46/05/24
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: فقه النقد/التضخّم و انخفاض قیمة النقد /لزوم تدارك انخفاض القیمة
خلاصة الجلسة السابقة: کان البحث في الفقه المعاصر حول انخفاض قیمة النقد و أنّه هل یجب تدارك انخفاض قیمة النقد أما لا؟ الرأي الأوّل هو عدم لزوم التدارك. قال کثیر من فقهاءنا بهذا الرأي و قد ذکروا دلائل لما ادّعوه و قد أوردناها و دارسناها. الدلیل الأخیر الذي قد ذکرناه هو قاعدة الجهالة.
قاعدة الجهالة
إن وجب تدارك انخفاض القيمة فإنّ ذلك يؤدّي إلى الغرر و الجهالة؛ كما جاء في الروایة: «نهى رسول الله... عن بيع الغرر»[1] ؛ الغرر و الجهالة يؤدّيان إلى بطلان المعاملة. على سبيل المثال، إذا جعل رجل مهر المرأة بمقدار ألف تومان فإنّ المهر في وقت تحديده كان معلوماً. مرّت خمسون سنةً و لم يُدفع المهر و الآن يريد دفعه، فكم يجب أن یدفع؟ هل يُدفع بسعر الذهب أو بالدولار؟ ليس من المعلوم كم يجب دفعه و هذا يؤدّي إلى الجهالة.
و كذلك بالنسبة لمن أعطى قرضاً و يريد أخذه بعد عدّة سنوات. البنوك الآن تمنح قروضاً و تتحصّل على فوائد تبلغ إلی عشرین في مأة أو خمسة و عشرین في المأة فهل یکون هذا العمل جائزاً؟
إشکال في هذه القاعدة
الاستدلال بالجهالة غير مقبول؛ لأن القضية على العكس تماماً. إذا أراد أن يدفع مهر ألف تومان كما كان في خمسين عاماً مضت، فإنّ ذلك يحتوي على جهالة. عندما تنخفض قيمته سنويّاً، لا تعرف المرأة متى تأخذ مهرها. قد تصل إلى نتيجة و هي أخذ المهر في أقرب وقت و تحويله إلى ذهب أو ما شابهه حتّى لا تنخفض قيمته. لا يوجد في تحديد السعر و القيمة الحقيقيّة أيّ نوع من الجهالة.
ظنّیة دلائل لزوم التدارك
السبب الآخر الذي أقاموه هو أنّ المدّعين لتدارك انخفاض قیمة النقود يعتمدون على أدلّة ظنّيّة و لا يمكن استنباط الأحكام الشرعيّة من أدلّة ظنّيّة. قال الله- تبارك و تعالی: ﴿يسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ مَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَ إِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾.[2] للخمر و الميسر منافع للناس لكن إثمهما و ضررهما أكبر من نفعهما؛ لذلك لا يمكن دائماً الاعتماد على الحسابات التي تفترض أنّ هناك منفعةً. قد تكون هناك منافع في حساب القدرة الشرائيّة، لكن ضررها أكبر. ثمّ إن لزوم تدارك انخفاض قيمة النقود يعتمد على اجتهادات ظنّيّة و لیس له استدلال قوي، في حين أنّ الإسلام يجب أن يكون مبنيّاً على اجتهادات قطعيّة.
إشکال في الدلیل
لیس هذا الدلیل مقبولاً أیضاً؛ إذ قیاس مسألة الخمر و المیسر مع مسألة تدارك انخفاض قیمة النقد، مع الفارق. الشارع المقدّس قد حرّم الخمر و المیسر و قال فیهما منافع و لکن ضررهما أکثر و لکن لا ضرر في مسألة تدراك انخفاض قیمة النقد؛ إنّ القیمة الواقعیّة یوماً بمقدار و الآن بهذا المقدار. تظنوّن أنّکم في ضرر و لیس هنا ضرر بل الواقع هو العدالة و الصداقة.
عطلة القرض الحسن
إنّ من دلائل مدّعي عدم لزوم تدارك انخفاض القیمة هو أنّه إن لزم التدارك فسیعطّل القرض الحسن؛ إذ هو یعطي (مثلاً) عشر ملایین تومان و یأخذ خمسةعشر توماناً.
