42/04/06
بسم الله الرحمن الرحیم
موضوع: المکاسب المحرمة/ الکذب/ التوریة
الإشکال علی بعض الفقهاء
أقول: إنّه ذهب هنا إلی عدم وجوب الوفاء بالوعد للأطفال و لکن ذهب في موضع آخر إلی وجوب الوفاء تعلیلاً بالتأدیب و لعدم تصوّر الطفل جواز الکذب. [1] و وجوب الوفاء هو الصحیح، لإطلاق الأدلّة.
القول الثاني: الوجوب[2] [3] [4] [5] [6] [7]
أقول: هو الحق؛ للأدلّة الآتیة من الآیات و الروایات التامّة سنداً و دلالةً و بناء العقلاء علی ذلك، مع حکم العقل بذلك.
الدلیلان علی القول الثاني
الدلیل الأوّل: الآیة (الآیتان)
قوله- تعالی: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ﴾[8] ﴿كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ﴾[9]
إستدلّ بها (بهما) بعض الفقهاء. [10] [11]
أقول: القدر المتیقّن من إطلاق الآیة صورة العزم علی عدم العمل بالوعد حین القول و لا یشمل صورة العزم علی العمل حین القول ثمّ بدا له التخلّف.
الدلیل الثاني: الروایات
الأولی: عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ[12] عَنْ أَبِيهِ[13] عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ[14] عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ[15] قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) يَقُولُ: «عِدَةُ الْمُؤْمِنِ أَخَاهُ نَذْرٌ[16] لَا كَفَّارَةَ لَهُ فَمَنْ أَخْلَفَ فَبِخُلْفِ اللَّه بَدَأَ وَ لِمَقْتِهِ تَعَرَّضَ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ﴾[17] ﴿كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ﴾[18] ».[19]
إستدلّ بها بعض الفقهاء. [20]
أقول: حیث تدلّ علی أنّ الوعد- مثل النذر- یحرم التخلّف عنه إلّا أنّه لا کفّارة في التخلّف في الوعد، دون النذر. و إطلاق الروایة یشمل ما لو کان عازماً علی العمل حین الوعد، ثمّ بدا له التخلّف، فإنّ التخلّف حرام مطلقاً و الروایة تامّة سنداً و دلالةً.
الثانیة: عَلِيٌّ[21] عَنْ أَبِيهِ[22] عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ[23] عَنْ شُعَيْبٍ الْعَقَرْقُوفِيِّ[24] عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): «مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَفِ إِذَا وَعَدَ». [25]
إستدلّ بها بعض الفقهاء. [26] [27]
أقول: الروایة تامّة سنداً و دلالةً و تدلّ علی وجوب الوفاء بالوعد مطلقاً و الأمر ظاهر في الوجوب.
قال المازندرانيّ (رحمة الله): «يدلّ على أنّ خلف الوعد حرام و الوفاء به واجب، فينبغي للمؤمن أن لا يعد و إذا وعد أن يفي به و قد حثّ على الوفاء به قوله- تعالى: ﴿وَ اذْكُرْ فِي الْكِتٰابِ إِسْمٰاعِيلَ إِنَّهُ كٰانَ صٰادِقَ الْوَعْدِ وَ كٰانَ رَسُولاً نَبِيّاً﴾[28] قارن صدق الوعد بالرسالة و النبوّة و قدّمه عليهما لشدّة الاهتمام به و الحثّ عليه». [29]
أقول: کلامه (رحمة الله) متین.
و منها: عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا[30] عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ[31] عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى[32] عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ[33] عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ قَالَ: «مَنْ عَامَلَ النَّاسَ فَلَمْ يَظْلِمْهُمْ وَ حَدَّثَهُمْ فَلَمْ يَكْذِبْهُمْ وَ وَعَدَهُمْ فَلَمْ يُخْلِفْهُمْ كَانَ مِمَّنْ حُرِّمَتْ غِيبَتُهُ وَ كَمَلَتْ مُرُوءَتُهُ وَ ظَهَرَ عَدْلُهُ وَ وَجَبَتْ أُخُوَّتُهُ». [34]
القول الثالث: عدم الوجوب فقهاً و الوجوب أخلاقاً. [35] [36]
أقول: لا دلیل علیه، بل الأدلّة تامّة سنداً و دلالةً علی وجوب الوفاء، کما سبق.
القول الرابع: إستحباب الوفاء بالوعد. [37] [38] [39]
أقول: لا دلیل علیه، بل الأدلّة تامّة سنداً و دلالةً علی وجوب الوفاء، کما سبق.
دلیل القول الرابع
ظاهر هذه الروايات يعطي وجوب العمل، إلّا أن يحمل على الاستحباب المؤكّد؛ لجريان السيرة على عدم المراقبة الجدّيّة القطعيّة بحيث يعدّ المتخلّف عاصياً. [40]
أقول: السیرة قد تکون من حیث المبالاة، کما في الغیبة و أمثالها. و لا دلیل علی وجود السیرة المتّصلة بزمان المعصوم (علیه السلام) بفعله (ع) أو قوله (ع) أو تقریره (ع) و السیرة دلیل لبّيّ یقتصر علی المتیقّن منها و هو صورة وجود العذر الشرعيّ أو عقليّ الذي یکون مورد قبول العقلاء بحیث یوجب تضرّره من الوفاء بالوعد کثیراً.
القول الخامس: إستحباب الوفاء بالوعد شرعاً و الوجوب أخلاقاً. [41]
أقول: لا دلیل علیه، بل الأدلّة تامّة سنداً و دلالةً علی وجوب الوفاء، کما سبق.
القول السادس: الأحوط إستحباباً العمل به. [42] [43]
أقول: لا دلیل علیه، کما سبق.
و قال بعض الفقهاء (حفظه الله): «يظهر من كلماتهم في أبواب النذر أنّ التزام شيء على نفسه لا يكون ملزماً إلّا إذا كان الالتزام للّه. قال (رحمة الله) في الجواهر بعد كلام له في المقام: و في قواعد الفاضل لو قال: «عليّ كذا و لم يقل للّه، استحبّ له الوفاء»[44] و لعلّه لأنّه طاعة و على كلّ حال فالأمر سهل من أنّ الحكم مستحبّ و الفرض إن لم يكن نذراً منعقداً، فهو وعد أو شبه الوعد»[45] و يظهر من هذه العبارة تسالمهم على أنّ الوعد أو شبه الوعد لا يجب الوفاء به و إنّ ما كان للّه، يجب الوفاء به».[46] إلی أن قال: «یشكل الحكم بوجوب الوفاء بكلّ عهد و وعد و إن كان الأحوط استحباباً ذلك». [47]
أقول: لا دلیل علیه، بل الأدلّة تامّة سنداً و دلالةً علی وجوب الوفاء، کما سبق. و نقل کلمات بعض الفقهاء لا یکفي في مقام الفتوی.