بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

41/06/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المکاسب المحرمه/القیافة /حکم القیافة تکلیفاً

 

أدلّة القول الثاني (أدلّة حرمة العمل بقول القافة)

الدلیل الأوّل: الآیة.

قوله - تعالی: ﴿... إِنَّ الظَّنَّ لايغْني مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ...﴾ [1] .

إستدلّ بها بعض الفقهاء[2] .

أقول: استدلاله(ره) متین و لکن لاتشمل الآیة صورة حصول العلم بقول القافة و لاتدلّ الآیة علی حرمة الرجوع إلیهم؛ بل تدلّ علی عدم جواز العمل بقولهم لو حصل منه الظنّ و هذا بعض الصور من المدّعی.

الدلیل الثاني: الروایات.

فمنها:[3] حَدَّثَنَا أَبِي[4] قَالَ حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ[5] عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ[6] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ[7] عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ[8] عَنْ أَبِي بَصِيرٍ[9] عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(ع) قَالَ: مَنْ تَكَهَّنَ[10] أَوْ تُكُهِّنَ لَهُ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ(ص) قُلْتُ: فَالْقَافَةُ. قَالَ: «مَا أُحِبُّ أَنْ تَأْتِيَهُم ...»[11] .

إستدلّ بها بعض الفقهاء[12] [13] .

أقول: هذه الروایة لاتدلّ علی حرمة الرجوع إلیهم، بل تدلّ علی الکراهة فقط.

قال بعض الفقهاء(ره): ««ما اُحبّ أن تأتیهم» محمول علی الکراهة»[14] .

أقول: کلامه(ره) متین.

و منها: [[15] بِإِسْنَادِهِ[16] ] رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ[17] عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ[18] (ع) قَالَ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ(ع) يَقُولُ: «لَاآخُذُ بِقَوْلِ عَرَّافٍ وَ لَا قَائِفٍ وَ لَا لِصٍّ وَ لاأقْبَلُ شَهَادَةَ الْفَاسِقِ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ»[19] .

إستدلّ بها بعض الفقهاء[20] [21] .

أقول، أوّلاً: أنّ لفظة «لانأخذ» أو «لاآخذ» لاتدلّ عل الحرمة؛ بل ظاهرة في الکراهة فقط. و ثانیاً: ظاهرة في کراهة الأخذ بقولهم أو حرمة الأخذ مع ترتیب الأثر بقولهم، لا مجرّد الرجوع إلیهم أو سماع کلماتهم. و ثالثاً: ظاهرها عدم حجیّة قولهم ـ مثل قول الفاسق ـ لا حرمة الرجوع إلیهم و سماع کلماتهم بدون ترتیب الأثر.

قال بعض الفقهاء: «دلالة هذه [الرواية] على الحرمة - لو صحّ إسنادها - منصرفة إلى ما إذا رتّب عليها الأثر المخالف لمقتضى القواعد»[22] .

الإشکالان علی الاستدلال بالروایتینالإشکال الأوّل

و إن كان المنهيّ فيها[23] إتيان القائف و الأخذ بقوله، إلّا أنّ المعلوم في الخارج أنّه لا وجه لحرمة إتيانه و الأخذ بقوله إلّا حرمة نفس القيافة، كما لا وجه لحرمة استماع الغناء و الغيبة إلّا حرمة نفس الغناء و الغيبة. فالاستدلال بتلك الأخبار أدلّ على خلاف المدّعى منه على المدّعى[24] .

أقول: لا دلیل علی حرمة استماع قول القائف؛ فإنّ الأخذ بقوله ظاهر في ترتیب الأثر ـ مثل استماع قول الفاسق ـ حیث لا حرمة فیه إلّا من حیث ترتیب آثار الحجّیّة، مع ترتیب الأثر الفقهي؛ فالقیاس مع الفارق.

