44/10/01
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الفقه المعاصر/ المسائل المستحدثة في الأطعمة و الأشربة / حرمة لحوم المسوخ
خلاصة الجلسة السابقة: کان البحث في الفقه المعاصر حول مسائل الأطعمة و الأشربة و قد ذکرنا مباحث من کتاب تحریر الوسیلة للإمام الخمیني (رحمهالله). منها: أصالة الحلّیّة في الحیوانات. إذا شککنا في کون حیوان من مأکول اللحم أو من غیره فهنا تجاهان؛ قد اعتقد بعض الفقهاء بـ «أصالة الحرمة»؛ أي الأصل في الحیوانات المشکوکة حرمتها، أن نقول بالحرمة. ثمّ إنّا قد أثبتنا في المباحث السابقة أنّ الأصل هو الحلّیّة؛ إذا شککنا في أنّ هذا الحیوان من مأکول اللحم أو غیره فإنّا نجري أصالة الحلّیّة. نعم، الحیوانات التي یوجد علی حلّیّتها أو حرمتها دلیل متقن فلا کلام لنا هنا، لکنّ الموارد التي لم یوجد دلیل متقن علی الحلّیّة أو الحرمة، فعلی أساس الآیات و الروایات الأصل هو الحلّیّة.
قد وصلنا في مباحثنا إلی السباع، هل هي من الحیوانات المأکول لحمها أم من غیره؟ قد ذکرنا هنا روایةً من الإمام المعصوم (علیهالسلام) تدلّ علی أنّ الحرمة في لحوم السباع عرضیّاً لا ذاتیّاً؛ إذ طعامها هو العذرة و المیتة و هما لیستا بحلال؛ فلحوم هذه الحیوانات محرّمة أیضاً.
المسوخ
الـمَسوخ، جمع المسخ بمعنی «المقلّب وجهه»؛ أي کانت له صورة إبتداءاً ثم قلّب وجهه صورةً أخری. قیل: بعض الحیوانات کالقردة و الخنازیر و ... من المسوخات.
ثمّ إنّه ما هي القصّة و الأساس لهذه المسوخات؟ هنا بحث و أقوال. قیل (مثلاً) هناك بعض الأقوام، هم أهل المعاصي و قد جعلهم الله لتعذیبهم علی صورة الخنزیر، الذئب أو ... و صحّة هذا المرأی تحتاج الی البحث. قال بعض إن کانت هناك روایة علی المسخ فالمراد منها أنّ الله قد جعلهم مثل هذه الحیوانات في صفاتها لا أن یجعل ظاهرهم کظاهرها. أ لم توجد هناك قردة أو خنازیر قبل أن تصیر هذه الأقوام قردةً أو خنازیر؟ هل القردة الموجودة الآن هي من نسل ذلك القوم المسوخ بالقردة؟ قد بُحث حول هذه المسائل کثیراً و لم یوجد أيّ دلیل متقن علیها. و لیس لنا قصد للبحث الموضوعيّ في أنّه أيّ الأقوال فیها صحیح و له واقع؟ بل قصدنا أن نبحث حول الحیوانات المذکورة في الروایات بعنوان المسوخات و أنّه ما حکم أکل لحومها؟ لدینا روایات دالّة علی أنّ المسوخ محرّمة و بعضها تدلّ علی أنّها محلّلة. علینا أن نذکر الروایات المعتبرة منها و غیر المعتبرة ثمّ ندارس عنها.
دراسة الروایات
الروایة الأولی: عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ[1] عَنْ أَبِيهِ[2] عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ[3] عَنْ حَمَّادٍ[4] عَنِ الْحَلَبِيِّ[5] عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیهالسلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ أَكْلِ الضَّبِّ. فَقَالَ: إِنَّ الضَّبَّ وَ الْفَأْرَةَ وَ الْقِرَدَةَ وَ الْخَنَازِيرَ مُسُوخٌ».[6]
قیل في «ابن أبي عمیر» إنّه قد نقل عن الثقات لا عن غیرها. من خصوصیّات الأتقیاء أنّهم لا یروون علی الفور کلّ ما یسمعونه بل یرون و یروون أقوال من یثقون بهم و لا یروون روایةً عن غیر الثقة؛ فإنّ الأقوال التي تکلّمتم بها في المجتمع لها تغذیة إرجاعيّة و الناس یلتفتون إلیها. و الرواة ذووا قیمة عندنا إذا کانوا بحیث «لایروون و لا یرسلون إلّا عن ثقة» و ابن أبي عمیر له هذه الخصوصیّة و هو مراقب علی قوله.
سند هذه الروایة صحیح من جمیع الجهات.
قد سأل الرواي عن الإمام الصادق (علیهالسلام) عن أکل لحم الضبّ فقال الإمام (علیهالسلام) الضبّ و الفأرة و القردة و انواع الخنزیر من المسوخات.
