بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

46/03/20

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: فقه النقد/ انخفاض قیمة النقد و التضخّم /

یکون بحثنا في فقه النقد حول انخفاض قیمة النقد و التضخّم. هذه المسألة من أهمّ المسائل الاقتصادیّة التي توجب قَلَقاً کثیراً بین الشعب و المسؤولین في السنوات الأخیرة. علی مَرّ الزمان و جلوس بعض المسؤولین مکان البعض الآخر یصیر الوضع أسوء و التضخّم أکثر و تنخفض قیمة نقود الناس. لأجل وضوح أبعاد المسألة و المباحث المربوطة بها من وجهة النظر الفقهيّ و الاجتهاديّ نحتاج إلی أن ندارسها من أساسها. قد أوجب التضخّم أنّ الشعب قد أعرضوا و یعرضون عن بعض المسؤولین و لا یعتنون بهم حتّی أنّهم قد صاروا ذوي مشاکل مع النظام الإسلامي. قد تأثّرت الشرکة في الانتخابات في السنوات الأخیرة من هذه التضخّم و لم یشارك فیها إلّا قلیل من الشعب. قد ظهرت ممّا قلنا ضرورة دراسة هذه المسألة لا سیّما أنّ القائد المعظّم (حفظه‌الله) قد کرّر التوصیة بها مراراً فإنّه أکّد في حکم تنفیذ الرئاسة الجمهوريّة الشهید آیةالله الرئیسيّ (أعلی‌الله‌مقامه) علی تقویة النقد الوطنيّ.[1] تکون هذه المسألة موضع اهتمام النظام و یکون أصل النظام في حرب مع هذا التضخّم. التضخّم هو عدوّ النظام من دون أن یبارز العدوّ الخارجيّ مع النظام و قد أوجب التضخّم انزعاج الناس و عدم رضاهم و ظهور المشاکل الکثیرة للنظام و الحکومة.

تجب أیضاً دراسة هذا البحث عن وجهة النظر الفقهي. علی سبیل المثال: یستقرض أحد و یتعهّد أن یؤدّیه خلال سنتین. ثمّ بعد مضيّ السنتین انخفضت قیمة النقد کثیراً. قد أمکن قبل بضع سنوات أن یُشتری بیت في بردیسان بمأة میلیون تومان و لکنّ الیوم لا یمکن شرائه بملیارین من تومان. من استقرض مأة میلیون تومان فهل یجب أن یؤدّي بعد مضيّ سنتین، المأة نفسها أو یجب علیه أن یتدارك انخفاض قیمة النقد و إن تدارك و أدّی مبلغاً زائداً علی المأة فهل یکون رباً؟

لم یبحث کثیراً حول مسألة التضخّم في الأزمنة السابقة، نعم قد وقع البحث بین الفقهاء في موارد کصداق المرأة الذي کان ریالین مثلاً في السابق و لا تکون لهما قیمة في الحال و أنّه ما تکون قیمتهما الآن؟ و في هذا الزمان یوجد هذا البحث المبتلی‌به في الأبعاد المختلفة. یجعلون مقدار الدیة أکثر سنویّاً و یجعلونه یومیّاً. لدی أحد بیت قیمته میلیار تومان مثلاً فیخمّسه ثمّ في السنة الآتیة تزداد قیمة البیت و تبلغ إلی خمس ملاییر تومان، فهل یجب علیه أن یخمّس المقدار الزائد؟ هل یکون هذا من باب ترقّي الملك أم من تنزّل قیمة النقد حتّی یقال إن انخفضت قیمة النقد فلا خمس و إن ترقّی الملك وجب الخمس؟

نعم إنّ بعض الفقهاء قد ذکروا مطالب في بعض المقالات و الکتب حول هذا المبحث و لکن برأینا یجب تحقیق أکثر حول هذه المباحث و یجب أن ینظر إلیها بدقّة و التفات أکثر.

