42/02/02
بسم الله الرحمن الرحیم
موضوع: المکاسب المحرمة/ الکذب/ حکم الکذب
الدفعان للإشکال الدفع الأوّل (کلام الإمام الخمینيّ في بیان هذا الإشکال و دفعه)قال (رحمة الله): «يحتمل بحسب التصوّر أن يكون الكذب قبيحاً ذاتاً و يكون علّةً تامّةً له لا ينفكّ عنه، فيكون في موارد مزاحمته مع ما هو أقبح منه باقياً على قبحه و إن جاز أو لزم ارتكابه لاختيار العقل أقلّ القبيحين.
و أن يكون مقتضياً له بمعنى أنّ فيه اقتضاءه و يؤثّر ذلك في القبح إلّا أن یمنعه مانع عن فعليّته، كاقتضاء النار للإحراق، فلا ينافي ذلك الإقتضاء عدم التأثير فعلاً. فعليه لا يكون الكذب المنجي للمؤمن من الهلكة قبيحاً فعلاً و معنى كونه مقتضياً أنّه لو لا ذلك المانع لصار فعليّاً، فحينئذٍ يكون الكذب مزاحاً و في موارد لا يترتّب عليه صلاح و لا فساد قبيحاً لاقتضائه الذاتيّ و فقدان ما يمنعه عن الفعليّة.و أن يكون لا اقتضاء ذاتاً و يكون قبحه و حسنه بالوجوه و الإعتبار و عروض جهات مقبّحة أو محسّنة. و هذا هو المراد من كون القبح بالوجوه و الإعتبار[1] و الظاهر أنّ هذا الإحتمال أضعف الإحتمالات؛ فإنّ العقل يدرك قبحه في نفسه، فيرى الكذب الذي لا يترتّب عليه مفسدة و مصلحة قبيحاً له حزازة بلا شبهة. و إنّما الكلام في الإحتمالين الآخرين و لا يبعد ترجيح الأوّل بدليل أنّه في المورد الذي يتوقّف إنجاء النبيّ| أو المؤمن على الكذب، يرى العقل أنّه لو كان إنجاؤه متوقّفاً على الصدق كان أحسن، فلا يسوّي بين الكذب و الصدق التقديريّ في هذا المورد. و هذا شاهد على أنّ العقل يدرك قبحه فعلاً لا اقتضاءً و الجهات الخارجيّة لا تأثير لها في رفعه و لهذا يتمنّى العاقل أن يكون الصدق مكان الكذب منجياً للنبيّ (ص) و ليس ذلك إلّا لعدم رفع حزازته و قبحه و إن لزم ارتكابه»[2]
یلاحظ علیه: بالملاحظة السابقة.
الدفع الثانيقال بعض الفقهاء (حفظه الله): «لكنّ الإنصاف أنّ حرمة الكذب عند العقلاء ليست لمجرّد المفاسد المترتّبة عليها؛ مضافاً إلى أنّه يوجب سلب الاعتماد و الاطمئنان بين الأفراد الذي [التي] هو الحجر الأساس للمجتمع الإنسانيّ و أيّ شخص يشكّ في قبح فعل من يذكر في حقّ أبيه آلافاً من المناقب مع أنّه لم يكن فيه شيء منها؛ بل كان فيه ما خالفها لمجرّد أنّه لا تترتّب عليه أيّة مفسدة. لا سيّما إذا شاع ذلك بين الناس، فالعقلاء يذمّون مثل هذا الشخص، بل مع قطع النظر عن التبعات؛ فإنّه يوجب وهن شخصيّة صاحبه و حقارته في نفسه و سقوطه عن أعين الناس. هذا مضافاً إلى إمكان القول بحرمته بحكم العقلاء، مضافاً إلى حكم العقل، بأن يقال إنّ بناءهم قائم على تحريمه و الأحكام العقلائيّة كثيراً ما تدور مدار المصالح و المفاسد الغالبة لا الدائمة، كما في أحكام الشرع، فكثيراً مّا تكون المصلحة أو المفسدة بعنوان الحكمة، لا العلّة في حكم العقلاء و حيث أنّه يوجب الفساد غالباً حكموا بمنعه دائماً» [3]
أقول: کلامه (حفظه الله) متین.
