بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

46/05/03

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: فقه النقد/التضخّم و انخفاض قیمة النقد /ماهیة التضخّم

 

خلاصة الجلسة السابقة: کان الکلام في الفقه المعاصر حول التضخّم و انخفاض قیمة النقد. یکون رأي کثیر من العلماء أن لا حاجة إلی تدارك انخفاض قیمة النقد. إن کان مهر أمرأة مأة ألف تومان فالواجب إعطاء هذا المهر نفسه و لو مضی خمسون عاماً. أوّل دلیل هذا الرأي هو أنّ النقد مثليّ و ضمان المثليّ بالمثل. إذا استقرضتُ منك مأة ألف تومان فعليّ ردّ نفسها لأنّها مثليّ و لا یجوز إعطاء الزیادة؛ یجب عليّ إعطاء مثلها لا قیمتها و إن تغیّرت. قد أجیب عن هذا الدلیل بأجوبة. الدلیل الثاني مسألة الربا بمعنی أنّه إن وجب تدارك انخفاض قیمة النقد، فیلزم حلّیّة الربا. قد أجبنا عن هذا الدلیل أیضاً. الدلیل الثالث أنّ النقد سلعة. السند الصرفيّ و الصكّ سندان؛ أي یحدّدان أنّك دائن من فلان واحدملیون تومان. هل النقد أیضاً سند مثل الصكّ؟ إذا کانت خلفيّة النقد هي الذهب و الفضّة فقد أمکن أن یقال إنّ النقد، سند. قلنا في هذا الصدد مطالب. أيّة خصوصيّة توجد هناك حتّی یمکن أن یقال إنّ النقد، سلعة؟ أو یقال إنّه سند أو مال یتفاوت مع السند و السلعة فإذاً له حکم جدید.

الفروق بین السلعة و النقد:

الفرق الأوّل: لا تکون السلعة للمبادلة بل لها قیمة استقلالیّة. أنت تحتاج إلی السلعة لاستهلاك أسرتك. الأرز و الحنطة المستهلکان للأسرة فهما سلعتان ترفعان حاجتك. نظرك إلی اشتراء الأرز نظر استقلالي؛ أي تحتاج إلی نفس الأرز و الحنطة و لکن لیس نظرك إلی النقد نظراً استقلالیّاً بل تنظر إلیه حیث إنّ للنقد قیمةَ المبادلة و الاشتراء. إذا تغیّر السلطان سقطت نقودها عن الاعتبار و القیمة و لکن الأرز لا یسقط قیمته و اعتباره.

لا یکون النظر إلی النقد نظراً استقلالیّاً بل آلیّاً؛ أي النقد وسیلة لقدرة الاشتراء. لا تکون للنقد قیمة ذاتيّة بل قیمته لجهة تمکّنك من اشتراء السلعات کالأرز و الحنطة و غیرهما. النقد وسیلة المعاملة و لکن السلعات لا تکون وسائل لها غالباً. و من جانب آخر یعیّنون قیمة کلّ شيء بالنقود لا بالسلعات.

قد ظهر ممّا قلنا أنّ النقد لیس سلعةً و أنّ هذا النقد الاعتباريّ إذا لم تکن له خلفیّة من الذهب و الفضّة، فلیس سنداً أیضاً؛ فقیاس النقد بالسلعة لیس صحیحاً حتّی ترید جعل تدارك انخفاض قیمة النقد من الربا. لا یمکن القول بأنّ النقد مثل الأرز من السلعات حتّی یقال إن أخذ الأکثر من المعطَی فهو ربا و حرام.

النقد لیس سنداً أیضاً؛ لأنّي إذا کنتُ مدیناً لك و قد أعطيتك سنداً صرفیّاً ثمّ أنت تفقده فدیني باقٍ علی ذمّتي. خاصیّة السند هي أنّه إن افتقد فالدین باقٍ علی ذمّة المدین، بینا أنّي إذا أدّیتُ دیني بالنقود و افتقد النقد في یديك فلست مدیناً بعد هذا.

قد ذکرنا کلام السیّد أبي الحسن الاصفهاني (رحمه الله) من اعتقاده بأنّ النقد مال.

