44/10/18
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الفقه المعاصر/ المسائل المستحدثة في الأطعمة و الأشربة / حرمة لحم المسوخ
خلاصة الجلسة السابقة:
کان البحث في الفقه المعاصر حول مسائل الأطعمة و الأشربة. ذکر أنّ الأصل في لحوم الحیوانات هي الحلّيّة إذا شککنا في الحیوانات أ هي حلال أم حرام؟ فالأصل هي الحلّيّة و قد أثبتناه في المباحث السابقة. من المباحث المذکورة بحث المسوخ؛ المسوخ جمع المسخ؛ أي الحیوانات الممسوخة. قد اختلف في أساس قصّة المسوخ فقیل طبقاً لبعض الروایات: إنّ أقواماً کثیرةً في عصر الأنبیاء قد ارتکبوا ذنوباً کثیرةً و عقوبتهم أنّ الله جعلهم علی صورة بعض الحیوانات؛ صورة القرد و الدُبّ و الخنزیر و الضبّ و ... هل القصص المذکورة صحیحة؟ هل الحیوانات الموجودة الآن من نسل تلك الأقوام المسوخة؟ أو کان تشبه هذه الأقوام بهذه الحیوانات أخلاقاً؟ هناك مباحث لم ترتبط ببحثنا الفقهيّ و علی من یستطلع الموضوعات أن یبحث تاریخیّاً حتّی یصل إلی حقيقة المسألة.
و ما یرتبط بنا هو أنّ هذه الحیوانات المذکورة في الروایات من القرد و الدبّ و الخنزیر و الضبّ بعنوان المسوخ و ذکر في بعض الروایات أنّ أکلها حرام فهل نتیجة الصغری و الکبری هي أنّ هذه الحیوانات حرام؟ إن کانت هناك روایة صحیحة دالّة علی کون الحیوان الفلانيّ مسوخاً، قبلنا و إن کانت ضعیفةً فلا.
ثمّ إنّ واحداً من الحیوانات المختلف حکمها بحیث حرّمه کثیر من الفقهاء و حلّله بعضهم کآیةالله السیستانيّ (حفظهالله) و الشهید الصدر (رحمهالله)، هو الطاو و أساس الاختلاف روایة وردت فيه:
«عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ[1] عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ[2] عَنْ سُلَيْمَانَ الْجَعْفَرِيِّ[3] عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (علیهالسلام) قَالَ: الطَّاوُسُ مَسْخٌ كَانَ رَجُلاً جَمِيلاً فَكَابَرَ امْرَأَةَ رَجُلٍ مُؤْمِنٍ تُحِبُّهُ فَوَقَعَ بِهَا ثُمَّ رَاسَلَتْهُ بَعْدُ فَمَسَخَهُمَا اللَّهُ (عَزّوَجَلَّ) طَاوُسَيْنِ أُنْثَى وَ ذَكَراً وَ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَ لَا بَيْضُهُ».[4]
ضعّفها علماء کآیةالله السیستانيّ (حفظهالله) و الشهید الصدر (رحمهالله). و الراوي المختلف فیه هو «بکر بن صالح» و هو إماميّ ضعیف عندنا و عند هذین العلمین.
ثمّ إنّ هذه الروایة دالّة علی أنّ الطاوس من المسوخ و أکله حرام و حکم بحلّيّته من لم یقبل سندها. قال آیةالله السیستاني (حفظهالله): «و تحلّ النعامة و الطاوس على الأقوى».[5] و الشهید الصدر (رحمهالله) أیضاً قائل بهذا الرأی في تعلیقته علی منهاج الصالحین.
نقل في الکافي بهذا الإسناد من دون نقل قصّة مسخ الطاوس أنّ: «الطَّاوُسُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَ لَا بَيْضُهُ».[6] و الفرق بین هذه الروایة و الروایة السابقة من حیث المتن، هو أنّ عبارة «لَا يَحِلُّ» نصّ في الحرمة و لکن عبارة «لَا يُؤْكَلُ» المذکورة في الروایة السابقة تحتمل فیها الکراهة و الحرمة و الأکثر ظهورها في الکراهة؛ کما وجد في الروایات الکثیرة الأخری أنّ الأئمّة (علیهمالسلام) کانوا یقولون إنّا لا نأکل و «أَنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ نَعَافُهُ».[7]
دراسة الروایتین:
نقول، أوّلاً: هاتان العبارتان، من روایة واحدة لا روایتین منفصلتین. ثانیاً: أنّ روات الأحادیث یروون عادةً الأحادیث نقلاً بالمعنی فمن الممکن أن تزاد أو تنقص کلمة أو ینقل لفظ متفاوت لآخر قریباً معناه منه و لیس معلوماً هنا أنّ الإمام الرضا (علیهالسلام) استعمل أيّ لفظ من هذین اللفظین؟
الروایة السادسة: «مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى[8] عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ[9] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ[10] عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (علیهالسلام) قَالَ: الْفِيلُ مَسْخٌ كَانَ مَلِكاً زَنَّاءً وَ الذِّئْبُ مَسْخٌ كَانَ أَعْرَابِيّاً دَيُّوثاً وَ الْأَرْنَبُ مَسْخٌ كَانَتِ امْرَأَةً تَخُونُ زَوْجَهَا وَ لَا تَغْتَسِلُ مِنْ حَيْضِهَا وَ الْوَطْوَاطُ مَسْخٌ كَانَ يَسْرِقُ تُمُورَ النَّاسِ وَ الْقِرَدَةُ وَ الْخَنَازِيرُ قَوْمٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْتَدَوْا فِي السَّبْتِ وَ الْجِرِّيثُ وَ الضَّبُّ فِرْقَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يُؤْمِنُوا حَيْثُ نَزَلَتِ الْمَائِدَةُ عَلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ (علیهماالسلام) فَتَاهُوا فَوَقَعَتْ فِرْقَةٌ فِي الْبَحْرِ وَ فِرْقَةٌ فِي الْبَرِّ وَ الْفَأْرَةُ فَهِيَ الْفُوَيْسِقَةُ وَ الْعَقْرَبُ كَانَ نَمَّاماً وَ الدُّبُّ وَ الزُّنْبُورُ كَانَتْ لَحَّاماً يَسْرِقُ فِي الْمِيزَانِ».[11]
قد ذکرت في هذه الروایة عدّة من المسوخات و لکن في روایة آخری أنّ الجرّیث و المارماهي حلال کما روي أنّه: «مَا تَقُولُ فِي أَكْلِ الْجِرِّيِّ أَ حَلَالٌ هُوَ أَمْ حَرَامٌ فَقَالَ حَلَالٌ إِلَّا أَنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ نَعَافُهُ».[12]
فتحصّل أنّه یمکن أن یکون بعض الحیوان من المسوخ و حلالاً أیضاً.
