12] عَنْ أَبِيهِ[13] عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ[14] عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ[15] قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) يَقُولُ:‌ «عِدَةُ الْمُؤْمِنِ أَخَاهُ نَذْرٌ[16] لَا كَفَّارَةَ لَهُ فَمَنْ أَخْلَفَ فَبِخُلْفِ اللَّه‌ بَدَأَ وَ لِمَقْتِهِ تَعَرَّضَ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ﴾[17] ﴿كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ﴾[18] ».[19]

إستدلّ بها بعض الفقهاء. [20]

أقول: حیث تدلّ علی أنّ الوعد- مثل النذر- یحرم التخلّف عنه إلّا أنّه لا کفّارة في التخلّف في الوعد، دون النذر. و إطلاق الروایة یشمل ما لو کان عازماً علی العمل حین الوعد، ثمّ بدا له التخلّف، فإنّ التخلّف حرام مطلقاً و الروایة تامّة سنداً و دلالةً.

الثانیة: عَلِيٌّ[21] عَنْ أَبِيهِ[22] عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ[23] عَنْ شُعَيْبٍ الْعَقَرْقُوفِيِّ[24] عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): «مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَفِ إِذَا وَعَدَ». [25]

إستدلّ بها بعض الفقهاء. [26] [27]

أقول: الروایة تامّة سنداً و دلالةً و تدلّ علی وجوب الوفاء بالوعد مطلقاً و الأمر ظاهر في الوجوب.

قال المازندرانيّ (رحمة الله): «يدلّ على أنّ خلف الوعد حرام و الوفاء به واجب، فينبغي للمؤمن أن لا يعد و إذا وعد أن يفي به و قد حثّ على الوفاء به قوله- تعالى: ﴿وَ اذْكُرْ فِي الْكِتٰابِ إِسْمٰاعِيلَ إِنَّهُ كٰانَ صٰادِقَ الْوَعْدِ وَ كٰانَ رَسُولاً نَبِيّاً﴾[28] قارن صدق الوعد بالرسالة و النبوّة و قدّمه عليهما لشدّة الاهتمام به و الحثّ عليه». [29]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

و منها: عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا[30] عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ[31] عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى[32] عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ[33] عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ قَالَ: «مَنْ عَامَلَ النَّاسَ فَلَمْ يَظْلِمْهُمْ وَ حَدَّثَهُمْ فَلَمْ يَكْذِبْهُمْ وَ وَعَدَهُمْ فَلَمْ يُخْلِفْهُمْ كَانَ مِمَّنْ حُرِّمَتْ غِيبَتُهُ وَ كَمَلَتْ مُرُوءَتُهُ وَ ظَهَرَ عَدْلُهُ وَ وَجَبَتْ أُخُوَّتُهُ». [34]

القول الثالث: عدم الوجوب فقهاً و الوجوب أخلاقاً. [35] [36]

أقول: لا دلیل علیه، بل الأدلّة تامّة سنداً و دلالةً علی وجوب الوفاء، کما سبق.

القول الرابع: إستحباب الوفاء بالوعد. [37] [38] [39]

أقول: لا دلیل علیه، بل الأدلّة تامّة سنداً و دلالةً علی وجوب الوفاء، کما سبق.

دلیل القول الرابع

ظاهر هذه الروايات يعطي وجوب العمل، إلّا أن يحمل على الاستحباب المؤكّد؛ لجريان السيرة على عدم المراقبة الجدّيّة القطعيّة بحيث يعدّ المتخلّف عاصياً. [40]

أقول: السیرة قد تکون من حیث المبالاة، کما في الغیبة و أمثالها. و لا دلیل علی وجود السیرة المتّصلة بزمان المعصوم (علیه السلام) بفعله (ع) أو قوله (ع) أو تقریره (ع) و السیرة دلیل لبّيّ یقتصر علی المتیقّن منها و هو صورة وجود العذر الشرعيّ أو عقليّ الذي یکون مورد قبول العقلاء بحیث یوجب تضرّره من الوفاء بالوعد کثیراً.

القول الخامس: إستحباب الوفاء بالوعد شرعاً و الوجوب أخلاقاً. [41]

أقول: لا دلیل علیه، بل الأدلّة تامّة سنداً و دلالةً علی وجوب الوفاء، کما سبق.

القول السادس: الأحوط إستحباباً العمل به. [42] [43]

أقول: لا دلیل علیه، کما سبق.

و قال بعض الفقهاء (حفظه الله): «يظهر من كلماتهم في أبواب النذر أنّ التزام شي‌ء على نفسه لا يكون ملزماً إلّا إذا كان الالتزام للّه. قال (رحمة الله) في الجواهر بعد كلام له في المقام: و في قواعد الفاضل لو قال: «عليّ كذا و لم يقل للّه، استحبّ له الوفاء»[44] و لعلّه لأنّه طاعة و على كلّ حال فالأمر سهل من أنّ الحكم مستحبّ و الفرض إن لم يكن نذراً منعقداً، فهو وعد أو شبه الوعد»[45] و يظهر من هذه العبارة تسالمهم على أنّ الوعد أو شبه الوعد لا يجب الوفاء به و إنّ ما كان للّه، يجب الوفاء به».[46] إلی أن قال: «یشكل الحكم بوجوب الوفاء بكلّ عهد و وعد و إن كان الأحوط استحباباً ذلك». [47]

أقول: لا دلیل علیه، بل الأدلّة تامّة سنداً و دلالةً علی وجوب الوفاء، کما سبق. و نقل کلمات بعض الفقهاء لا یکفي في مقام الفتوی.


