درس خارج فقه استاد محسن فقیهی

46/06/08

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: فقه النقد/التضخّم و انخفاض قیمة النقد /لزوم تدارك انخفاض القیمة

ملخّص الجلسة الماضية: کان الحدیث في فقه المعاصر حول مسألة انخفاض قیمة النقود و أنّ قیمة النقد إذا انخفضت فهل یوجد هناك ضمان؟ الرأي الأوّل هو القول بعدم الضمان و أنّ انخفاض القیمة لا یسبّب أيّ خسارة. قد ذکرت أدلّة علی هذا المدّعی. أمّا الدلیل الأخیر الذي هو أهمّ دلیل لأنصار هذا الرأي فهي صحیحة إسحاق بن عمّار: «قلت لأبي ابراهيم عليه‌السلام: الرجل يكون له على الرجل الدنانير فيأخذ منه دراهم ثمّ يتغيّر السعر قال: فهي له على السعر الذي أخذها منه يومئذٍ و إن اخذ دنانير فليس له دراهم عنده، فدنانيره عليه يأخذها برؤوسها متى شاء».[1]

هناك شخص يَدين بدنانير لشخص آخر. و بعد فترة يعطي المدين للدائن مقداراً من الدراهم. الدینار مصنوع من الذهب و الدرهم من الفضة. ثمّ يتغيّر السعر. ناقشنا في أنّ التغيّر في سعر الدراهم أم في سعر الدنانير؟ قد اعتقد آية الله السيّد كاظم الحائري (حفظه الله) أنّ التغيّر في سعر الدنانير فاستنتج بناءً على هذا الافتراض أنّ التضخّم قد حدث. على سبيل المثال، كان في السابق كلّ عشرة دراهم تساوي ديناراً واحداً و لكنّ الآن یکون أحدعشر درهماً معادلاً لدینار واحد. یمکن أن يكون التغيّر بصورة أخری؛ كأن يصبح كلّ تسعة دراهم مساویاً لدینار. التغيّر يمكن أن يكون بالزيادة أو بالنقصان. عندما يُفهم من الرواية وجود التضخّم، يُقال إنّ الإمام المعصوم (عليه السلام) يشير إلى أنّه عندما يحدث التغيّر، يجب حساب قيمة الدينار و دفعها و إذا دفع المدين دراهم بدلاً عن الدنانير فإنّ ذلك يحلّ المشكلة.

إعتراضات علی الاستدلال:

الاعتراض الأوّل: یحتمل أن یکون تغیّر القیمة في الدرهم لا في الدینار؛ و لذلك قد أمر الإمام (علیه السلام) بدفع قیمة الدینار بالسعر الذي کان علیه یوم الإقراض. إن عاد الضمیر في تغییر القیمة إلی الدینار فإنّ الاستدلال صحیح و لکن إذا عاد إلی الدرهم فهو خارج عن موضوع البحث.

الاعتراض الثاني: النقاش يدور حول الدينار و الدرهم المصنوعين من الذهب والفضّة و ليس له علاقة بمسألة التضخم. فالتضخّم من المسائل المستحدثة؛ لأنّ النظر إلی الدرهم و الدينار في الماضي كان نظراً استقلالیّاً لا آلیاً. لیس کالأوراق النقديّة (السكك) الحديثة التي لا تمتلك قيمةً ذاتيةً. کان الأمر بصورة إذا تغيّر السلطان فإنّ الذهب و الفضّة حیث کانت لهما قیمة ذاتیّة مستقلّة فإنّهما معتبران، بينما أنّ العملات الورقيّة لا قيمة ذاتيّةً لها.

إلی هنا قد دارسنا أدلّة المعتقدین بعدم لزوم تدارك انخفاض قیمة النقد. قد أقیمت حوالي ثلاثةعشر دلیلاً و قد تمّ الردّ علی جمیعها.

الرأي الثاني: لزوم تدارك انخفاض قيمة النقد. هذا الرأي يرى أنّ انخفاض قيمة النقد يجب أن يتدارك.