قال الشیخ الأنصاريّ (رحمة الله): «هو[4] حرام بضرورة العقول[5] ».[6]
أقول: کلامه (رحمة الله) متین؛ فإنّ الکذب بطبعه الأوّليّ مقتضٍ للقبح، إلّا أن یمنع مانع. و یدلّ علی هذا الکتاب و السنّة و العقل و الإجماع. و هکذا الکذب حرام إلّا أن یدلّ دلیل علی حلّیّته. و المراد من الحرمة حرمته في الجملة، لا بالجملة؛ کما یظهر ذلك من مجموع کلمات الشیخ (رحمة الله) و قیاس الکذب بالخباثة و الشقاوة الذاتیّة مع الفارق؛ لأنّ الکذب إظهار للخباثة و الشقاوة في الخارج و تترتّب علیه الآثار و منها سلب الاعتماد بین المجتمع.
الدلیل الرابع: الإجماع [7] [8] [9] [10]
قال بعض الفقهاء (رحمة الله): «من الإجماع إجماع المسلمين، بل العقلاء» [11]
الإشکال علی الدلیل الرابعمن المحتمل القريب، بل المقطوع به، أنّه مستند إلى الكتاب و السنّة، فلا يكون هنا إجماع تعبديّ، كما هو واضح. [12]
أقول: إنّ المستند هو الکتاب و السنّة و الإجماع و العقل و بناء العقلاء و لانحتاج إلی الإجماع التعبّديّ في المقام.
دفع الإشکالالإجماع ... و ما قد يقال بإمكان استنادها إلى ما ذكر من الروايات، لا يصغى إليه إذا بلغ الحكم من الوضوح إلى حدّ الضرورة. [13]
أقول: کلامه (حفظه الله) متین.
الدلیل الخامس: الضرورة [14] [15] (ضرورة الدین) [16] [17]
قال الشیخ النجفيّ (رحمة الله): «تعمّد الكذب حرمته من الضروريّات و يزداد إثماً إذا كان على المؤمنين» [18]
و قال الإمام الخمینيّ (رحمة الله): «أمّا حكمه، فحرمته في الجملة ضروريّة لا تحتاج إلى إقامة الدليل عليها» [19]
و قال المحقّق الخوئيّ (رحمة الله): «حرمته من ضروريّات مذهب الإسلام، بل جميع الأديان» [20]
أقول: کلامهم (رحمة الله) في کمال المتانة و لایخفی أنّ الحرمة للکذب المخبري، لا الکذب الخبريّ و الضرورة و القبح و الحرمة شرعاً و عقلاً و عرفاً مربوطة بالکذب المخبري، لا الخبري، فتأمّل.
أقول: إنّ الحرام هو الکذب المخبريّ لا الکذب الخبري؛ یعني الکاذب یعصي الله؛ فالمخبر کاذب أیضاً بشرطین: الشرط الأوّل: أن یکون خبره غیر مطابق للواقع. الشرط الثاني: أن یکون کذبه مع العلم و التعمّد؛ فإذا کان الخبر غیر مطابق للواقع و لکنّ المخبر غیر عالم و عامد؛ فلا معصیة في البین؛ لعدم الکذب المخبريّ و کذلك إذا کان الخبر مطابقاً للواقع و لکن بناء المخبر علی الافتراء و الجعل، فهنا التجرّي الذي یکشف عن خبث السریرة، لا الکذب؛ فلا یجري أحکام الکذب فیه.
أقول: إن کان مراد الشیخ الأنصاريّ (رحمة الله) حرمة الکذب في الجملة، فصحیح؛ لأنّ أساس الدین مبتنٍ علی قبح الکذب. و إن لمیکن الکذب قبیحاً، فمن أین نفهم أنّ نبیّاً من الأنبیاء صادق؟