بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

46/04/04

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: فقه النقد/ التضخّم و انخفاض قیمة النقد/ماهیّة التضخّم

 

خلاصة الجلسة السابقة: کان البحث في الفقه المعاصر حول التضخّم و انخفاض قیمة النقد. یجب أن یبحث في أنّه إذا انخفضت قیمة النقد مع خلقه فهل یجب أن یتدارك هذا الانخفاض؟ قلنا إنّ قیمة النقد في الأزمنة السابقة ذاتیّة؛ أي کان النقد هو الذهبَ أو الفضّة. للدرهم و الدینار قیمة ذاتیّة. نعم إذا تغیّر الحاکم تغیّرت قیمة الذهب و الفضّة و انخفضت و لکن حیث کان النقد هو الذهبَ و الفضّةَ فله قیمة ذاتیّة. في الیوم إذا تغیرّت حکومة فلیس لنقدها قیمة؛ إذ لا یکون النقد إلّا قطعةً من القرطاس. هذا القرطاس المطبوع حیث تکون له خلفیّة من الدولة فله قیمة و مع فقدها لا تکون له قیمة. الآن قد قلّ هذا القرطاس أیضاً و صار اعتباراً إلکترونیّاً فحسب و قد یزید علیه أو ینقص منه صفر أو أصفار؛ هو اعتبار یعطيه البنك و لیست له قیمة ذاتاً.

ثمّ إنّ هناك مسألةً أخری سنبحث عنه في المستقبل و هو أنّ النقد یکون مثلیّاً أو قیمیّاً؟ لکلّ من المثليّ و القیميّ أحکام خاصّة. و هناك أیضاً نکتة أخری یجب الالتفات إلیها و هو أنّه ما تعریف النقد و ماهیّته؟ نعم نفس النقد واضح و لکن یجب وضوح أنّه ما هو أساسه و مقوّمه الذاتيّ؟

ماهیّة النقد

لعلماء الاقتصاد حول ماهیّة النقد اختلاف في المرآی:

التعریف الأوّل: خاصیّة النقد هي أنّ له مقبولیّةً عامّةً و هو قابل للتغییر بالسهولة؛ مبادلة بین القِیَم؛ أي یکون النقد شيئاً ذا قیمة قابلاً للمبادلة. یعطون للعامل نقداً و هو یعمل في قباله من الصباح إلی المساء. یعمل في الشهر عملاً ذا قیمة و یأخذ في قباله مقداراً من النقد. یأتي أحد إلی حانیة و یعطي النقد لاشتراء المتاع.

إن قیل في تعریف الإنسان إنّه أسود أو أبیض، فهذه أوصاف له و یمکن أن تتغیّر و لکن إذا قیل إنّه «حیوان ناطق» فقد استعمل من الجنس و الفصل اللذینِ هما من ذاتیّاته. السؤال الآن هو أنّ ذات النقد التي تکون مقوّمةً لنقدیّته ما هي؟ هل یکون التصویر المنقوش علی النقد أو لونه أو العدد المرقوم‌علیه مقوّماتٍ له أو تکون قابلیّته للمبادلة مقوّمةً له؟ إنّ التصویر و اللون أو العدد فوقه لا تکون مقوّماتٍ له بل قابلیّته للمبادلة هي مقوّمه. و لأجل هذه الخاصیّة له یمکن أن تُشتری به الأمتعة المحتاج إلیها.

التعریف الثاني: مقوّم النقد، هو القدرة علی تخزین القیمة.

لکن هذه الخاصیّة لا یمکن أن تکون مقوّمةً للنقد؛ إذ من لدیه نقد لا یبادل به فهو یخزن النقد و لکن حیث لم یکن قابلاً للمبادلة فلا یکون عمله تخزیناً للقیمة؛ فالقابلیّة للمبادلة أهمّ من تخزین القیمة. تخزین القیمة لا یکون تمام مقوّم النقد بل قابلیّته للمبادلة تکون مقوّمةً له.

التعریف الثالث: ماهیّة النقد، هي السلعة المتراکمة. بهذا المقدار من النقد یمکن أن یشتری هذا المقدار من المتاع. حیث یوجد النقد یمکن اشتراء الأمتعة المختلفة.

النقد مثليّ أو قیميّ

النکتة الأخری هي أنّ هذا النقد مثليّ أو قیمي؟ هذه المسألة مؤثّرة في المباحث الآتیة.

