41/08/21
بسم الله الرحمن الرحیم
موضوع: المکاسب المحرمة/الکذب /تعریف الکذب
الدلیل علی التعریف الثالث
قوله- تعالى: ﴿إِذٰا جٰاءَكَ الْمُنٰافِقُونَ قٰالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللّٰهِ وَ اللّٰهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَ اللّٰهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنٰافِقِينَ لَكٰاذِبُونَ﴾[1] فاللّه- تعالى- يحكم عليهم بأنّهم كاذبون في قولهم: ﴿إِنَّكَ لَرَسُولُ اللّٰهِ﴾ مع أنّه مطابق للواقع و لو كان الصدق عبارة عن المطابقة للواقع، لما صحّ هذا.[2]
أقول: هذا دلیل علی أنّ صدق المخبر فیما إذا طابق الاعتقاد و لاتلزم المطابقة للواقع، کما سبق.
الإشکال علی الدلیلقال المحقّق الخوئيّ(رحمه الله): «الأولی: أنّ الشهادة في العرف و اللغة بمعنى الحضور؛ سواء كان حضوراً خارجيّاً؛ كقوله- تعالى: ﴿... فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ...﴾[3] أم حضوراً ذهنيّاً؛ كحضور الواقعة في ذهن الشاهد.
الثانية: أنّ المخبر به قد يكون أمراً خارجيّاً و قد يكون أمراً اعتباريّاً و قد يكون أمراً ذهنيّاً؛ كالإخبار عن الصور النفسانيّة. فيتجلّى من هاتين المقدّمتين أنّ الإخبار عن الشهادة بالرسالة مبنيّ على حضور المخبر به و المشهود به في صقع[4] الذهن؛ لأنّ الشهادة ليست من الأعيان الخارجيّة و حيث إنّ المنافقين غير معتقدين بالرسالة و لم يكن المخبر به و هو الاعتقاد بالنبوّة موجوداً في أذهانهم فرماهم اللّه إلى الكذب و الفرية، فلا دلالة في الآية على مقصود النظّام».[5]
أقول: الحقّ هو الجواب عن الاستدلال بالتفریق بین صدق الخبر و صدق المخبر و لایحتاج إلی هذه المقدّمات.
کما قال بعض الفقهاء(حفظه الله): «المستدلّ أخطأ حيث تصوّر أنّ المراد أنّهم لكاذبون في قولهم: ﴿إِنَّکَ لَرَسُولُ اللّٰهِ﴾ مع أنّهم صادقون في هذا الكلام غير أنّ متعلّق الكذب أمر آخر و هو ادّعاء تطابق كلامهم مع قلبهم الذي يطلق عليه الشهادة، فهم كاذبون في الإدّعاء؛ إذ الشهادة لا تتحقّق إلّا إذا كانت الشهادة من صميم القلب و خلوص الاعتقاد».[6]
أقول: کلامه متین، إلّا أنّ الأولی الجواب بالتفریق بین صدق الخبر و صدق المخبر، کما سبق مکرّراً.
إن قلت: إنّ المراد هم الکاذبون ذاتاً و لیس المقصود کذبهم في هذه القضیّة.
قلت: یشمل الکلام هذه القضیّة قطعاً، فنعود الإشکال.
المؤیّد للتعریف الثالثترى في العرف و العادة عدم إطلاق الكاذب على الخاطئ و المشتبه؛ فلا يقال لمن صنّف كتاباً مشتملاً على أحكام اجتهاديّة مخالفة للواقع: «إنّه كاذب» و لا لمن أخبر بإعطاء شيء لزيد غداً، فمنعه مانع عنه: «إنّه كذب و إن كان معذوراً». و لازم ذلك أن يكون أمثال ذلك خارجةً عن الصدق و الكذب بالمعنى المصدريّ[7] و إن لم تخرج عن أحدهما بمعنى حاصل المصدر؛ أي نفس الكلام.[8]
یلاحظ علیه: أنّه قد سبق الفرق بین صدق الخبر و صدق المخبر؛ فإنّ صدق الخبر مطابقته للواقع و صدق المخبر مطابقته لاعتقاد المتکلّم فقط. و أمّا کذب الخبر مخالفته للواقع و کذب المخبر مخالفته لاعتقاد المتکلّم أو مع مخالفته للواقع معاً.
الإشکال علی المؤیّد[هذا] إنّما نشأ من أدب العشرة و احتراز الناس عن استعمال لفظ يشعر بالذمّ أو يدلّ عليه و انتسابه إلى غيره و لو مع إرادة خلاف ظاهره و إقامة قرينة عليه. و الظاهر من قوله: «كذب فلان» أو «هو كاذب في مقالاته» أنّه كذب عمداً و لا أقلّ من إشعاره بذلك و هو نحو إهانة بالطرف أو خلاف أدب. فعدم انتساب الكذب، للإحتراز عن الإهانة. و لهذا نرى احترازهم عن ذلك مختلفاً باختلاف عظمة الطرف، فاستعمل الخطاء و الاشتباه و نحوهما مكانه و شاع الاستعمال، فصار منشأ لتوهّم عدم الصدق و إلّا، فلا ينبغي الإشكال في صدق الكاذب على من أخبر بكلام مخالف للواقع».[9]
یلاحظ علیه: بالملاحظة السابقة.