قال آیة‌الله الحکیم (رحمه‌الله): «لا يجري حكم الصرف على الأوراق النقديّة‌ كالدينار العراقيّ و النوط الهنديّ و التومان الإيرانيّ و الدولار و الپاون و نحوها من الأوراق المستعملة في هذه الأزمنة استعمال النقدين فيصحّ بيع بعضها ببعض و إن لم يتحقّق التقابض قبل الافتراق كما أنّه لا زكاة فيها».[1]

بیع الصرف، هو معاملة الذهب مع الفضّة و إن أخذت الزیادة في هذه المعاملة فهي من الربا و من شرائط بیع الصرف، القبض في المجلس. من جانب آخر إذا بلغ الذهب و الفضّة إلی حدّ معیّن ففیهما الزکاة. هل یلزم في النقود القبض في المجلس و هل تکون الزیادة فیها من الربا؟ و هل یجري فیها حکم الزکاة کما یجري في الذهب و الفضّة؟

قد اعتقد آیة الله السیّد محسن الحکیم بأنّ حکم بیع الصرف لا یجري في النقود الیومیّة کدینار العراق و تومان الإیران و الدولار و غیرها؛ فیمکن بیع بعض النقود و شرائها مع النقود الأخری و إن لم تقبض في المجلس و لا تکون فیها زکاة أیضاً.

قد اعتقد آیةالله التبریزي (رحمه الله) بأنّ هناك فرقاً بین النقد و الصكّ و السند الصرفي؛ الصكّ و السند الصرفيّ، سندان للدین و لکنّ النقد نفسه مال؛ فحینئذٍ إذا أعطی المدین صکّاً للدائن فافتقد في ید الدائن فالدین باقٍ علی ذمّة المدین، و إذا أعطی المدین نقوداً للدائن و افتقدت في ید الدائن فلا ضمان علی المدین و تحقّق الأداء.[2]

التضخّم من مستحدثات الأحکام؛ لم یکن یوجد تضخّم في زمن الرسول (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و لم یکن یوجد أيّ بحث حول مسألة التضخّم فیما إذا کانت خلفیّة النقد هي الذهب و الفضّة؛ إذ سبب التضخّم عدم وجود خلفیّة من الذهب و الفضّة و أنّ الدولة تطبع نقوداً لتدارك عجز المیزانیّة فتنخفض قیمة النقد و تقلّ قدرة الشراء.

قد کانوا یأتون النبيَّ (صلّی الله علیه و آله و سلّم) حتّی یعیّن قیمة السلعة و لم یکن یعیّنها و اعتقد أنّ العرض و الطلب في السوق یعیّنان القیمة. إن زاد النبيّ (صلّی الله علیه و آله و سلّم) القیمة، ارتفعت قیمة الذهب و الفضّة أیضاً و بقیت قیمة النقود مع خلفیّة الذهب و الفضّة محفوظةً.

إن ارتفعت قیمة سلعة خاصّة في زمان خاصّ لحادثة کالحرب أو المجاعة فلیس هذا من التضخّم بل التضخّم هو ازدیاد قیمة جمیع السلعات أو أکثرها مع انخفاض قیمة النقد.

قد اعتقد آیةالله الفاضل (رحمه الله) بأنّ النقد الاعتباريّ، له قیمة مستقلّة، لا أنّ المعیار فیه قدرة الشراء. و لذلك اعتقد هو بأنّ الربا یجري في النقد الاعتباري. قال: «النقد الرائج و إن کانت له قیمة اعتباریّة لکنّها اعتبار مستقلّ و لا یرتبط اعتباره الاستقلاليّ بقدرة الشراء. بعبارة أخری إنّ النقد و إن کان بنظر الاستهلاك لیس له استقلال بخلاف السلعة، و لکن له إصالة بجهة القیمة بحیث یُعلم به قیمة الأشیاء الأخر. نعم هذه القیمة موجودة مادام الاعتبار مصاحباً له و لکنّ السلعات التي قد تُعامَل بالنقد فقیمتها تقاس بقیمة النقد»[3] .[4]

إشکال: هذا صحیح أنّ للنقد الاعتباريّ قیمةً مستقلّةً و أمّا أنّه لیس الملاك هو قدرة الشراء فلا یکون صحیحاً؛ إذ قیمته المستقلّة فهي بدلیل قدرة الشراء و إن لم تکن هناك قدرة علی الشراء فلا قیمة له.

 

فإنّ ألف تومان حیث لم تبق معه قدرة علی الشراء فلا یأخذه الفقیر و إذا أعطیته عشرة آلاف تومان أخذه؛ إذ یستطیع به من شراء شيء. إنّ مقوّم النقد مأةً بمأةٍ هي قدرة الشراء. الصور المطبوعة علی النقد هي من عوارض النقد و لکن مقوّمه هي القدرة علی الشراء.


[1] منهاج الصالحين، الحكيم، السيد محسن، ج2، ص77.
[2] منهاج الصالحين، التبريزي، الميرزا جواد، ج1، ص431.
[3] جامع المسائل، فاضل لنكرانى، محمد، ج1، ص254.
[4] جامع المسائل، الفاضل اللنكراني، الشيخ محمد، ج1، ص233.