لم یجب الإمام (علیهالسلام) سؤال السائل حیث سأل إنّها حرام أم لا؟ بل بیّن (علیهالسلام) له أنّها من المسوخ. و الظاهر أنّ السائل قد أخذ جوابه من کلام الإمام (علیهالسلام) و مقبول عنده أنّه لا یجوز أکل المسوخ.
الروایة دالّة علی أنّ هذه الحیوانات المذکورة من المسوخ.
الروایة الثانیة: «عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ[7] عَنْ أَبِيهِ[8] عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ[9] عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ خَالِدٍ[10] قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ يَعْنِي مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ (علیهالسلام) أَ يَحِلُّ أَكْلُ لَحْمِ الْفِيلِ؟ فَقَالَ: لَا. قُلْتُ: وَ لِمَ؟ قَالَ (علیهالسلام): لِأَنَّهُ مَثُلَةٌ[11] وَ قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ (عَزَّوَجَلَّ) الْأَمْسَاخَ وَ لَحْمَ مَا مُثِّلَ بِهِ فِي صُوَرِهَا».[12]
سند هذه الروایة و دلالتها صحیحان. و الروایة تدلّ علی أنّ الله حرّم الحیوانات المسوخة التي منها الفیل.
و قد جعل آیةالله السیستاني (حفظهالله) بعض المسوخات محلّلةً کالطاووس و النعامة.
الروایة الثالثة: «عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ[13] عَنْ أَبِيهِ[14] عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ[15] عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ[16] قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیهالسلام) عَنِ الْمَأْكُولِ مِنَ الطَّيْرِ وَ الْوَحْشِ فَقَالَ: ... حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ رَسُولُهُ (صلّیاللهعلیهوآله) الْمُسُوخَ جَمِيعَهَا ...».[17]
الروایة صحیحة سنداً و تدلّ علی حرمة المسوخات لکنّها لم تبیّن مصادیق المسوخ بل بیّن حکمها فقط.
هنا نکتة:
ما معنی أنّ الله و رسوله حرّما شيئاً؟ یمکن أن یستفاد أنّه إن حُرّم شيء في القرآن فإنّ الله قد حرّمه و إن حُرّم في الروایة فقد حرّمه رسول الله (صلّیاللهعلیهوآلهوسلّم) فما معنی هذه الروایة حینئذٍ؟ الجواب أنّ الخنزیر أحد المسوخات الذي ذکرت في القرآن حرمته و جاء سائر المسوخات في الروایات؛ فالحاصل أنّ الله حرّم المسوخات و رسوله أیضاً حرّمها.
الروایة الرابعة: «عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ[18] عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ[19] عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ[20] عَنْ أَبِي سَهْلٍ الْقُرَشِيِّ[21] قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیهالسلام) عَنْ لَحْمِ الْكَلْبِ فَقَالَ: هُوَ مَسْخٌ. قُلْتُ: هُوَ حَرَامٌ؟ قَالَ: هُوَ نَجَسٌ. أُعِيدُهَا عَلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ: هُوَ نَجَسٌ».[22]
هذه الروایة ضعیفة سنداً؛ إذ بعض رواته مهمل، لکن حیث إنّها قد جاءت في الکافي فقد قبله بعض العلماء.
لکن یقع السؤال في أنّه لمَ لم یقل الإمام الصادق (علیهالسلام) دفعةً واحدةً إنّ لحم الکلب حرام بل قال إنّه نجس؟ قد خرّج بعض بأنّ بعض العامّة قد أحلّ لحم الکلب فإنّ الإمام (علیهالسلام) لم یعتمد علی الحرمة بل أجاب بنجاسته و أکل النجاسة حرام؛ لئلّا یخالف العامّة بالصراحة.
في هذه الروایة قد جُعل الکلب من المسوخات.
الروایة الخامسة: «عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ[23] عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ[24] عَنْ سُلَيْمَانَ الْجَعْفَرِيِّ[25] عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (علیهالسلام) قَالَ: الطَّاوُسُ مَسْخٌ كَانَ رَجُلاً جَمِيلاً فَكَابَرَ امْرَأَةَ رَجُلٍ مُؤْمِنٍ تُحِبُّهُ فَوَقَعَ بِهَا ثُمَّ رَاسَلَتْهُ بَعْدُ فَمَسَخَهُمَا اللَّهُ (عَزَّوَجَلَّ) طَاوُسَيْنِ أُنْثَى وَ ذَكَراً وَ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَ لَا بَيْضُهُ».[26]
هذه الروایة صحیحة سنداً علی التحقیق؛ و إن أشکل بعض في سندها. تدلّ الروایة علی أنّ الطاوس من المسوخ لکن هنا بحث؛ هل یدلّ النهي علی الحرمة أو الکراهة؟ فإنّ آیةالله السیستانيّ (حفظهالله) و الشهید الصدر لم یحرّماه.
إن کان الطاوس من المسوخات فأکله حرام و إذا قیل لا یحرم أکله، عُلم أنّ أکل المسوخات لیس محرّماً کما سیأتي البحث عنه إن شاء الله- تعالی- في المباحث الآتیة.