46/04/25
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: فقه النقد/ التضخّم و انخفاض قیمة النقد / ماهیة التضخّم
خلاصة الجلسة السابقة: کان الکلام في الفقه المعاصر حول التضخّم و انخفاض القیمة و أنّه هل یجب تدارك انخفاض قیمة النقد؟ کان أوّل الآراء رأي الآیات العظام السیستانيّ و السبحانيّ و السیّد کاظم الحائري و هو أنّه لا یجب التدارك. إذا جعل أحد قبل خمسین عاماً مهر إمرأة ألف تومان ثمّ طلبته المرأة الآن، فهل یجب علی الرجل إعطاء ذاك الألف نفسه؟ قد أقیمت علی هذا الرأی أدلّة. الدلیل الأوّل أنّ النقد مثليّ «و المثليّ لا یضمن إلّا بالمثل». إن استقرضتَ ألف تومان فعليك تأدیة ذاك الألف نفسه؛ إذ النقد، مثلي. قد أجیب عن هذا الرأي بأربعة أجوبة. الدلیل الثاني هو أنّه إن لم یکن الأمر هکذا فهو ربا و الربا حرام. إن حصلت زیادة فهو مصداق الربا. قد أجبنا عن هذا الاستدلال بأجوبة متعدّدة في الجلسة السابقة.
الدلیل الثالث: النقد سلعة کالأرز. یأتيك ضیف فتقول لجارك أعطني عشرة کیلوات من الأرز ثمّ إنّي سأعطيكها في الشهر اللاحق. ثمّ أنت تعطیه في الشهر اللاحق عشرة کیلوات لا أکثر و لا یجوز له أخذ أکثر من ذلك. الزیادة في السلعة ربا محرّم.
ثمّ أنتم المخاطبون الکرام أجیبوا عن هذا السؤال و هو هل النقد سلعة؟ إن کان سلعةً ففیه الربا و إن کان مالاً فلا.
الرأي الأوّل: النقد، سند.
الرأي الثاني: النقد، تعهّد.
الرأي الثالث: النقد، مال و له مالیّة استقلالیّة.
قد ذکرنا في الجلسة السابقة خلفیّةً للنقد. إنّ الناس لدیهم في البدایة الذهب و الفضّة و کانوا یعاملون بهما في معاملاتهم. و حیث إنّ حفظهما صعب فقد جعلوهما ودائع عند شخص و أخذوا منه استلاماً علی أنّ لهم عند فلان مقداراً من الذهب. و لمـّا کان الذهب و الفضّة أمانتین فلیس للأمین حقّ التصرّف فیهما؛ بل یجب أن یترکهما في جانب حتّی یعطي الذهبَ و الفضّة لمن جاء بالاستلام. ثمّ کان في المرحلة اللاحقة یأذن الأمین للتصرّف في الذهوب و الفضّات. إنّه کان یعطي ذاك المقدار من الذهب إلی صاحبه و لکن یستأذن منه لأن یتصرّف فیه. قیل لهؤلاء الأفراد، الصرّافون. کان في المرحلة السابقة عنوان الأمانة و في هذه المرحلة قد صار العنوان قرضاً. ثمّ في مرحلة اللاحقة قد أعطت الدول و البنوك في مقابل الذهب و الفضّة، نقوداً للناس؛ أي صار الذهب و الفضّة، خلفيّتین للنقد. و المرحلة الأخیرة هي الدول و البنوك الفعلیّة التي لا علاقة بینها و بین الذهب و الفضّة، بل الموجود اعتبار. کلّما أرادت الدولة و البنوك خلق النقد و الاعتبار، خلقهما. ما یُعطی في المرحلة الأولی مقابل الذهب و الفضّة فهو سند. و في المرحلة التي فیها إجازة التصرّف في الذهب و الفضّة فالاستلام أیضاً سند. و في المرحلة التي تبدلّت الاستلام بالنقد و لم تکن له خلفیّة من الذهب و الفضّة، فهناك تعهّد؛ أي الدولة و البنك یتعاهد أن یعطي في مقابل هذا المقدار من النقد، مقداراً معیّناً من الذهب و الفضّة. ثمّ إنّه لیس من المهمّ تفاوت السند مع التعهّد.
قال الشهید الصدر رحمه الله: هذه المرحلة، تعهّد؛ أي لا یکون هناك دین، بل تعهّد للتأدیة. الدولة و البنك هو المدین و متعاهد للتأدیة.[1]
ثمّ إن کان ما یُعطی، سنداً ثمّ فقد هذا السند، فصاحب الذهب دائن بالنسبة إلی الأمین. مثل أنّي مدین لك ثمّ أعطيتُك صکّاً فإن فقد هذا الصكّ فأنت أیضاً دائن و عليّ أن أودّي. و إن کان تعهّداً فردُّ الذهب أو النقد، منوط بإرائة السند و إن لم یکن فلا ردّ. الشهید الصدر رحمه الله قائل بأنّ النقد، تعهّد؛ لذلك إن أعطیتُك دينك عليّ ثمّ فقد أو سرق فأنا لستُ بضامن. إن کان ما یُعطی، سنداً فهو محتاج للتدارك و لکن حیثما یکون تعهّداً فلا.
