42/03/22
بسم الله الرحمن الرحیم
موضوع: المکاسب المحرمة/ الکذب/ التوریة
الإشکال في کلام الشهید الثاني (الإشکال في وجوب التوریة في الیمین الکاذبة في المورد الأخیر)
قال الشیخ البحراني: «إنّا نمنع ما ذكره من قبح اليمين في هذه الحال بعد إذن الشارع بها و هو قد اعترف أيضاً بذلك بعد هذا الكلام، فقال: لأنّ اليمين الكاذبة عند الضرورة مأذون فيها شرعاً؛ كمطلق الكذب النافع و حينئذٍ، فأيّ وجه للقبح بعد الإذن الشرعيّ فيها.
و كيف يكون قبيحاً مع كونه واجباً، كما صرّح به هو و غيره في المقام و إلّا لزم اجتماع القبح و الحسن و الضرر و النفع في شيء واحد، فيلزم الذمّ و المدح و الثواب و العقاب في شيء واحد و هو محال. و كون الكذب قبيحاً في حدّ ذاته لا يستلزم كونه هنا قبيحاً بعد ما عرفت.
و من الأخبار التي تدلّ على ما ذكرنا هنا من أرجحيّة اليمين الكاذبة و مشروعيّتها ما رواه عن أبي الصباح الكنانيّ قال: «وَ اللَّهِ لَقَدْ قَالَ لِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّد (ع): «... ثُمَّ قَالَ مَا صَنَعْتُمْ مِنْ شَيْءٍ أَوْ حَلَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ يَمِينٍ فِي تَقِيَّةٍ، فَأَنْتُمْ مِنْهُ فِي سَعَةٍ».[1]
و «قال أبو عبد الله (ع): «التَّقِيَّةُ فِي كُلِ ضَرُورَةٍ وَ صَاحِبُهَا أَعْلَمُ بِهَا حِينَ تَنْزِلُ بِه». [2] [3]
و روى عَنْ جَعْفَرٍ (ع) عَنْ أَبِيهِ (ع) عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) عَنْ عَلِيٍّ (ع) قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): «إحْلِفْ بِاللَّهِ كَاذِباً وَ نَجِّ أَخَاكَ مِنَ الْقَتْلِ».[4]
و روى في الفقيه بسنده إلى ابن بكير عن زرارة قال: «قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَر[5] (ع) نَمُرُّ بِالْمَالِ عَلَى الْعُشَّارِ فَيَطْلُبُونَ مِنَّا أَنْ نَحْلِفَ لَهُمْ وَ يُخَلُّونَ سَبِيلَنَا وَ لَا يَرْضَوْنَ مِنَّا إِلَّا بِذَلِكَ. قَالَ: فَاحْلِفْ لَهُمْ فَهُوَ أَحَلُّ[6] مِنَ التَّمْرِ وَ الزُّبْدِ[7] ». [8]
و روى[9] فيه أيضاً بِإِسْنَادِهِ[10] عَنِ الْحَلَبِيِّ[11] أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) عَنِ الرَّجُلِ يَحْلِفُ لِصَاحِبِ الْعُشُورِ يُحْرِزُ بِذلك مَالَهُ. قَالَ (ع): «نَعَمْ». [12]
و ما رواه في الكافي عن محمّد بن مسعود الطائي: قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ[13] (ع) إِنَّ أُمِّي تَصَدَّقَتْ عَلَيَّ بِدَارٍ لَهَا أَوْ قَالَ بِنَصِيبٍ لَهَا فِي دَارٍ، فَقَالَتْ لِيَ: اسْتَوْثِقْ لِنَفْسِكَ، فَكَتَبْتُ عَلَيْهَا أَنِّي اشْتَرَيْتُ وَ أَنَّهَا قَدْ بَاعَتْنِي وَ قَبَضَتِ الثَّمَنَ، فَلَمَّا مَاتَتْ قَالَ الْوَرَثَةُ: احْلِفْ أَنَّكَ اشْتَرَيْتَ وَ نَقَدْتَ الثَّمَنَ، فَإِنْ حَلَفْتُ لَهُمْ أَخَذْتُهُ وَ إِنْ لَمْ أَحْلِفْ لَهُمْ لَمْ يُعْطُونِي شَيْئاً. قَالَ فَقَالَ (ع): «فَاحْلِفْ لَهُمْ وَ خُذْ مَا جَعَلَتْهُ لَكَ[14] ». [15]
أقول: کلامه (رحمة الله) في کمال المتانة. و مع هذه الروایات فالتوریة لیست واجبةً أصلاً. و غایة ما یستفاد عن بعض الروایات رجحانها لمن عرفها، لعدم تحقّق الحلف الحقیقيّ المتوقّف علی الإرادة الجدّیّة. و لا یخفی أنّ هذه الروایات وردت في مورد الأموال و لا بدّ من التسرّي إلی الأعراض و النفوس بطریق أولی بالأولویّة القطعیّة؛ لأنّ حفظها أولی من حفظ الأموال قطعاً.
