بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

46/06/29

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: فقه النقد/التضخّم و انخفاض قیمة النقد /لزوم تدارك انخفاض القیمة

خلاصة الجلسة السابقة: قد کان یدور البحث في الفقه المعاصر حول انخفاض قیمة النقد و أنّه هل یلزم تدارك انخفاض القیمة أم لا؟ قد ذکرنا أدلّة القولین إلی حدّما و کنّا بصدد اثبات القول بأنّ من اللازم تدارك انخفاض قیمة النقد. و كانت إحدی تلك الأدلّة هي أنّ فلسفة وجود النقود هي تقييم السلع و الخدمات. فكلّ سلعة تريد تقييمها تقدّر بقيمة نقديّة؛ مثل اللحم أو الدجاجة یقوّم کیلو منهما بقیمة کذا.كذلك تقدّر قيمة الخدمات بالنقود؛ مثل البنّاء أو العامل أو النجّار أو غیرهم حيث يقال إنّ أجرة تقديم هذه الخدمة هي كذا في اليوم، أو إذا كان طبيباً عامّاً فإنّ أجرة الكشف لديه كذا و إذا كان متخصّصاً فإنّ أجرة الكشف لديه كذا. إذا جنی أحد علی أحد و قتله خطأً، فإنّ قيمة ذلك الإنسان تقدّر بالنقود و إذا كانت الإصابة بالجراحة فإنّ الدية تقدّر أیضاً بالنقود.

المسألة الأخرى تتعلّق بمن یرید استقراض نقود و هو يعلم أنّه سیردّها بعد سنوات ستنخفض فیها قیمة النقود. في بعض الأحیان يشترط المقترض و یقول أنا فقير و لا أستطيع ردّ أكثر من المبلغ المأخوذ بعد خمس سنوات. لا إشکال في هذا التوافق. و أحياناً يكون الشرط مبنيّاً على العرف، أي العرف يفهم أنّه یجب ردّ نفس االمبلغ المأخوذ لا أکثر و إن لم يذكر ذلك صراحةً في العقد و لم یکتب في سند العقد و هذا الفرض أیضاً لا إشکال فیه. الفرض الآخر هو أنّ المقرض يشترط أن يُردّ المبلغ بقيمته وقت الاسترداد، كأن يقرض مئة مليون مثلاً و يشترط أن یردّها بقيمتها الحاليّة وقت الرد. القیم ستتغیّر و یمکن حصول التضخّم أو انخفاض القیم فالواجب هو أداء القیمة الیومیّة.

نحن نرید أن نقول إنّ هذا الشرط لا يعدّ مصداقاً للربا فلا بأس به. الدليل على ذلك أنّ المعیار في النقود هو قیمة الشراء بها و بها تقدّر قيمة السلع و الخدمات. إذا أراد المقترض ردّ نفس المبلغ الذي اقترضه، فإنّه سيضرّ بالمقرِض. نعم إذا كان التضخّم منخفضاً لدرجة أنّ العرف يتجاهله، فلا یجوز للمقرض أن يشترط زيادةً. و في العديد من الدول لا يوجد تضخّم و لا یواجهون هذه المشاكل و لكن في دول مثل إيران التي تواجه الآن الحرب مع الأمریکا فإنّ التضخّم مرتفع. تزداد الرواتب الشهریّة في كلّ عام لأنّ قيمة النقود تنخفض سنویّاً و قيمة الخدمات المقدّمة تفوق قيمةَ النقود. و المقترض يعلم بالتضخّم و بضرر المقرض و مع ذلك يقترض. و لو لم يقترض لَتمكّن المقرض من حفظ قيمة نقوده بشراء الذهب أو العملة. في القرض يمكن للمقرض أن يطلب قيمة المبلغ وقت الردّ حفظاً لقیمة نقوده. إذا طلب زيادةً علی مقدار التضخّم فهو ربا و أمّا إذا كان أقلّ من التضخّم فلا بأس به. إنّ سیّدنا القائد المعظّم و آیةالله المکارم و بعض الفقهاء الآخرین فإنّهم علی هذا الرأي و لکن هناك بعض الفقهاء الذين يرون أنّه لا يجوز للمقرض أن يأخذ أكثر من المبلغ المأخوذ عند الاقتراض.