إذا کان النقد، اعتباراً فقط و یزید البنك عدّة أصفار علی اعتبارك و لم یکن ورقة في البین فلیس ذاك النقد سنداً و تعهّداً، بل هو مال؛ أي شيء ذو قیمة. بناءاً علی ما قلنا فهل النقد سلعة؟ الأرز و الحنطة و مثلهما سلائع و أخذ الزائد علیها ربا، هل النقد هکذا؟ هل یوجد تفاوت بین النقد و السلعة؟ هل النظر إلی السلعة طریقيّ أم موضوعي؟ تشتري الأرز لطبخه؛ فالنظر إلیه موضوعي. تلتفت إلی نفس الأرز مع کیفیّته الخاصّة و لکن نظرك إلی النقد طریقي. النقد هو وسیلة لشراء الأشیاء الأخری و لأن تکون لك قدرة علی الشراء. إذا اشتریت لولدك الوجبات الخفیقة فنظرك إلیها نظر استقلالي و لکن النظر إلی النقد آلي؛ فعلیه لا یجوز اعتبار النقد سلعةً. لا یجوز للدولة أن ینزّل اعتبار الحنطة و السلعة و لکن مع سقوط اعتبار الدولة و السلطان فستنزّل قیمة النقد أیضاً.
قال السیّد أبوالحسن الاصفهاني رحمه الله: «لو اقترض دراهم ثمّ أسقطها السلطان و جاء بدراهم غيرها لم يكن عليه إلّا الدراهم الاولى. نعم في مثل الصكوك المتعارفة في هذه الأزمنة المسمّاة بالنوط و الإسكناس و غيرهما إذا سقطت عن الاعتبار الظاهر اشتغال الذمّة بالدراهم و الدنانير التي تتناول هذه الصكوك بدلًا عنها؛ لأنّ الاقتراض في الحقيقة يقع على الدراهم أو الدنانير التي هي من النقدين و من الفضّة و الذهب المسكوكين؛ و إن كان في مقام التسليم و الإيصال يكتفي بتسليم تلك الصكوك و إيصالها. نعم لو فرض وقوع القرض على الصكّ الخاصّ بنفسه؛ بأن قال مثلًا: أقرضتك هذا الكاغذ الكذائي المسمّى بالنوط الكذائي، كان حالها حال الدراهم في أنّه إذا سقط اعتبارها لم يكن على المقترض إلّا أداء الصكّ، و هكذا الحال في المعاملات و المهور الواقعة على الصكوك».[2]
مثل أن یستقرض أحد في زمان البهلوي و النقود منقوشة في ذلك الوقت بصورة السلطان. ثمّ بعد الثورة الإسلامیّة سقط اعتبار البهلوي و طبع النقد مع صورة الإمام الخمیني رحمه الله فتأدیة الدیون مع النقد الموجود في زمن البهلوي لیست صحیحةً؛ إذ لا تکون لنقد الحاکم السابق خلفیّة من الذهب و الفضّة و لکنّ النقد الحاکم الفعليّ له خلفیّة. لیست الورقة مهمّةً بل الخلفیّة ذات أهمیّة.
قد أشکل آیة الله الگبایگاني رحمه الله و قال: إنّ هذا الکلام لوقت قد کان الذهب و الفضّة خلفیّتین للنقد و لکن الآن لیس الأمر کذلك. إلیك نصّ کلامه رحمه الله: «هذا خلاف ما هو المتعارف في المعاملات، فانّ لها مالیّةً من جهة الاعتبار یقع علیها بنفسها من دون نظر الی الدراهم و الدنانیر، کیف و هي غیر مقدور التسلیم لکثیر الناس».[3]
رأي آیة الله السیّد أبوالحسن الاصفهاني رحمه الله أنّ النقد، سند و لکن آیة الله الگلبایگاني رحمه الله معتقد بأنّ النقد مال لا سلعة.
إنّا نعتقد أنّ النقد مال لا سلعة حتّی یتحقّق فیه الربا، لکن لیس النظر إلیه نظراً استقلالیّاً و موضوعیّاً بل النظر إلیها نظر آليّ و طریقي. للنقد قیمة و المعیار قوّة الشراء. من استقرض فإنّه أخذ قوّة الشراء و علیه تأدیتها نفسها؛ فعلیه لا یکون في الزیادة إشکال.