44/08/14
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الفقه المعاصر/ المسائل المستحدثة في الأطعمة و الأشربة/ حرمة لحم السباع
خلاصة الجلسة السابقة: یکون البحث في الفقه المعاصر حول المسألة الخامسة التي ذکرها الإمام الخمينيّ (رحمةاللهعلیه) في تحریر الوسیلة من أنّ لحم البقر و الغنم و الإبل حلال و لحم البغل و الحمار مکروه و لحم مثل الکلب و الهرّة و السبع حرام. قد وصل البحث إلی أنّ رأینا في الأطعمة و الأشربة هو أنّا إن نجد دلیلاً قاطعاً علی حرمة حیوان نحرّمه و إلّا فلا.
حرمة لحم السباع
قد أفتی جمیع فقهاء الإماميّة و العامّة إلّا المالك بحرمة السباع؛ سواء کان لها مخلب أو ناب.
ثمّ إنّه یمکن أن یظنّ بعض أنّ إصالة الحلّیّة في آیة ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِي إِلَي مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يطْعَمُهُ﴾[1] قدّ خصّصت بالتخصیص الأکثر؛ إذ السباع کثیرة و الآیة قد حرّمت موارد معدودةً و إذا حکم بحرمة السباع فیصیر کثیر من الحیوانات محرّماً فیلزم تخصیص الأکثر. إذاً نحتاج إلی أن ندارس هل تکون السبعيّة دلیلاً علی الحرمة أم لا؟
قال صاحب الجواهر (رحمهالله): «يحرم منها ما كان سبعاً و هو ما كان له ظفر أو ناب يفترس به، قويّاً كان كالأسد و النمر و الفهد و الذئب أو ضعيفاً كالثعلب و الضبع و ابن آوى».[2]
أدلّة حرمة السباع:
الدلیل الأوّل: الإجماع
قد أجمع الفقهاء علی حرمة السباع منقولاً و محصّلاً کما قال صاحب الجواهر (رحمهالله) «بل الإجماع بقسميه عليه».[3]
لکن فیما إذا کانت هناك روایات کثیرة واردة في شيء فالإجماع مدرکيّ فیجب الرجوع إلی تلك الروايات.
الدلیل الثاني: السیرة
السیرة المستمرّة بین المسلمین هي أنّهم کانوا یحرّمون لحوم هذه الحیوانات؛ کما أشار إلیه صاحب الجواهر (رحمهالله) بقوله: «مضافاً إلى السيرة المستمرّة».[4]
الدلیل الثالث: الروایات
هناك ثلاث طوائف من الروایات: طائفة قد حکمت بحرمة هذه الحیوانات. الأخری قد جعلتها مکروهةً. الثلاثة قد ذکرت دلیل حرمة لحوم السباع من أنّها تأکل المیتة و النجاسة و إلّا تأکل منهما فلا تحرم لحومها فهي غیر محرّمة ذاتاً، بل حرمتها عرضيّة.
روایات الطائفة الأولی (حرمة السباع):
الروایة الأولی: عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ[5] عَنْ أَبِيهِ[6] عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ[7] عَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ[8] عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیهالسلام) قَالَ: «كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَ مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ حَرَامٌ».[9]
هذه الروایة صحیحة سنداً و دلالةً.
الروایة الثانیة: عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ[10] عَنْ أَبِيهِ[11] عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ[12] عَنْ حَمَّادٍ[13] عَنِ الْحَلَبِيِّ[14] عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیهالسلام) قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلّیاللهعلیهوآله) قَالَ: «كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَ مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ حَرَامٌ وَ قَالَ (علیهالسلام) لَا تَأْكُلْ مِنَ السِّبَاعِ شَيْئاً».[15]
هذه الروایة صحیحة أیضاً دلالةً و سنداً.