الروایة السابعة: «الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ[13] عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ[14] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ[15] قَالَ أَخْبَرَنِي سَمَاعَةُ بْنُ مِهْرَانَ قَالَ أَخْبَرَنِي الْكَلْبِيُّ النَّسَّابَةُ قَالَ: ... فَقَالَ سَلْ فَقُلْتُ أَخْبِرْنِي عَنْ أَكْلِ الْجِرِّيِّ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ مَسَخَ طَائِفَةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَمَا أَخَذَ مِنْهُمْ بَحْراً فَهُوَ الْجِرِّيُّ وَ الْمَارْمَاهِي وَ الزِّمَّارُ وَ مَا سِوَى ذَلِكَ وَ مَا أَخَذَ مِنْهُمْ بَرّاً فَالْقِرَدَةُ وَ الْخَنَازِيرُ وَ الْوَبْرُ وَ الْوَرَكُ وَ مَا سِوَى ذَلِكَ».
و لکن ذکرت قبل هذه الفقرة فقرة أخری حیث قال (علیهالسلام): «مَا تَقُولُ فِي أَكْلِ الْجِرِّيِّ أَ حَلَالٌ هُوَ أَمْ حَرَامٌ فَقَالَ حَلَالٌ إِلَّا أَنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ نَعَافُهُ».[16]
هذه الروایة ضعیفة سنداً و لکن تدلّ علی أنّ المسوخات في البحر حلال؛ فبناءًا علی فرض قبول الروایة یستفاد أنّه لیس کلّ مسوخ حراماً بل یمکن أن یکون الحیوان من المسوخ مع کونه حلالاً.
الروایة الثامنة: «رُوِيَ أَنَّ الْمُسُوخَ لَمْ تَبْقَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّ هَذِهِ مُثِّلَ بِهَا فَنَهَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَنْ أَكْلِهَا».[17]
قد تبدأ مراسیل الشیخ الصدوق (رحمهالله) بـ «قال الصادق (علیهالسلام)» من غیر ذکر رواتها فإنّ بعض الفقهاء علی أنّ هذه المراسیل المذکورة معتبرة و لکنّه (رحمهالله) إذا قال «رُوِي» علم أنّ سند الروایة لیس معتبراً.
إن قبلنا هذه الروایة الضعیفة فعلی أساسها نقول: إنّ بعض الحیوانات کالفیل و القرد و ... الموجودة الآن فلیست من المسوخ بل هي شبیهة بها و قد نهی الله- تعالی- عن أکلها.
الروایة التاسعة: «عنه[18] عن احمد بن الحسن[19] عن عمرو بن سعيد[20] عن مصدّق بن صدقة[21] عن عمّار[22] عن أبي عبد الله (عليهالسلام) فِي الَّذِي يُشْبِهُ الْجَرَادَ وَ هُوَ الَّذِي يُسَمَّى الدَّبَا لَيْسَ لَهُ جَنَاحٌ يَطِيرُ بِهِ إِلَّا أَنَّهُ يَقْفِزُ قَفْزاً أَ يَحِلُّ أَكْلُهُ قَالَ لَا يَحِلُّ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَسْخٌ وَ عَنِ الْمُهَرْجِلِ[23] قَالَ لَا يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ مَسْخٌ لَيْسَ هُوَ مِنَ الْجَرَادِ.».[24]
قد ذکر في هذه الروایة أیضاً بعض المسوخ.
ثمّ إنّه عُلمت من مجموع هذه الروایات نکتتان: أنّه قد بیّن بعض مصادیق المسوخات. أنّه قد علم الناس حکم المسوخ من الحرمة؛ إذ بعد ما کان یجعل الإمام (علیهالسلام) الحیوان المسؤول عنه من المسوخ، لم یکن السائل یسأل عن حليّته و حرمته.