إشکال في الدلیل
هذا الاستدلال عکس المقصود؛ أي المقرضون لا یتضرّرون مع تدارك انخفاض القیمة بل یمیلیون إلی الاستقراض أکثر. من أقرض و أخذ بعد سنین نفس المقدار فإنّ القیمة قد انخفضت و لکن إذا أخذ القیمة الواقعیّة و لم یتضرّر فلیس له مهمّ فإذاً یُقرض.
التقلید من النظام الاقتصادي للکفّار
تدارك انخفاض القیمة، مأخوذ من النظام الرأسمالي و الکفّار و لا یجوز لتابعي أهل البیت (علیهم السلام) أن یقلّدوا هذا النظام الاقتصادي.
إشکال في الدلیل
لیس هذا الکلام صحیحاً أیضاً. إنّي قد سافرت السنة الماضیة إلی إیتالیا و السوئیسا و بلاد أخری من الأروبا و رأیت أنّ المنافع المأخوذة في بنوکهم بنسبة النصف بالمأة.
قد جاء الشهید آیة الله الرئیسي (أعلی الله مقامه) إلی قم فقلت له إنّي طلبت منك ثلاثة أمور إن أنت تعمله فقد أنجیت المملکة من الهلاك:
1- أعطوا الناس أراضي لبناء المسکن؛ إن هناك کثیراً من الأراضي في إیران، قطّعوها بقطعات ثلاثمأة متر و أعطوها الشباب حتّی یشکّلوا حیاتهم. لا یحمّل هذا علی الحکومة تکلفةً بل یحتاج فقط إلی بناء الشوارع.
2- إسمحوا باستيراد السيّارات ليتمكّن الجميع من إدخال السيّارات من أيّ مكان يريدونه، حتّى يتمّ التخلّص من سيّارات مثل «برايد» التي أصبحت أداةً للقتل.
3- إرفعوا الأرباح البنكيّة.
إذا تمّ تنفيذ هذه الأمور الثلاثة فإنّ البلاد ستعمَّر و سيختفي التضخّم و سيصبح الناس متأمّلین راجین.
عندما جاء السيّد محمّدباقر قاليباف- رئيس مجلس الشورى الإسلامي- إلى قم و شارك في اجتماع جامعة المدرّسين، طلبت منه أيضاً تنفيذ هذه الأمور الثلاثة.
لكنّ السيّد قاليباف قال إنّ مسألة استيراد السيّارات قد تمّ تصویبها و قُمنا بإبلاغها لكنّ السيّد رئيسيّ لم ينفذها و كان الشهيد رئيسيّ يقول إنّ هناك موانعَ لهذا الأمر.
في هذه المدينة (طهران) إحصائيّات کثیرة جدّاً عن الوفيات بسبب التصادمات السیّاریّة لسیّارة براید و لکنّ الشابّ في العراق الذي ربمّا لا يملك حتّى حذاءاً ليرتديه، لا یتصادم مع سيّارته الأمريكيّة و إن وقعت حادثة فلا يموت أحد. أنا شخصيّاً لا أملك سيّارةً و هذه السيارة التي أرکبها فهي ملك لسائقها. الواقع هو أنّ هذه «برايد» أداة قتل. إن أصغی أحد إلى كلامي فسأقول إن بيع براید وشراءها حرام فإنّ هناك علماً إجماليّاً بأنّ السائق قد یمکن أن یأخذه النعاس أو أن ینام و إذا اصطدم بشيء، مات فوریّاً.
النظام الرأسماليّ یُقرض الآن لشراء المنازل و السيّارات و غيرها من دون أن یأخذ ربحاً و لا یوجد تضخّم یذکَر. مشكلتنا هي أنّنا ندور حول أنفسنا؛ لدينا عجز في الميزانيّة، نقوم بطبع النقود و بالتالي يرتفع معدّل التضخّم.
قوانيننا قائمة على الامتنان. فعلى سبيل المثال، إذا لمس شخصٌ زجاجَ شخصٍ آخر عن غير قصد فانكسر، فإنّه ملزم بدفع الخسارة و إن لم يكن هناك تعمّد. و یمکن أن يُقال إنّ الحكم مرفوع في حالة الخطأ استناداً إلى حديث الرفع. «حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْعَطَّارُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ حَرِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلّی الله علیه و آله): رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي تِسْعَةٌ الْخَطَأُ وَ النِّسْيَانُ وَ مَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ».[3]
يُقال إنّ هذا الحكم هو حكم امتنان، أي إن حكم الخطأ مرفوع ما لم يلحق ضرر بالآخرين. فإذا كُسِر زجاجُ شخصٍ آخر عن غير قصد، فإنّ الله لا يُعذّبكم و لكن يجب عليكم التدارك. حديث الرفع هو امتنانٌ على جميع الأمّة.