الروایة الثالثة: عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ[16] عَنْ أَبِيهِ[17] عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ[18] عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ[19] قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیهالسلام) عَنِ الْمَأْكُولِ مِنَ الطَّيْرِ وَ الْوَحْشِ فَقَالَ حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ (صلّیاللهعلیهوآله) كُلَّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ وَ كُلَّ ذِي نَابٍ مِنَ الْوَحْشِ فَقُلْتُ إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ مِنَ السَّبُعِ فَقَالَ لِي يَا سَمَاعَةُ السَّبُعُ كُلُّهُ حَرَامٌ وَ إِنْ كَانَ سَبُعاً لَا نَابَ لَهُ».[20]
هذه الروایة أیضاً صحیحة سنداً و دلالةً.
روایات الطائفة الثانیة (کراهة لحوم السباع)
الروایة الأولی: الْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ[21] عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى[22] عَنْ سَمَاعَةَ[23] قَالَ: «سَأَلْتُهُ عَنْ لُحُومِ السِّبَاعِ وَ جُلُودِهَا فَقَالَ أَمَّا لُحُومُ السِّبَاعِ وَ السِّبَاعِ مِنَ الطَّيْرِ وَ الدَّوَابِّ فَإِنَّا نَكْرَهُهُ وَ أَمَّا الْجُلُودُ فَارْكَبُوا عَلَيْهَا وَ لَا تَلْبَسُوا شَيْئاً مِنْهَا تُصَلُّونَ فِيه».[24]
هذه الروایة موثّقة و تدلّ علی کراهة لحم السب
الروایة الثانیة: اَلْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ[25] عَنْ صَفْوَانَ[26] عَنِ اِبْنِ مُسْكَانَ[27] عَنِ اَلْحَلَبِيِّ[28] عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ (عَلَيْهِاَلسَّلاَمُ) قَالَ: «لاَ يَصْلُحُ أَكْلُ شَيْءٍ مِنَ اَلسِّبَاعِ إِنِّي لَأَكْرَهُهُ وَ أَقْذَرُهُ».[29]
ثمّ إنّ قوله «لاَ يَصْلُحُ» لیس ظاهرا ً في الحرمة.
هذه الروایة صحیحة سنداً.
روایة الطائفة الثالثة (مبیّنة دلیل الحرمة)
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ[30] بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّ الرِّضَا (علیهالسلام) كَتَبَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ[31] «حَرَّمَ سِبَاعَ الطَّيْرِ وَ الْوَحْشِ كُلَّهَا لِأَكْلِهَا مِنَ الْجِيَفِ وَ لُحُومِ النَّاسِ وَ الْعَذِرَةِ وَ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَجَعَلَ اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ دَلَائِلَ مَا أَحَلَّ مِنَ الْوَحْشِ وَ الطَّيْرِ وَ مَا حَرَّمَ».[32]
هذه الروایة صحیحة تامّة سنداً.
قد ذکرت هذه الروایة وجه الجمع بین الطائفتین الأولیین. فإنّه بناءً علی هذه الروایة لیست حرمة السباع ذاتيّةً بل عرضيّةً؛ فإن حجزت صحّیّاً و لم تکن جلّالةً فهي حلال. ثمّ إنّه قد ظهر بهذا البیان أنّ آیة ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِي إِلَي مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يطْعَمُهُ﴾[33] لم تخصّص؛ إذ حرمة السباع لیست ذاتیّةً، بل عرضيّةً. الإجماع و السیرة قائمان أیضاً علی الحرمة العرضيّة. فحینئذٍ لا یوجد تنافٍ بین الروایات و الآیات و الإجماع.
التوسّل إلی أمّ صاحب الزمان (عجّلاللهفرجه)
أقول لکم یا معشر الأعزّة نکتةً مع التفات إلی أیّام شعبان المعظّم و هي التوسّل إلی والدة صاحب الزمان (عجّلاللهفرجه). هذا التوسّل منظور إلیه عند العلماء. هناك کثیر من الختومات تفعل و یُهدی ثوابها إلیها و یُنذِرون لها (علیهاالسلام). فإنّها (علیهاالسلام) قد وقعت کثیراً في الصعوبة و الشدّة و لها صبر جمیل. ینبغي أن یکتب فيها کتب و یجلّل شأنها. إنّ الختومات لها ستنتج کثیراً. ثمّ إنّي سأزور اللیلة النجف و کربلاء؛ سأنوب عنکم أیّها الأعزّة و السلام علیکم و رحمةالله و برکاته.