42/04/01
بسم الله الرحمن الرحیم
موضوع: المکاسب المحرمة/ الکذب/ التوریة
الثالث[1] : الکنایات
قال الإمام الخمینيّ (رحمة الله): «إنّ الكنايات إنّما تتّصف بالصدق و الكذب إذا أريد بها الإخبار عن واقع». [2]
أقول: إنّ الصدق و الکذب عرفیّان و لهما آثار في المرافعات و التجارات و غیرها. و الإرادة لیست دخیلةً في الصدق العرفي؛ بل ظاهر الکلام و لوازمه هو المعیار في الصدق العرفي. و الإرادة قد تؤثّر في العقاب الأخروي.
هنا قولان:
القول الأوّل: الکنایات لیست بکذب إذا کانت مطابقةً للواقع [3] [4]
أقول: مفهوم هذا الکلام أنّ الکنایات إذا کانت غیر مطابقة للواقع، فهي کذب و یلاحظ علیه: أنّ الکنایات یفهم منها اللوازم العرفيّة، لا نفس ظاهر الکلام؛ مثل: زید کثیر الرماد الملازم عرفاً للسخاء، فیمکن أن یکون ظاهر الکلام غیر مطابق للواقع، لکن صدقه بلحاظ وجود اللازم، أي السخاء في زید. و لعلّ المراد من مطابقة الواقع هو وجود اللازم. و بهذا یمکن الجمع بین القولین في المقام بأنّ الکنایات لیست بکذب إذا کانت مطابقةً للواقع المتفاهم من الکنایات، أي اللوازم العرفیّة. و هذا القول هو الحقّ في المقام. و الدلیل أنّ الکذب عرفي. و العرف یقبل الکنایات في الأشعار و أمثالها. و لا یقول بأنّها کذب، بل کانت مطابقةً للواقع المتفاهم من الکنایات. فهي صدق و إلّا فهي کذب.
القول الثاني: الکنایات لیست بکذب أو کذب محلّل [5]
قال الشیخ الأراکيّ (رحمة الله): «الكنايات، فإنّ من قال: زيد كثير الرماد، يتصوّر عند تكلّمه معاني هذه الألفاظ و لكن ليس غرضه الانتقال إلى نفسها، بل إلى لازمها و هو الجود. و لذا لو لم يكن له رماد و كان جواداً، لم يكن كذباً أصلاً أو هو كذب محلّل».[6]
أقول: الحقّ أنّها لیست بکذب عرفي، بل هي صدق لو کانت اللوازم مطابقةً للواقع و لیست کذباً محلّل، لعدم صدقه علیه.
الرابع[7] : المجازات
المجازات لیست بکذب إذا کانت مطابقةً للواقع[8] [9]
أقول: هو الحق، لما سبق في الکنایات.
أقول: الأحسن أن یقال: إنّ المجازات إنّما تتّصف بالصدق و الکذب إذا یفهم منها الإخبار بالواقع؛ لأنّ المعیار ما یفهم من ظواهر الکلام و لیست الإرادة دخیلةً في ظاهر الکلام؛ لأنّ الدلالة لیست تابعةً للإرادة؛ کما هو مبرهن في الأصول؛ نعم، هي دخیلة في ترتّب العقاب.
قال الإمام الخمینيّ (رحمة الله): «إنّ المجازات إنّما تتّصف بالصدق و الكذب إذا أريد بها الإخبار عن واقع». [10]
الخامس[11] : الشعر
هنا أقوال:
القول الأوّل: حرمة الکذب في الشعر. [12] [13]
أقول: هو الحقّ و لا فرق بین الشعر و النثر؛ فإنّ المتفاهم العرفيّ من الکلام إن کان خبراً، فإن طابق الواقع، فهو صدق و إن خالفه، فهو کذب. و أمّا لو کان المتفاهم العرفيّ من الکلام هو الإنشاء أو من الخیالیّات و أمثالها، فلا یتطرّق منه الصدق و الکذب. و هکذا لو کان المتفاهم العرفيّ منه هو المبالغة أو التشبیهات، من دون صدق الخبر.
قال المحقّق الحلّيّ (رحمة الله): «يحرم من الشعر ما تضمّن كذباً». [14]
قال السیّد العامليّ (رحمة الله) بعد إتیان کلام المحقّق الحلّيّ(رحمة الله): «لعلّه أراد ما لا يمكن حمله على المبالغة». [15]
أقول: لا یکفي إمکان الحمل علی المبالغة، بل لا بدّ من کون المتفاهم العرفيّ من الکلام هو المبالغة؛ فإنّ خلاف الظاهر غیر معتبر في مقام المرافعات و أمثالها و إن أمکن الحمل علی خلاف الظاهر.
قال الشیخ النجفيّ (رحمة الله): «لا فرق في المحرّم منه[16] بين الشعر و النثر». [17]
القول الثاني: جواز الکذب في الشعر.
قال السیّد العامليّ (رحمة الله): «لا بأس بالشعر المتضمّن الكذب». [18]
أقول: لا دلیل علیه، کما سبق في الملاحظة السابقة.
دلیل القول الثاني
إنّه من صناعته و لأنّ كذبه ليس في صورة الصدق و لا الغرض منه ترويجه؛ فبان من الكذب المحرّم من هذا الوجه. [19]
أقول: قد سبق منّا أنّ المعیار هو المتفاهم العرفي؛ فإن کان المتفاهم العرفيّ منه الخبر، فلا بدّ من کونه صدقاً مطابقاً للواقع. و أمّا إن کان المتفاهم العرفيّ منه هو الإنشاء أو الخیالیّات أو التشبیهات و أمثالها، فلا یصدق علیه الخبر و لا یتطرّق إلیه الصدق و الکذب.
القول الثالث: حرمة الکذب في الشعر مع عدم القرینة [20] [21]
قال الشیخ حسن کاشف الغطاء(رحمة الله): «يحرم من الشعر ما تضمّن كذباً ما لم تكن عليه قرائن المبالغة أو قرائن المدح كذباً».[22]
أقول: کلامه (رحمة الله) متین و یمکن الجمع بین القول الأوّل و الثالث؛ فإنّ المراد من الأوّل حرمة الکذب في الشعر فیما لو کان المتفاهم العرفيّ منه الخبر، لا الإنشاء أو المبالغة و أمثالها. و لا یخفی أنّ المدح داخل في الکذب إن لم یطابق الواقع.
کلام المحقّق السبزواريّ في المقام
قال (رحمة الله): «الشعر المشتمل على المدح و الإطراء[23] إن أمكن حمله على ضرب من المبالغة فهو جائز و إن لم يمكن حمله على المبالغة، فيحتمل أن يكون كسائر أنواع الكذب. و ربّما قيل بعدم إلحاقه بالكذب، فإنّ الكاذب غرضه أن يرى الصدق كذباً و أن يخبر بما يقول و أن يصدّق به و ليس غرض الشاعر ذلك». [24]
أقول: إمکان الحمل علی المبالغة لا یکفي، بل لا بدّ من کون المتفاهم العرفيّ من الکلام هو المبالغة؛ لأنّ الظواهر حجّة و خلاف الظاهر لیس بحجّة و إن أمکن الحمل علیه. و غرض الشارع لیس دخیلاً في الدلالة و المتفاهم العرفي؛ فإنّ الشعر قد تترتّب علیه مفاسد کثیرة بالنسبة إلی الأشخاص المختلفة.