 

معنی التضخّم

لأجل وضوح هذا البحث و أنّه بأيّ مقدار یجب أن نبحث في هذا الصدد بالتعمّق، نحتاج إلی تقصّي[2] مفهوم التضخّم. یمکن أن یکون لعموم الناس فهم لمعنی التضخّم، یجب أن یدارس حتّی یظهر لنا أنّ هذا الفهم صحیح أم لا؟ لأجل وضوح معنی التضخّم یجب العلم بأنّ للغَلاء أقساماً؛ لیس کلّ غلاء تضخّماً. إن نزل الثلج في سنة و صارت فاکهة نادرةً فقد ازدادت قیمتها و لکن لا تصیر قیمة باقي الأجناس و الفواکه الأخری غالیةً. و في فرض آخر إن لم ینزل المطر في سنة فوقعت مجاعة، ازدادت قیمة کثیر من الفواکه. في الفرض الأوّل قد ازدادت قیمة فرد واحد من الفواکه و في الفرض الثاني قد ازدادت قیمة کثیر من الفواکه و لکن مع ذلك لا یؤثّر هذا الازدیاد في قیمة سائر الأمتعة. لیس هذان الفرضان من التضخّم. علی سبیل المثال إن وقع حرب- لا سمح الله- و غلا بعض الأمتعة موقّتاً فلیس هذا تضخّماً. التضخّم أي تُنزّل قیمة النقود و تصیر قیمة جمیع الأمتعة غالیةً؛ فعلی هذا لیس الغلاء مرادفاً لمعنی التضخّم؛ أسباب الغلاء مختلفة.

مع هذا المعنی للتضخّم، إذا رأیت کلام بعض الأکابر علمت أنّ بعضهم قد خلط بین التضخّم و الغلاء. لیس کلّ غلاء تضخّماً، بل هو غلاء مسبّب عن تنزّل قیمة النقود لا الغلاء المسبّب من عدم نزول الثلج أو المجاعة أو الحرب. قد وقع هذا الخلط في درس آیةالله السبحانيّ (حفظه‌الله) فإنّه قد جعل معنی التضخّم و الغلاء واحداً.[3] لکنّا نرید أن نقول إنّ هذین لیسا بمعنی واحد. یجب أن ندارس أنّ التضخّم الموجود في إیران هل یکون سببه الحرب الاقتصاديّ أو التحریم أو سببه خلق النقود.

خلفیّة النقد

یقولون: «الوجود من أعرف الأشیاء و کنهه في غایة الخفاء». کلّ یعلم أنّ الوجود و الموجود ما هو و لکن کنهه غیر معلوم. هکذا الأمر بالنسبة إلی النقد الموجود في أیدیکم؛ کلّ یعرفونه و لکن ماهیّته و منشأه یحتاج إلی دقّة و دراسة. یجب لأجل العلم بماهیة النقد أن ننظر إلی خلفیّته و أنّه کیف خلق هذا الشکل من الوجود في السنین المتمادیة. قد عامل الناس في الأوائل لاحتیاجاتهم في حیاتهم معاملة السلعة بالسلعة؛ علی سبیل المثال: کان یعطي کیلوَین أو ثلاث کیلوات من الحنطة و یأخذ کیلواً واحداً من الأرز. لکن هذا العمل کان صعباً علی الناس فغیّروها و جعلوا المیزان واحداً من الأمتعة. الثقافات المختلفة في الأزمنة المختلفة، قد جعلت أمتعةً مختلفة میزاناً للمعاملة. علی سبیل المثال: قد جعل بعض الناس في برهة من الزمان، الملح میزاناً لمعاملاتهم و جعل بعضٌ الحنطة و بعضٌ الغنم. و لکن حمل هذه الأمتعة و حفظها صعب أیضاً. ثمّ مضی هذه الدورات حتّی جُعل الذهب و الفضّة ثمنین للمعاملة. ثمّ إنّ هذا الطریق فیه صعوبة أیضاً إذ حفظ الذهب و الفضّة من ید اللصوص صعب جدّاً حتّی ضربوا السکّة و النقود للمعاملات. و قد شاع في زمن الرسول الأکرم (صلّی‌الله‌علیه‌وآله‌وسلّم) السکوك من الدراهم و الدنانیر.

