بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

46/04/18

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: فقه النقد/التضخّم و انخفاض قیمة النقد /ماهیة التضخّم

 

خلاصة الجلسة السابقة: کان الکلام في الفقه المعاصر حول التضخّم و انخفاض قیمة النقد. هل یوجب انخفاض قیمة النقد ضماناً؟ قلنا إنّ هنا آراء مختلفةً. منها أن لا ضمان لانخفاض قیمة النقد و به قال آیات العظام السبحانيّ و السیستانيّ و السیّد کاظم الحائري و کثیر من الفقهاء. لا ضمان علی المدین لهذه التضخّمات و انخفاضات قیمة النقد. من استقرض عشرة ملایین تومان فهو ضامن لها نفسها و لا یضمن انخفاض القیمة إذا انخفضت. کان أوّل دلیل لهذا الرأی هو أنّ النقد مثليّ و «المثليّ لا یضمن إلّا بالمثل»؛ فلا یجوز أخذ أزید منه. قد تقدّمت أربعة أجوبة عن هذا الرأی.

الدلیل الثاني لرأی عدم الضمان

إن استقرض أحد عشرة ملایین تومان ثمّ أراد ردّ أزید منها فهو ربا محرّم.

قال آیة الله السبحانيّ (حفظه ‌الله): «من أقرض قرضاً انّما یجوز له أخذ مثله... و إن أخذ الدائن زائداً علی ما أقرض للتضخّم و انخفاض القیمة فهو الربا. هو [الدائن] لم یشترط عند الإقراض، حفظ قیمة النقد و مالیّته بل اعتمد علی أصل مسلّم في باب القرض (مِثلاً بمثلٍ)؛ و هو أنّه سیؤدّي عوض ما أخذ لا زائداً و لا ناقصاً. و الضرر ناشٍ من جانب الدائن الذي لم یلتفت إلی حفظ قیمة نقده، فعلیه أن یتحمّل الضرر. و بعبارة أخری إنّه أقرض نقداً ذا قیمة -لا قیمةً خاصّةً- و له أن یأخذ النقد نفسه. فالحاصل أنّ التضخّم لا تأثیر له في مثل هذه الاستقراضات».[1]

إشکالات علی کلام آیةالله السبحاني:

الإشکال الأوّل: مضمون الکلام أنّ الزیادة إن کانت، کانت ربا و محرّمةً. السؤال أنّ تدارك انخفاض القیمة من الزیادة أم لا؟ هناك فروض مختلفة: قد یکون التفاوت قلیلاً؛ مثل أن یقرض لمدّة شهر واحد و المدین یؤدّيه عند بلوغ زمانه. لم یحصل في هذا الفرض إلّا تفاوت یسیر بحیث لا یعتبره العرف تفاوتاً. الفرض الثاني هو إذا کان هناك تفاوت کثیر في مرّ الزمان و القیمة. مثل أن یقرض لمدّة عشر سنین و سیجد بعد المحاسبة تضخّم کثیر. مثل أن تباع السکّة بملیون تومان ثمّ یبلغ سعرها بعد مدّة إلی ستّة و خمسین ملیوناً.

إن کان التضخّم کثیراً فهل یقول عقلاء العالم و العرف إنّ هنا زیادةً؟ عندما أقرض عشرة ملایین فسعر السکّة ملیوناً و لکنّ الآن قد صار سعرها ستّةً و خمسین ملیوناً. إن راجعت إلی البنوك رأیت أنّهم یأخذون للتسهیلات الإعطائیّة مع تأدیة خمس سنین إلی ستّ سنین، عشرین من مأة إلی ثلاثین من مأة منافع، فهل یکون هذا من الزیادة؟ إنّ العرف و علماء الاقتصاد یعتبرون هذا الاستقراض ذا منفعة؛ إذ التضخّم أربعون من مأة و منفعة الاستقراض عشرون من مأة. معنی هذا الکلام أنّ العرف لا یعتبر هذا زیادةً. نعم إن کانت الزیادة في موضع لیس فیه تضخّم فلا کلام في ربویّته و حرمته و لکن فیما إذا وقع التضخّم بأربعین أو خمسین أو ستّین من مأة، لا یعتبر العرف هذا من الزیادة.