أدلّة لزوم التدارك:

الدلیل الأوّل: فلسفة النقد

في تاريخ نشأة النقد قيل إنّ الناس في البداية كانوا يتعاملون بالسلعة مقابل السلعة و عندما واجهوا صعوبةً في ذلك تحوّلوا إلى استخدام الذهب و الفضّة. ثمّ بعد ذلك قد صُنعت السکوك من الذهب و الفضّة. ثمّ بعد مدّة بدأ الصرّافون و الحكومة في إصدار إيصالات لِما يمتلكونها من السکوك. في الحقيقة هذه الإيصالات كانت بمثابة وثائق للذهب و الفضّة الموجودین لدى الصرّاف أو الحكومة.

فلسفة وجود النقد هي أنّ النقد معيار لقيمة الأمور الماليّة في المجتمع. فالشخص الذي یعمل للآخرین و يقدّم لهم خدماتٍ فإنّهم يقومون بتحديد قيمة هذا العمل بمساعدة النقد و معه يتمّ تحديد قيمة أعمال الأفراد. و كذلك یتمّ تحديد قيمة السلع مثل الكتب و ... بالنقد فالنقد هو الواسطة في العمليّة التجاريّة.

قال آیةالله النوريّ الهمدانيّ في جواب استفتاء لجنة الأمور الحقوقیّة و القضائیّة في مجلس الشوری الإسلامي: «حیثُ إنّ النقود المتداولة في كلّ عصر و زمان تعكس القيم و تشیر إلى النسب المختلفة بين السلع و الخدمات و في الحقیقة إنّ فلسفة وجود النقود تنشأ من هذا الأصل؛ فلذا أعتقد أنّ من الضروريّ في باب الديون و الجنايات و الضمانات أن نأخذ بعين الاعتبار و نحاسب القيمَ و قدرةَ الشراء التي تختلف بتغيّر الزمان؛ لكي نغلق طريق الضرر و الخسارة بالنسبة للدائن و المجنيّ عليه و المضمون له. طبعاً تقدير الكمّ و العدد في وقت الوفاء يجب أن يكون برأي متخصّص. الموضوع المذکور في السؤال المرتبط بشأن المهر أیضاً یندرج في الضابط المذکور».

هنا التفات إلى جهتين: الأولى إلى فلسفة وجود النقد الذي یکون المعیار فیه هو القدرة الشرائيّة و الأخری إلى عدم إلحاق الضرر بالآخرين.

یمکن أن يُقتل شخص و بعد عدّة سنوات يُطلب دفع دية له، فهل يُدفع الدية بالقيمة التي في ذلك الوقت؟ هو يرى أنّه يجب حساب قيمة الدية بناءً على رأي الخبراء في الوقت الذي يُدفع فيه.

هنا نکتة:

في قيمة النقد، يلعب الزمان دوراً مهمّاً. فعلى سبيل المثال قبل عدّة سنوات، كان يمكن شراء منزل في نفس المنطقة (برديسان) بمبلغ مئة مليون تومان، أمّا اليوم فلا يمكن العثور على منزل جيّد حتّى بملياري تومان. النقطة الإضافية التي أرید توضيحها هي أنّ للمكان أيضاً تأثیراً على قيمة النقد. على سبيل المثال، ترید السفر إلى بلد آخر و لکن لا تتمكّن من حمل العملة معك بدلائل. یقول شخص مّا بأنّه سیعطيك العملة في ذلك البلد. أخذ النقد في ذلك المكان کان لك قیّمةً. هناك من يدفعون المزيد من الفلوس للحصول على العملة في البلد المقصود. هذا بمعنی أنّ للمكان دوراً في تحديد القيمةً أیضاً.

جریان قاعدة «لا ضرر»:

هل يمكن تطبيق قاعدة «لا ضرر» في محلّ البحث؟ هل أنا المسبّب في ضررك أم الدولة هي التي سبّبت فيه؟ إذا كنت أنا المسبّب، يجب عليّ تدارك الضرر. أما إذا كانت الدولة بسبب سياساتها الاقتصاديّة قد سبّبت في التضخّم، فهل يجب عليّ تدارك الضرر؟ هل يمكن تطبيق قاعدة «لا ضرر» هنا؟ قد أشار آية الله النوريّ الهمداني إلى هذه القاعدة و اعتقد بأنّ الضرر يجب أن يتدارك. هنا إشکال و هو أنّ المدين لم يكن سبباً للتضخّم، بل كانت الدولة هي المسبّبة في الضرر، فلماذا يجب على المدين أن یتدراك هذا الضرر؟ تأمّلوا في هذا الإشکال بعض التأمّل.


[1] تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج7، ص107.