یؤکّد قوله- تعالی: ﴿يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾[1] هذا الرأي و هو لزوم تدارك انخفاض القیمة؛ أي أوفوا بعهودکم؛ النقود المقترضة له قیمة کذا فأوفوا بأداء نفس القیمة و ردّوها.

قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله): «الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مثلاً بِمِثْلٍ يَداً بِيَدٍ فَمَنْ زَادَ وَ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى وَ لَعَنَ اللَّهُ الرِّبَا».[2] یستفاد من هذه الروایة وجوب ردّ قیمة الشيء المعطی إلیکم بقیمته الیومیّة. إنّ العشرة آلاف تومان التي قد جعلتها مهراً لإمرأة قبل خمسین عاماً فلا تساوي قیمتها العشرةَ آلاف تومان الیوم. إن سألتَ جمیع أهل الدنیا أجابوك بأنّ للمهر قیمةً کثیرةً في ذاك الزمان و لا قیمة له الآن. لذا يجب أن تردّوا القيمة الحقيقية التي أخذتموها من قبل و لا تردّوا أقّل منها. هذا هو المتعارف عند العرف.

دلیل العدالة:

﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَينَاتِ وَ أَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَ الْمِيزَانَ لِيقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾[3] إنّ من أهمّ أسباب بعثة الأنبياء و المرسلين تحقيق العدل. العالَم كلّه يصرخ مطالباً بتطبيق العدل. هل يجب أن يؤخذ موضوع العدل بعين الاعتبار في الفقه و الفقاهة؟ و هل تکون العدالة حاکمةً علی المطلقات و العمومات؟ فعلى سبيل المثال: إحدی المطلقات هي أنّ الإسلام دين سهل یسیر و هذا هو أصل حاکم في الإسلام. لكن إذا كان هناك دليل قويّ على حكم معيّن كما في مسألة الإرث حيث نّص الشارع على أنّ ميراث البنت نصف ميراث الإبن، نرفع الید عن مسألة العدل في هذه الحالة بسبب وجود الدلیل. هکذا الأمر بالنسبة إلی مسألة اختلاف الدية بين الرجل و المرأة. أمّا في الموارد التي لا یکون الدلیل فیها کافیاً و تشکّون و الروایات أیضاً متعارضة کما أنّ أقوال الفقهاء متفاوتة فماذا یجب أن یُفعل؟ مثل المسألة التي نحن فیها حیث اختلف فيها الفقهاء و هم بین من لم یعتقد بلزوم تدارك انخفاض القيمة و من یعتقد باللزوم و من یفصّل في الموارد فیعتقد باللزوم في بعضها دون بعض. إنّ إحدی الطرق التي یمکن للمجتهد الأخذ بها هي کون الشيء أقرب إلی العدالة. العمل بدلیل العدالة یکون في ما إذا لم یوجد هناك دلیل للمعارضة. فلذا یمکن أن یقال: إنّي سمعت ادّعاء الطرفین و أدلّتهما و لم یتمکّن کلاهما من إرائة دلیل کافٍ؛ فإذاً نعمل بالعدالة و نحکم بما هو أقرب من العدالة.

يعتقد فريق من الفقهاء، مثل آية الله النوري و القائد المعظّم و الآية الله المكارم (حفظهم الله) بلزوم تدارك انخفاض قيمة النقود. بينما أنّه يرى فريق آخر، مثل آية الله السبحاني و آية الله الجوادي (حفظهما الله) أنّ هذا التدارك ليس واجباً. و هناك فريق ثالث یری التفصیل بین ما یکون التفاوت فیه فاحشاً فیجب التدارك و بین غیره فلا. یکون رأي آیةالله السیستاني (حفظه الله) في الاستفتاءات، التفصیلَ المذکور و لکن سمعتُ من لسانه مباشراً أنّه قد صرّح بجواز ردّ القیمة في الاستقراض طبقاً للتضخّم الموجود.

قد استدلّ بعض الفقهاء بآیة ﴿وَ أَوْفُوا الْكَيلَ وَ الْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ﴾[4] في مستوی إقامة دلیل العدالة.