من أجل ذلك لا یُقرض أحد أحداً من دون الزیادة و إن أقرض فهو یرید الاحتیال؛ مثل أن یقول یجب عليك أن تودّع مبلغاً معیّناً في حسابك إلی مدّة معیّن، فإنّه من الربا. لماذا یشترط هکذا؟

إنّ أخذ مقدار انخفاض القیمة لا یکون زیادةً و رباً؛ إذ مثلیّة النقد بقیمة الشراء؛ کم تسطیع من الشراء بهذا المبلغ؟ إن کان التفاوت فاحشاً فلیس هذا من الزیادة عند العلماء حتّی إذا وقع التضخّم بأربعین من مأة و قد دفع بمقدار عشرین من مأة فیقال لم یؤدّ أصل القرض. هذه الاستقراضات التي یدفعها البنوك لا تکون منافع لهم بل تکون ضرراً علیهم.

الإشکال الثاني: قال آیة‌ الله السبحاني (حفظه ‌الله): «هذا من الربا و هو (أي: المعطي للقرض) لم یشترط عند إعطاء القرض حفظ قیمة المالیّة».

یفهم من کلامه أنّه إذا اشترط حفظ المالیّة فلا بأس به. هنا إشکال و هو أنّه هل یصحّ الربا بسبب هذا الشرط؟ إن کان أخذ الزیادة من الربا فلا یخرج بالشرط من کونه رباً. إن لم یعدّ شرط هذا المبلغ من الزیادة فلیس رباً حتّی یحلّ بسبب الشرط. الذین یأخذون الربا فإنّهم یُقرضون مبلغاً و یشترطون أن یجب علی المسقرض تأدیة مبلغ زائد. أخذ المبلغ للتأخیر هکذا أیضاً؛ إن اعتبر من الزیادة فهو ربا محرّم و إلّا فلیس بحرام.

الدلیل الثالث لمرأی عدم الضمان

هل تکون النقود و الشيكات و الأسانید الصرفيّة، أسانید أو أموالاً في عرف الناس؟ تقولون إنّ النقود أموال و الشیکات و الأسانید الصرفیّة أسانید للأموال، قلنا في الجلسات السابقة قد کانت القیمة للذهب و الفضّة سابقاً. و لمـّا کان حفظ الذهب و الفضّة صعباً فکان الناس یودّعونهما عند الصرّاف فأعطاهم الصرّاف ورقةً فیها مکتوب أنّ لفلان عندي هذا المقدار من الذهب أو الفضّة. کان الناس یشترون أمتعهم بهذه الورقة. لم یکن للصرّاف حقّ التصرّف في الذهب و الفضّة. کان یقال لهذه الورقة، السند؛ لم تکن هذه الورقة مالاً، بل هي کاشفة عنه. بعبارة أخری کانت «طریقاً» أي علامةً علی أنّ لفلان هذا المقدار من الذهب. ثمّ کان الصرّاف یتصرّف بعد مدّة في الذهب. إن کان الذهب أمانةً فلیس له التصرّف فیه و إن کان قرضاً فله التصرّف. کان یقول صاحب الذهب للصرّاف: إنّي أقرضتك هذا المقدار من الذهب و تستطیع من التصرّف فیه و لکن إذا أردتُ أخذه حیناً ما فعليك أن تعطیني. ثمّ في المرحلة الثالثة کانت الدول و البنوك یدّخرون الذهوب و یطبعون ما یعادلها من النقود و یعطونه الناسَ. و في المرحلة الرابعة بلغ الأمر إلی أنّه لیس هناك ذهب و فضّة بل الموجود اعتبار کان یُعطی إلی کلّ أحد. النقد اعتبار فقط لا طریق إلی الذهب و الفضّة و لا یکون سنداً لهما. و الآن بعد أن وصلنا إلی هنا فهل النقد الحاليّ، سند أم تعهّد أم مال؟ الاحتمال الأوّل هو أنّ النقد سند علی أنّ لديك مقداراً من الذهب و الفضّة. الاحتمال الثاني هو أنّي أتعهّد علی أن أقدّم لك خدمةً في مقابل هذا النقد. الاحتمال الثالث أنّ النقد لا یکون سنداً و لا تعهّداً؛ إذ هو قابل للإسقاط و تنزّل القیمة، بل هو مال. و إذا کان کذلك فسیصبح سلعةً ذات قیمة و یصیر مثل الأرز فإذا استقرضتُ منك کیساً من الأرز فعليّ أن أودّي کیساً منه و لا تجوز الزیادة. هل یصحّ هذا الاستدلال أم لا؟ سندارسه إن شاء الله في الجلسة الآتیة.

 


[1] . مجلّة رهنمون، مقالة جعفر السبحاني: رقم 6، ص92.