القول الثاني: عدم وجوب التوریة (جواز التوریة) [16] [17] [18] [19] [20] [21] [22] [23] [24] [25] [26] [27] [28] [29] [30] [31] [32] [33] [34] [35]
أقول: هو الحق؛ لما ذکرنا سابقاً و ما سیأتي من الأدلّة أیضاً. و في فرض دفع الضرر یجوز الکذب و التوریة و لا تجب التوریة؛ لإطلاق الروایات المجوّزة للکذب. و في مقام الحلف ترجّح التوریة؛ لعدم تحقّق الحلف الحقیقي، لا لأنّ التوریة لیست بکذب، کما سبق مفصّلاً. و جواز الکذب لدفع الضرر و إن لم یکن اضطرار في البین، سواء کان الضرر لنفسه أو لماله أو عرضه، أو کان الضرر لشخص آخر یجوز دفعه عنه. و قد یجب ذلك، کما في الودیعة. و إلی القول الثاني ذهب أکثر المتأخّرین.
الدلیلان علی القول الثاني
أقول: فإنّ الأصل عدم وجوب التوریة.
الدلیل الثاني: إطلاق الروایات[38] [39]
إطلاقات أدلّة الترخيص الواردة في مقام البيان و الامتنان و التسهيل و اعتبار التورية ينافي ذلك كلّه؛ خصوصاً بالنسبة إلى السواد سيّما في حال الاضطرار الذي قلّ من يلتفت إليها في تلك الحالة. [40]
أقول: کلامه (رحمة الله) متین.
و قال الإمام الخمینيّ (رحمة الله): «مقتضى إطلاق الروايات جواز الحلف کاذباً و جواز الكذب في كلّ ضرورة و إكراه؛ سواء تمكّن من التورية أم لا». [41]
أقول: لایحتاج إلی الضرورة و الإکراه؛ بل یکفي لدفع الضرر عن نفسه أو غیره، سواء کان الضرر بالنسبة إلی النفوس أو الأعراض أو الأموال، کما فی الروایتین
فمنها: مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى[42] عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ[43] عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ[44] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى الْكَاهِلِيِّ[45] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ[46] عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى مَوْلَى آلِ سَامٍ[47] قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (ع) بِحَدِيثٍ فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ أَ لَيْسَ زَعَمْتَ لِيَ السَّاعَةَ كَذَا وَ كَذَا؟ فَقَالَ (ع): «لَا» فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَيَّ فَقُلْتُ: بَلَى وَ اللَّهِ زَعَمْتَ. فَقَالَ (ع): «لَا وَ اللَّهِ مَا زَعَمْتُهُ». قَالَ: فَعَظُمَ عَلَيَّ فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ بَلَى وَ اللَّهِ قَدْ قُلْتَهُ قَالَ (ع): «نَعَمْ قَدْ قُلْتُهُ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ كُلَّ زَعْمٍ فِي الْقُرْآنِ كَذِبٌ؟[48] ». [49]
إستدلّ بها بعض الفقهاء. [50]
أقول: الروایة ضعیفة سنداً؛ فلا یصحّ الاستدلال بها.