[1] . استفتائات جدید، التبریزی، میرزا جواد، ج2، ص491.
[2] وجوب الوفاء بالوعد و حرمة خلف الوعد.
[3] .مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، المحقق المقدّس الأردبيلي، ج9، ص80.
[4] .زبدة البيان في أحكام القرآن، المحقق المقدّس الأردبيلي، ج1، ص128.
[5] .شرح الكافي، المازندراني، الملا صالح‌، ج10، ص18.
[6] .الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، البحراني، الشيخ يوسف، ج21، ص165.
[7] .حاشية المكاسب‌، الطباطبائي اليزدي، السيد محمد كاظم، ج2، ص117.
[8] صف/سوره61، آیه2.
[9] صف/سوره61، آیه3.
[10] .مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، المحقق المقدّس الأردبيلي، ج12، ص352.
[11] . زبدة البيان في أحكام القرآن، المحقق المقدّس الأردبيلي، ج1، ص128.
[12] عليّ بن إبراهیم بن هاشم القمّي: إماميّ ثقة.
[13] إبراهیم بن هاشم القمّي: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة علی الأقوی.
[14] محمّد بن أبي عمیر زیاد: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع.
[15] إماميّ ثقة.
[16] أي: كالنذر في جعله على نفسه أو في لزوم الوفاء به.
[17] صف/سوره61، آیه2.
[18] صف/سوره61، آیه3.
[19] .الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج2، ص363.. (هذه الروایة مسندة، صحیحة علی الأقوی)
[20] . مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، المحقق المقدّس الأردبيلي، ج12، ص352.
[21] عليّ بن إبراهیم بن هاشم: إماميّ ثقة.
[22] إبراهیم بن هاشم القمّي: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة علی الأقوی.
[23] محمّد بن أبي عمیر زیاد: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع.
[24] شعیب بن یعقوب العقرقوفي: إماميّ ثقة.
[25] .الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج2، ص364.. (هذه الروایة مسندة، صحیحة علی الأقوی)
[26] .مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، المحقق المقدّس الأردبيلي، ج12، ص352.
[27] .شرح الكافي، المازندراني، الملا صالح‌، ج10، ص18.
[28] مریم/سوره19، آیه54.
[29] .شرح الكافي، المازندراني، الملا صالح‌، ج10، ص18.
[30] هم عليّ بن ابراهیم بن هاشم القميّ [إماميّ ثقة] و عليّ بن عبد الله بن أذینة [لعلّه هو عليّ بن محمّد بن عبدالله أبو القاسم بن عمران و قد یعنون بعليّ بن محمّد بن بندار: إماميّ ثقة] و أحمد بن عبد الله بن أمیّة [لعلّه هو أحمد بن عبد الله بن أحمد [البرقي: مختلف فیه و هو إمامي، ثقة ظاهراً] و أیضاً أحمد بن عبد الله بن بنت البرقي: مختلف فیه و هو إمامي، ثقة ظاهراً] و عليّ بن الحسین [السعد آبادي: مختلف فیه و هو إمامي، ثقة ظاهراً].
[31] البرقي: إماميّ ثقة.
[32] الکلابي: إماميّ ثقة ظاهراً، من أصحاب الإجماع علی قول.
[33] إماميّ ثقة.
[34] .الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج2، ص239.. (هذه الروایة مسندة، صحیحة ظاهراً)
[35] . حاشیة علی رسالة فی القضاء عن المیت، المامقانی، الشیخ عبدالله، ج1، ص298.
[36] .تحرير المجلة، كاشف الغطاء، الشيخ محمد حسين، ج4، ص146.
[37] .حاشیه المکاسب، ایروانی نجفی، میرزاعلی، ج2، ص69.
[38] .منية الطالب، النجفي الخوانساري، الشيخ موسى؛ تقرير بحث الميرزا النائيني، ج3، ص247.
[39] .المواهب في تحرير احکام المکاسب، السبحاني، الشيخ جعفر، ج1، ص687.
[40] . المواهب في تحرير احکام المکاسب، السبحاني، الشيخ جعفر، ج1، ص687.
[41] .تحرير المجلة، كاشف الغطاء، الشيخ محمد حسين، ج2، ص228.
[42] .مهذب الاحکام فی بیان حلال و الحرام، السبزواري، السيد عبد الأعلى، ج16، ص153.
[43] .انوار الفقاهة(كتاب التجارة)، مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر، ج1، ص321.
[44] .قواعد الأحكام في معرفة الحلال و الحرام، العلامة الحلي، ج3، ص285.
[45] .جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج35، ص375.
[46] .انوار الفقاهة(كتاب التجارة)، مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر، ج1، ص320.
[47] انوار الفقاهة(كتاب التجارة)، مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر، ج1، ص321.