الإشکال الثاني

سلّمنا عدم دلالة النهي عن إتيانه و الأخذ بقوله على حرمته نفساً، إلّا أنّ إطلاق معقد سائر النواهي و الإجماع كافٍ في حرمته النفسيّة؛ مضافاً إلى الظاهر [ظاهر] سياقها و عدّها في عداد المكاسب المحرّمة نفساً لا غيراً؛ كالكهانة و القمار و الغيبة و الكذب[25] .

أقول: فهذه الروایة الثانیة لاتدلّ علی الحرمة أصلاً. و أمّا سائر الأدلّة، فسیأتي البحث عنها.

أقول: في قوله(ع) «لاآخذ بقول عرّاف و لا قائف» احتمالان:

الاحتمال الأوّل: أنّ العرّاف و القائف لاتقبل شهادتهما، لفسقهما. و قوله(ع): «لاأقبل شهادة الفاسق إلّا علی نفسه» من باب ذکر العامّ بعد الخاص. فعلی هذا الاحتمال تستفاد من الروایة حرمة فعل القائف و یمکن أن تستفاد بالملازمة حرمة الرجوع إلی القائف؛ لأنّ الرجوع إلیه تشویق إلی الحرام و موجب للفسق.

الاحتمال الثاني: لایقبل قول العرّاف و القائف، لعدم اعتبار کلامهما و عدم ترتّب الأثر علی کلامهما. فعلی الاحتمال الثاني لاتدلّ الروایة علی حرمة القیافة و تدلّ علی عدم حجّیّة قول القائف في القیافة فقط و لکن یقبل قوله في أمور أخری إن کان عادلاً.

فلاتدلّ الروایة علی حرمة القیافة؛ لأنّه إذا جاء الاحتمال، بطل الاستدلال.

 


[1] یونس/سوره10، آیه36.
[2] . مصباح الفقاهة، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج1، ص589.
[3] . محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي: إماميّ ثقة.
[4] . عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي: إماميّ ثقة.
[5] . القمّي: إماميّ ثقة.
[6] . الأنباري: إماميّ ثقة.
[7] . زیاد: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع.
[8] . البطائني: من رؤوس الواقفة، لكنّ الظاهر أخذ المشايخ عنه قبل وقفه و هو إماميّ ثقة.
[9] . يحيى أبو بصير الأسدي: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع.
[10] . الكاهن هو الذي يخبر عن المستقبل عن قواعد ثابتة عنده. الكاهن هو الذي يخبر عن الغائبات مع الاستعانة من الجنّ و يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان و يدّعي معرفة الأسرار.
[11] . الخصال، الشيخ الصدوق، ج1، ص19. (هذه الروایة مسندة و صحیحة ظاهراً، موثّقة علی قول).
[12] . كتاب المكاسب، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج4، ص150.
[13] انوار الفقاهة(كتاب التجارة)، مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر، ج1، ص309.
[14] . أحكام المتاجر المحرمة، كاشف الغطاء، الشيخ مهدي، ج1، ص211.
[15] . محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي: إماميّ ثقة.
[16] . أبي& [عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي: إماميّ ثقة] عن سعد بن عبد الله [القمّي: إماميّ ثقة] عن إبراهيم بن هاشم [القمّي: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة علی الأقوی] عن عبد الرحمن بن أبي نجران [إماميّ ثقة] عن عاصم بن حميد [الحنّاط: إماميّ ثقة].
[17] . محمّد بن قيس أبو عبد الله البجلي: إماميّ ثقة.
[18] . الإمام الباقر×.
[19] . من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج3، ص50. (هذه الروایة مسندة، صحیحة علی الأقوی).
[20] . كتاب المكاسب، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج4، ص151.
[21] المواهب في تحرير احکام المکاسب، السبحاني، الشيخ جعفر، ج1، ص669. (ذَکَرَ الروایة).
[22] . المواهب في تحرير احکام المکاسب، السبحاني، الشيخ جعفر، ج1، ص669.
[23] . الروایة الثانیة.
[24] . التعليقة على المكاسب، اللاری، عبد الحسین، ج1، ص191 (التلخیص).
[25] . التعليقة على المكاسب، اللاری، عبد الحسین، ج1، ص191 - 192.