دلیل العرف و العقلاء:

الأفعال الشرعيّة للمكلّف، تنقسم إلى قسمين: المعاملات و العبادات. العبادات هي التعبّدیات؛ مثل عدد ركعات الصلوات کصلاة الصبح و هي رکعتان و صلاة المغرب و هي ثلاث رکعات و مثل الإخفات في صلاة الظهر و الجهر في صلاة الصبح و ... لا يجوز للمكلّف أن يزيد أو ينقص في العبادات. أمّا المعاملات هي من الأمور العرفیّة. هناك بعض المعاملات لم یوجد في عصر النبيّ (صلّی الله علیه و آله) و لکن حدث الآن و نقول بصحّة هذه المعاملات المستحدثة إذا لم یتعلّق بها نهي من الشارع. إذا قبل عرف العقلاء معاملةً فخلفُها إمضاء الشارع. هناك مسألة انخفاض قیمة النقد في المعاملات و یجب التعامل معها بعین العرف و العقلاء. یجب أن ننظر کیف یتعامل مع هذه المسألة العرف و عقلاء العالَم و علینا أن نأخذ هذا التعامل بعین الاعتبار و نجعله المعیارَ.

دلیل القرض الحسن:

هناك دلیل آخر یستدلّ به بعض الفقهاء علی لزوم تدارك انخفاض القیمة و هو دلیل القرض الحسن. یعني أنّه إذا لم یلزم تدارك انخفاض القیمة فإذاً تتوقّف سنّة القرض الحسن؛ لا سیّما بالنسبة إلی التضخّمات العالیة التي تؤدّي إلی أنّ المبلغ المعطی لم تکن له أیّة قیمة بعد مضيّ سنین.

لعلّ هذا الکلام یکون مؤیّداً لرأي لزوم التدارك.

تفاوت بیع النقد مع النسیئة:

الدلیل الآخر هو التفاوت بین بیع النقد مع النسیئة. یقول البائع: إن کنت ترید السلعة نقداً فهي بهذا المبلغ و لکن إذا کنت ترغب في النسیئة فعلیك بدفع الأزید من قیمة النقد. قد أقرّ جمیع العلماء بأنّ «للأجل قسط من الثمن». معنی هذا الحکم هو أنّه تجب محاسبة الفصل الزمنيّ الموجود في النسیئة بالنسبة إلی النقد؛ و لو لم یکن هناك تضخّم. کما أنّ للزمن دوراً في الثمن فکذلك للتضخّم أیضاً دور فیه. في محلّ البحث قد أدّی مضّي الزمان إلی فقدان النقود و انخفاض قیمتها أیضاً.

قال إبن‌فهد الحلّي: «لمـّا كان للأجل قسط من الثمن في نظر المعاملة، وجب على البائع إخبار المشتري بالأجل مع الثمن. و لو لم يخبره كان مدلّساً و ثبت للمشتري الخيار للتدليس بين الفسخ أو الرضا بكلّ الثمن».[5]

قد اعتقد هو أنّه یجب تحدید السعر بالنسبة إلی کلّ فترة زمنیّة؛ مثلاً بعد ستّة أشهر سیکون السعر کذا و بعد مضيّ سنة سیکون السعر کذا. و إذا لم یحدّد موعد دفع النقود، کان هذا تدلیساً و للمشتري خیار التدلیس.

قال المحقّق السبزواري رحمه‌الله: «ثمَّ إنّ بیع المتجانسین من المکیل و الموزون أقسام. الأول: نقداً مثلاً بمثل، و هذا یجوز بلا إشکال. الثانی: نقداً متفاضلاً لا یجوز بلا إشکال أیضاً. الثالث: نسیئةً مثلاً بمثل و هذا لا یجوز، لما تسالموا علیه من أنّ (للأجل قسط من الثمن) بتحقّق التفاضل فیحرم و یبطل من هذه الجهة. الرابع: نسیئةً متفاضلاً لا یجوز علی ما یظهر من المشهور لعمومات المنع، و لکن یمکن جعل الزیادة في مقابل المدّة فیتحقّق التماثل».[6]

فیما یتعلّق بالقرض یمکن أن نقول بهذا التطابق نظراً إلی أنّ للقرض مدّةً أیضاً.


[1] سورة المائدة، آیة 1.
[2] دعائم الإسلام‌، القاضي النعمان المغربي، ج2، ص37.
[3] سوره حدید، آيه 25.
[4] سورة الأنعام، آية 152.
[5] المهذب البارع في شرح المختصر النافع، ابن فهد الحلي، ج2، ص389.
[6] مهذب الاحکام فی بیان حلال و الحرام، السبزواري، السيد عبد الأعلى، ج17، ص309.