المسألة الأخری التي یجب أن تدارس في المباحث الآتیة هي أنّه هل یجب تدارك انخفاض قيمة النقد؟ إنّ هناك بعضاً قال: عند تأدیة الدین یجب تدارك انخفاض القيمة إن انخفضت. و قال بعض: إن استقرض قبل عشر سنین ألف تومانٍ فالآن یجب أن یؤدّي نفس الألف و إن انخفضت قیمته. قال الآخر: یجب أن یصالح. و قد فصّل بعض في المصادیق فقال المهر یجب أن یؤدّی بالقیمة الیومیّة و لکن مثل القرض یجب أن یؤدّی المقدار المأخوذ. ذهب بعض إلی تفصیل آخر و هو مربوط بمقدار انخفاض القیمة فقال إن کان مقدار الانخفاض قلیلاً لا یجب التدارك و إن کان کثیراً فیجب. قال آیةالله السیستانيّ (حفظه‌الله) إن نزلت القیمة إلی واحد بالعشرین یجب التدارك و إلّا فلا.

یجب أن ندارس هذه الآراء.

المرأی الأوّل: لا یجب التدارك

قد اعتقد أنصار هذا المرأی بأنّ تأدیة الدیون یجب أن تکون بمقدار الدین المأخوذ من الدائن و أخذ الزائد علیه من المدین یکون رباً. دلیل هذا المرأی یرجع إلی مسألة أنّ النقد قیميّ أو مثلي؟

المثليّ «ما يتساوى أجزاؤه من حيث القيمة».[1] علی سبیل المثال یقال: إنّ کیلواً من الحنطة بعشرة آلاف تومان و کیلوان منه بعشرین و ثلاث کیلوات منه بثلاثین و ...؛ إذ أجزاءه مساوٍ بعضها مع بعض في القیمة.

القیميّ ما لا یتساوی أجزاءه من حیث القیمة. إنّ أجزاء الغنم مختلفة في القیمة؛ قیمة رأسه متفاوتة مع قیمة فخذه.

هل یکون النقد مثل الحنطة أو الغنم؟ هل یکون قیمیّاً أو مثلیّاً؟

قال آیةالله التبریزيّ (رحمه‌الله): «النقد في نفسه مال لا سند للمال و یکون مثلیّاً؛ فمن صار مدیناً لأجل المهر و أمثاله بالمبلغ الرائج فلا یجوز للدائن أن یطلب منه أکثر من ذلك المقدار و لا یؤثّر ازدیاد قدرة البیع أو انخفاضها في هذا الحکم. و الله العالم».

قال آیةالله السیستانيّ (حفظه‌الله) في جواب هذا الاستفتاء: «ما تستحقّها الزوجة بعنوان المهر هو المبلغ المعیّن عند العقد و لا یتغیّر مع تغیّر مؤشّر القیمة؛ إذ النقد من المثلیّات؛ إلّا إذا سقط النقد من الاعتبار».

لکن الفتوی الأخیر لآیةالله السیستانيّ (حفظه‌الله) هو أنّ القیمة إذا انخفضت إلی واحد بعشرین، یجب أن تتدارك.

ثمّ إنّه علی أساس هذا المرآی من مثلیّة النقد فالعشرة آلاف تومان قبل عشر سنوات متّحدة مع العشرة آلاف حالیّاً من جهة اللون و الشکل و کلّ شيء. هذا المثليّ إسميّ و لکن قد قلّت قدرة المبادلة به. إن کنّا نعطي سابقاً عشرة آلاف تومان للفقیر فقد سرّ کثیراً و لکنّ الآن لا یقبل إن أعطیته العشرة آلاف. قد راجعوا إليّ کراراً فأعطیته عشرة آلاف تومان فلم یقبل منّي بل یجب أن تعطیه خمسین ألف تومان حتّی یقبله. قد کانت في السابق خمسة آلاف تومان في العراق نقداً کثیراً مطلوباً لکثیر من الناس و لکن الآن إذا أعطیتهم خمسة آلاف تومان، رموها إلی جانب.

هل یکون المهمّ في المثليّ قدرة المبادلة معه أو شکله؟ إن نُظِر إلی الشکل فاللون و الإمضاء و العدد واحدة و یکون مثل النقود في السنین السابقة؛ هذا المثليّ إسميّ لا واقعيّ؛ أي لا تکون له القدرة علی المبادلة. قد أمکن في السابق اشتراء أمتعة کثیرة به و لکنّ الآن لیس الأمر کذلك و لا یمکن اشتراء شيء به.

فعلی هذا یجب أن نجد مقوّم مالیّة المال فمالیّة المال بقدرة المبادلة معه. إن قلتَ هذا فالآن قد قلّت هذه القدرة و هذا الموجود الآن لیس کمن کان سابقاً. یجب أن تعطي بدل العشرة آلاف تومان، مأة ألف تومان.


[1] كتاب المكاسب (للشيخ الأنصاري) ط تراث الشيخ الأعظم، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص209.