ثمّ بعد ذلك قد وجد الصیرفیّون و کانوا یعطون الناسَ عوض الذهب و الفضّة الموجودین لدیهم، الورقةَ المصرفیّة و کان إمضاءهم معتبراً فکان الناس یعاملون مع هذه الأوراق. قد کان یعامل الصیرفیّون مع الذهب و الفضّة الموجودین لدیهم و کانوا یربحون کثیراً. ثمّ التفتت الدول إلی هذه المسألة و أرادت أن تجعل نفسها مکان الصیرفیّین حتّی تتمتّع من هذه الظرفیّة فصارت الدول بدلاً عن الصیرفیّین. إتّجرت الدول مع الذهب و الفضّة الموجودین لدیها و تمتّعت منهما کثیراً. لم یکن إلی هاهنا مشکل؛ إذ الذهب و الفضّة قد کانا ظهیرین لهذه الأوراق. و من بعد ذلك علی مرّ الزمان لم یذهب الناس إسر الذهب و الفضّة بل عاملوا مع تلك الأوراق؛ فإذاً خلق النقد.

خلق النقد هو أنّهم قد طبعوا النقود فوق ما لدیهم من الذهب و الفضّة و أعطوها الناسَ. و من هنا نشأ التضخّم. السبب الأوّليّ لخلق التضخّم هو خلق النقود. أي طبع النقود من دون خلفیّة من الذهب و الفضّة و الإنتاج و التصدیر؛ فانخفضت قیمة النقود. کلّما ازداد متاع في العالم، انخفضت قیمته و کلّ قلیل من المتاع تکون قیمته غالیةً.

ثمّ إنّ العمل الآخر للدول الذي أوجب انخفاض قیمة النقود، إعطاء الاعتبار. إلی الآن إنّهم کانوا یطبعون النقود و یعطونها بأیدي الناس و لکنّ الآن یزیدون علی نسبة رصیدکم أصفاراً، هذا اعتبار لیس دونه ظهیر. إن أراد الناس أخذ نقودهم من البنوك فلیس لديها شيء و لکن یقال للناس إنّ لکم عند البنك هذا الاعتبار. و الناس أیضاً یعوّلون علی هذه الأصفار و یُثلجون صدروهم بها و ینقلون هذا الاعتبار بینهم. و الآن أیضاً النقود و الفلوس الخارجیّة بأیدي الناس قلیلة و ینقلون الاعتبار مع البطاقات الاعتباریّة و الحسابات الإلکترونیّة.

ثمّ إنّ التضخّم الذي ترونه في المجتمع، مسبّب عن خلق النقد و الاعتبار من دون الخلفیّة. هذه المسألة قد بعثت بعضَ علماء الاقتصاد في الحوزة العلمیّة علی أن یستفتوا من آیةالله‌العظمی مکارم الشیرازيّ (حفظه‌الله) في هذا الصدد. قالوا: کیف نصنع بانخفاض قیمة النقد المسبّب عن خلق النقود؟ فإنّ النقد قد صار منخفض القیمة و ضاقت مائدة الناس و تدمّر الحیاة و انجرّ النکاح إلی الطلاق و الناس کلّهم في المشاکل.

قد أجاب آیةالله‌العظمی مکارم الشیرازي (حفظه‌الله): «مع الالتفات إلی ما کتبتم إلینا فإنّ هذا العمل من مصادیق أکل المال بالباطل؛ إذ لیس هنا رأس مال حتّی یعاملوا معه و من جانب آخر یوجب التضخّم و الضرر علی المجتمع و بالجملة لا یخلو من نوع من الاحتیال و هو حرام و إن أراد الناس یوماً أخذ ودیعاتهم المصرفیّة، وقع البنك في الإعسار؛ إذ البنك قد استهلك أضعاف ما في یده من الرصید».[4]

ثمّ إنّ خلق النقد- علی هذا المرأی- یساوي الاحتیال. خلق النقد بید الدولة الذي یوجب التضخّم و انخفاض القیمة، هو نوع من الاحتیال. أن یکون الدول لدیهم العجز المیزانیّة أو هم مضطرّون، فیجب أن یبحث عنه في موضعه. إن کان خلق النقد حراماً فالنقد و الاعتبار الموجودان لدینا هل یکونان من مصادیق المال المختلط بالحرام؟ هل یجوز صرفهما؟ سندارس- إن شاء الله- في الجلسات الآتیة هذه الموارد.

 


[1] . نصّ حكم التنفیذ للدورة الثالثةعشرة للرئاسة الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة بتاريخ 12/05/1400.
[2] . إمعان النظر المعبّر بالفارسیّة «مو شکافي».
[3] درس خارج الفقه، 14/11/1396.
[4] الإجابة لسؤال بعض علماء الاقتصاد الحوزویّة.