صحیحة إسحاق بن عمّار
من أهمّ أدلّة من یعتقد بلزوم التدارك هو صحيح معاوية بن عمّار: «الحسين بن سعيد[4] عن فضالة[5] عن ابان[6] عن اسحاق بن عمار[7] قال: قلت لآبي إبراهيم (عليه السلام): الرجل يكون له على الرجل الدنانير فيأخذ منه دراهم ثمّ يتغيّر السعر قال: فهي له على السعر الذي أخذها منه يومئذٍ و إن أخذ دنانير فليس له دراهم عنده، فدنانيره عليه يأخذها برؤوسها متى شاء».[8]
سند الرواية صحيح و لكن هناك شكّ في دلالتها. سأل الراوي الإمامّ موسى بن جعفر (عليهما السلام): إذا كان لشخصٍ دنانیر عند آخر ثمّ أخذ منه دراهم ثمّ تغيّرت الأسعار. هناك ثلاث احتمالات بشأن تغيّر الأسعار:
1- تغيّر سعر الدينار؛ على سبيل المثال كان من الممكن قدیماً شراء عشرة أغنام بالدنانیر و لكن الآن یمکن شراء تسعة منها.
2- تغيّر سعر الدراهم التي هي من الفضة؛ على سبيل المثال كان يجب قدیماً دفع عشرة آلاف درهم مقابل ألف دينار و لكن الآن يكفي تسعة آلاف درهم و هذا فیما إذا ارتفع سعر الدراهم أو ربما كان يجب دفع أحدعشر ألف درهم و هو فیما إذا انفخض السعر.
3- تغيّر سعر كل من الدراهم و الدنانير معاً.
أجاب الإمام (عليه السلام) الراوي قائلاً: يجب دفع نفس السعر الذي تمّ الاتفاق عليه في العقد.
هل الضمير «فهي» يعود إلى الدنانير أم إلى الدراهم؟
قال آية الله سيّد كاظم الحائريّ (حفظه الله) في جواب هذا السؤال من أنّ ما هو حكم القرض مع احتساب معدّل التضخّم؟ قال: «أخذ القرض مع احتساب معدّل التضخّم غير جائز و الدليل على ذلك هو ذيل موثّقة إسحاق بن عمّار التي وردت في فرض تغيير سعر الدينار والذيل هو هذا «و إن اخذ دنانير فليس له دراهم عنده، فدنانيره عليه يأخذها برؤوسها متى شاء». قد أعاد (حفظه الله) الضمير في تغيير السعر إلى الدنانير؛ أي أنّ سعر الدينار قد تغيّر. قال الشارع إنّه يجب حساب نفس الدينار دون التغيّر.
لکنّ المجلسي (رحمه الله) قد أسند تغییر القیمة إلی الدراهم حیث قال في کتابه المسمّی بملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار: «قوله عليه السلام: فليس له دراهم عنده أي: إذا أخذ الدنانير بعد أن كان له في ذمتّه الدنانير، يبرأ المعطي من دنانيره و إن تغيّر سعر الدراهم، لأنّه لم يكن له دراهم عنده حتّى يعتبر قيمة الدراهم بالنسبة إلى الدنانير، بل كانت الدنانير في ذمتّه و أعطاها بتلك العدد و برأ منه، بخلاف الأوّل؛ فإنّه كان له الدنانير و أخذ بعوضها الدراهم، فلذا تعتبر قيمة الدراهم».[9]
إشکال في الاستدلال بالروایة
هذه الرواية لا تدلّ على المدّعى؛ إذ لم یتغیّر سعر الدینار وفقاً للاحتمال الذي ذكره المرحوم المجلسي، بل قد تغيّر سعر الدراهم و يجب حساب سعر الدينار و دفعه.
النقطة الجديرة بالاهتمام هي أنّ التغيير لیس کثیراً في ذلك الوقت بل كان قلیلاً و كانت للدراهم و الدنانير قیمة ذاتیّة حیث إنّهما کانتا من الذهب والفضة، قيمة ذاتية. و بالنظر إلى هاتين النقطتین، تدلّ الرواية على المدّعی من لزوم تدارك انخفاض قيمة النقود.