41/08/18
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: المکاسب المحرمة/الکذب /تعریف الکذب
القول الثالث: الکذب هو عدم مطابقة مستعمل فیه مع الواقع
قال الإمام الخمینيّ(رحمه الله): «إنّه لا شبهة في أنّ الكلام بنفسه مع قطع النظر عن صدوره من متكلّم مريد، دالّ على المعنى[1] . فلو نقشت بواسطة الحوادث الكونيّة كلمة «السماء فوقنا» و «السماء تحتنا» فلا يمكن أن يقال: إنّا لا نفهم منهما شيئاً أصلاً أو هما لا يحكيان عن مدلولهما أو يقال: إنّ المدلول منهما شيء واحد أو إنّ مدلولهما ليس موافقاً و لا مخالفاً للواقع، فعليه تكون الجملة الأولى صادقةً و الثانية كاذبةً. و هو أصدق شاهد على عدم الفرق في الدلالة بين الكلام الصادر من متكلّم شاعر و بين الصادر من غيره. مضافاً إلى أنّ الكلام الصادر من المتكلّم لا يحكي إلّا عن الواقع و نفس الأمر مستقيماً من غير دلالة على المعاني الذهنيّة و صورها و هو وجدانيّ جدّاً.
فيكون الصدق و الكذب من صفات الخبر أوّلاً و بالذات و إنّما يتّصف المتكلّم بكونه صادقاً أو كاذباً لأجل إخباره، فلا محالة تكون سعة اتّصافه بالصادق و الكاذب تابعةً لإخباره؛ لعدم إمكان أن يكون الخبر صادقاً و قد أخبر به المتكلّم و مع ذلك لا يكون صادقاً و كذا في الكذب.و بالجملة الميزان في الكذب و الصدق مخالفة المعنى المستعمل فيه و موافقته للواقع، لا صحّة الاستعمال».[2]
أقول: هذا القول لایخالف القول الأوّل (عدم مطابقة ظاهر الکلام مع الواقع)؛ فإنّ المستعمل فیه هو ظاهر الکلام بعد الالتفات إلی القرائن الحالیّة و المقالیّة المتّصلة أو المنفصلة؛ فإنّ العامّ و المطلق ظاهرة في العموم و الإطلاق قبل الرجوع إلی المخصّص و المقیّد. و بعد وجدانهما ظاهرین في الخاصّ و المقیّد؛ فالمقصود واحد. و التعبیر بالمستعمل فیه أحسن من التعبیر بالظاهر، فإنّ الظاهر قد یشمل الظاهر البدويّ و لکنّ المراد في المقام الظاهر بعد الفحص عن القرائن، کما یقال بناء العقلاء علی حجّیّة الظواهر. و هذا واضح لایحتاج إلی مزید بیان.
و لایخفی أنّ لازم کلامه(رحمه الله) کون التوریة کذباً؛ لأنّ المتکلّم أراد خلاف الظاهر بدون وجود القرینة علی ذلك و لکن یلاحظ علیه بأنّه لا ملازمة بین صدق الخبر و صدق المخبر؛ کما في الخبر المطابق للواقع و نفس الأمر إذا کان مخالفاً لاعتقاد المتکلّم؛ فإنّ المتکلّم قد یتّصف بأنّه کاذب، مع أنّ خبره صدق. و بالعکس قد یکون المتکلّم صادقاً- لصحّة قوله باعتقاده- مع کون الخبر غیر مطابق للواقع و نفس الأمر.
و قال بعض الفقهاء(حفظه الله): «يمكن التفريق بين صدق الخبر و كون المتكلّم صادقاً و كذلك كذب الخبر و كون المتكلّم كاذباً، فالصدق و الكذب دائران مدار مطابقة الظاهر للواقع و عدمها، فإنّ للجمل - بل للألفاظ المفردة- دلالات على المعاني الموضوعة لها؛ سواء أكان هناك متكلّم أم لا و سواء أصدر عن متكلّم شاعر أم لا. إنّ صدق الخبر و كذبه يدور مدار مطابقة الظهور للواقع و مخالفته من غير فرق بين أن يكون الظهور حقيقةً أو مجازاً و كنايةً؛ فإذا قال: زيد جبان الكلب[3] أو مهزول الفَصيل[4] ، فصدقه سخاؤه و كذبه إمساكه، سواء أكان هناك كلب و فصيل أم لا و سواء كان كلبه جباناً أو فصيله مهزولاً أم لا».[5]
أقول: کلامه في کمال المتانة و لازم کلامه کون التوریة کذباً؛ لأنّ المتکلّم أراد خلاف الظاهر بدون إیراد القرینة و بعد التصریح بالتوریة یعلم المراد. و هذا التصریح قرینة علی کون المراد خلاف الظاهر، مثل سائر القرائن المنفصلة. و لاتقبل التوریة في الدعاوي و المرافعات.
و لایخفی أنّ المدار في الصدق و الکذب علی الواقع، لا اعتقاد المتکلّم؛ فإنّ اعتقاده یوجب العذر و لایوجب تحقّق عنوان الصدق إذا کان مخالفاً للواقع. هذا کلّه إذا کان الصدق صفةً للخبر. و أمّا لو کان صفةً للمتکلّم، فیرتبط باعتقاده، فإن اعتقد المتکلّم کون زید ضارباً و قال زید ضارب، فهو صادق و خبره کذب إذا کان مخالفاً للواقع.